زواج الأجانب في مصر.. الهرب من الإضطهاد

10 اغسطس 2017
(حفل زفاف بالقاهرة، تصوير: محمد الشامي)
+ الخط -

لم يعد الزواج في "أم الدنيا" أمرًا سهلًا؛ فهي معادلة باتت مستعصية على الحل لدى غالبية أبناءها، ويعزف عنها قطاع ليس بالقليل، بينما يتحرى آخرون حيلًا متفاوتة، للخروج من التعقيدات الاقتصادية والتحدّيات الاجتماعية والتفاوت الطبقي وسطوة العادات والتقاليد، التي تفرض شروطًا شاقّة ترافق عملية الزواج ومراحله، تجعلها بمثابة دوامة، التحرّك داخلها يحدث ببطء، ومقاومتها صعبة ومرهقة، وتحول في كثير من الأحيان دون إتمام عقد الزواج.

يعد الزواج والحب درجة في سلم التطوّر الاجتماعي البشري والإنساني، ونتاج للحركة الفزيولوجية والسوسيولوجية للإنسان. كما أن مضمون هذه العلاقة وشكلها في أي مجتمع، يحدّد سياق تطوّره الحضاري والمعرفي ومكانة المرأة فيه ومكتسباتها الحقوقية، فيما يكشف بوجه عام عن درجات الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بدقّة، وحالة المساواة والحرية بين الأفراد من عدمها وتسلّع "الجسد" وتشيؤه.

إن الزواج ليس أحد المسلمات الفلسفية المثالية أو التجلّيات الصوفية، لكنه واقعة اجتماعية تظهر فيها التفاعلات الجدلية للبناء التحتي للمجتمع، وقوى الإنتاج المسيطرة وطبيعتها ومصالحها، والتي تحدّد توجهاته وتخلق قيمه وثقافته وانحيازاته.

وبالتالي، فإن تفاوتت أشكال الزواج والعائلة عبر التاريخ، وتنوّعت كما حدّدها المفكر والفيلسوف الألماني "أنجلز"، رافقت مراحل تطور البشرية، منذ المرحلة الوحشية البدائية، والتي اتسمت بـ"الزواج الجماعي"، مرورًا بالمرحلة البربرية وظهور الزواج الثنائي، إلى مرحلة الحضارة التي عرف فيها الزواج الأحادي المقرون بالخيانة الزوجية والبغاء.

يهرب المصريون اليوم من أشكال الزواج التي تفرض قيودها القسرية عليهم، وتحبس أنفاسهم وتمارس ضدّهم صنوف القهر والاضطهاد، حيث لم يعد ثمّة فارق جوهري داخل البنية المجتمعية التي تتحكّم فيها عقلية السوق الاحتكاري، حول تبنيه مفهوم الربح والمكسب والخسارة، واستعارة نفس الآليات التي يتمّ الاستعانة بها أثناء العرض والترويج للسلع والمنتجات، أيًا كانت نوعها والغرض من وراءها، وتحويلها إلى منصّة إعلانية شديدة الزخم والفوضى والابتذال.

الزواج من أجنبيات أقلّ تكلفة في كل الأحوال من الزواج من مصريات، فالمرأة المصرية، ستضطر الشاب إلى الدخول في حل شفرة شديدة التعقيد حتى يظفر بها، تبدأ مراحلها من البحث عن شقّة والتي تختلف مواصفاتها، حسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها، وبحسب العادات المصرية، فإن الشقّة يتكفل بها الزوج وتتراوح أسعارها حوالي مائتي ألف جنيها مصريًا في المتوسط، الإيجار الشهري يتراوح بين 800 وحتى ألفي جنيه، في المتوسط أيضًا، في الأحياء العشوائية والإيجار القديم، حيث يتضاعف السعر مع الإيجار الجديد والأحياء الأكثر تميّزًا ورقيًا، وذلك في ظل اعتماد متوسّط رواتب المصريين بحوالي 1200 جنيهًا مصريًا، فيظل عائقًا أمامه، لا يمكنه الحصول على شقة حتى إذا استطاع تدبير نفقاته وتوفير راتبه كاملًا، وهو ما يعدّ أمرًا مستحيلًا أحيانًا.

وتبعًا للعادات والتقاليد المصرية التي تعتمد على البذخ غير المبرّر والوجاهة الاجتماعية وشراهة المنافسة في شراء ما يسلتزم الزواج ومفروشات البيت وأجهزته، بعضها لا يكون ثمّة داع له، ويظل مجرّد ديكور فقط، بل تفرض قوانين المجتمع السائدة بشراء أعداد غير قليلة منه، حتى تحاول كل أسرة الظهور بحالة تفوّق اجتماعي وطبقي مع من حولهم.

يتكفّل المصريون في بعض الأقاليم والريف المصري بتأجير عدد من السيارات الضخمة، التي تحمل ما تمّ شراءه من أثاث للمنزل وحقائب تحوي ملابس العروس بكميات كبيرة وغير معقولة، وتجوب الشوارع دون أن أبواق السيارات عن تنبيه ولفت انتباه العالم بـ "الحدث المهيب".

لن تطلب الزوجة الأجنبية على كل حال، والتي هي خارج إطار هذه العادات والمواريث المجتمعية المعقدة والباهته، شراء أكواب ذات لون الفضي وأخرى ذهبية، وأطباق من الكريستال، لمجرد أن تتراص داخل دولاب زجاجي للعرض والمشاهدة فقط، لزائري العروسين في الأيّام الأولى من زواجهما، بدون أن يكون لها ضرورة أو استخدام آخر.

أحد التعقيدات التي لا يمكن تمرير الزواج بدونها، والتي لن تلتفت لها الزوجة الأجنبية، أو على أقل تقدير بالعقلية المصرية نفسها وتحكماتها، هي "الشبكة"، حيث تضاعف ثمن المقتنيات الذهبية بعد تعويم الجنيه، حيث أن متوسّط الذهب الذي كان يشتريه العريس لزوجته بحوالي 25 ألف جنيهًا مصريًا، بلغ إلى حوالي 30/40 ألف جنيه في المتوسط ويتفاوت بحسب الانتماء الطبقي.

لا يمكن الوقوع في فخ التعميم، وربط الزواج بأجنبية بحالات منفعة مثل الحصول على تأشيرة وإقامة في دولة أوروبية أو الهروب من التعقيدات الاقتصادية، وهي جميعها أمور مشروعة وقائمة، حيث يتواجد داخل هذه الصورة شديدة الاتساع، استثناءات أو حالات جرى الزواج فيها خارج هذه الشروط.

لكن الأمر الذي يظلّ واقعًا ومحدّدًا رئيسيًا لفكرة الارتباط، هو أن الزواج في القاهرة أضحى في ظل الظروف الاقتصادية المتدنيّة وتراجع مستوى دخل الفرد وعدم شعوره بالأمان والاستقرار الاجتماعي، فضلًا عن القلق الوجودي الذي يعانيه الشباب بوجه عام، يقلص من فرص الزواج بصورة معقولة وطبيعية.

المساهمون