التلفزيون في سورية: سنوات الفوضى الإعلامية

21 نوفمبر 2014
المشهد التلفزيوني العربي لا يبشّر بالخير (Getty)
+ الخط -
قد يكون وصف ما يعتري سورية منذ قرابة أربع سنوات بالفوضى الإعلاميّة المتفلتة من كل ضوابط، هو الأكثر مواءمةً، سواء على مستوى أداء ما يسمى اصطلاحياً بالإعلام الحكومي أو الموالي، أم ما يسمى بإعلام الثورة.
فقد تعرضت حالة الجمود الإعلامية التي كانت راسخة على مدى أربعة عقود من حكم الأسد الأب ومن بعده الابن، ولم يطرأ على تركيبتها أي تطور يذكر. لكنّ الهزة غير المتوقعة التي ضربتها بعثرت كل ذلك الثبات الموهوم، وفرضت على تلك التركيبة أن تبحث عن حلول إسعافية تكون كفيلة بإنقاذها من الانهيار... فما كان من الواقفين خلف صناعة هذه المنظومة إلا أن يسيروا على خطى الحل الأمني نفسها، أي الضرب بقوة، وتدمير كل ما يمكن تدميره، طالما أنه لا يوجد أي حلول يمكن ابتكارها في هذا الجهاز الذي تم تأسيسه لا على أسس مهنية وإعلامية، لكن على أسس أمنية بحتة.
إذ يمكن من خلال غربلة قرابة ثلثي العاملين في "الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" معرفة أن أولئك العاملين هم في مجملهم من المحسوبين على المؤسسة الأمنية بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد تم تعيينهم بالواسطة، ولذلك فإنهم غير مؤهلين على الإطلاق لوضع استراتيجية كاملة للتعامل مع موقف مفاجئ أو استثنائي مثل الذي ضرب سورية شتاء عام 2011.
والأمر نفسه أصاب تلفزيون "الدنيا" الخاص، الذي يمتلكه عدد من رجال الأعمال المقربين من النظام، والذي يتبع بشكل مباشر لوزارة الإعلام. واجتهدت "الدنيا" في إعداد فقرة أقرب إلى الفانتازية أطلقت عليها تسمية "التضليل الإعلامي" وكانت تتولى مهمة تفنيد الأحداث وتكذيبها، فيما تفتقت عبقرية أحد صانعي الأخبار في الإخبارية السورية عن خبر غرائبي حين علل سبب خروج الناس في مظاهرة بحي الميدان الدمشقي، إلى أن الناس خرجت تشكر الله على نعمة المطر.
وقد انحصر دور الفضائية السورية، على ما يبدو، في البداية بإجراء حوارات مع المواطنين في الشوارع ليؤكدوا أن الأمور بخير وألا شيء يحدث تحت سماء سورية. بعد ذلك ستأخذ "المعركة" شكلاً جديداً يعتمد على شيطنة الثورة وتصويرها كفعل إرهابي يستهدف محور المقاومة والممانعة.
على الضفة الأخرى، أي ضفة المعارضة، ظهرت عدة قنوات داعمة للثورة، لكن الأمر استغرق عاماً كاملاً تقريباً. وقد تولت قناة "أورينت" مهمة دعم الثورة وحيدة في البداية، فكانت ندّاً لإعلام النظام. بعد ذلك ظهرت قناتا "سوريا الشعب"، و"سوريا الغد" بالتوازي تقريباً، وقد حملت كل واحدة منهما راية الثورة، وبدأت بالدفاع عن حق السوريين في العيش بحرية، لكن أدوات تلك القنوات الثلاث تقريباً لم تختلف كثيراً عن أدوات إعلام النظام، فقد كانت تعمد في بعض الأحيان إلى التهويل، وربما الفبركة في محاولة منها للتأثير على الرأي العام. وقد اعتمدت في الكثير من مادتها الصورية على مقاطع الفيديو التي كان يسربها الناشطون الإعلاميون.
بعد ذلك ظهرت تباعاً قناة "دير الزور" و"السوري الحر"، و"سوريا الكرامة" وجميعها لم يكتب لها الاستمرار، وكان المبرر دائماً ضعف التمويل، وهو واحد من المآخذ العديدة التي يلاحظها المراقبون على عمل مؤسسات المعارضة السورية التي أهملت الجانب الإعلامي بشكل كبير، وتركت الساحة خالية لإعلام النظام.
دلالات
المساهمون