السجون المصرية: أطفال مع الوحوش

02 نوفمبر 2016
(قوات الأمن المصرية تعتقل طفلًا)
+ الخط -
كان يفترض أن يلتحقوا بمقاعد المدرسة مع بداية الموسم الدراسي، غير أن 16 طالبًا من المنصورة، من بينهم ستة أطفال قصّر لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد، وجدوا أنفسهم خلف قضبان السجن، في أحكام تتراوح بالسجن من 3 إلى 5 سنوات، وذلك في الثامن من شهر سبتمبر/أيلول في القضية رقم 757 عام 2014.

لم تكن تلك القضية إلا واحدة من عشرات القضايا التي اتهم فيها أطفال منذ نهاية 2013، تعرّض أغلبهم للضرب والتعذيب والاختفاء القسري في بعض الأحيان.

في يوليو/ تموز 2015، أصدر الفريق المعني بالاعتقال التعسّفي في الأمم المتحدة، قرارًا يعتبر أن اعتقال الأطفال في مصر "ممنهج وواسع الانتشار"، بعد النظر في الشكوى المقدّمة من مؤسّسة الكرامة حول اعتقال الطفل أحمد طه البالغ من العمر 16 عامًا.

القرار الذي حمل رقم 17 /2105، أكّد أن عدد الأطفال الذين تم اعتقالهم منذ أحداث 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى نهاية مايو/أيار 2015، يقدّر بأكثر من 3200 طفل تحت سن 18 عامًا، تعرّضوا للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة، مشيرًا إلى أنّ أماكن احتجاز الأطفال في مصر مخالفة للمعايير الدولية، بل حتى معايير احتجاز الأطفال في القانون المصري ذاته.


مهدّد بالعجز
كان صهيب عماد (15 عامًا)، ضمن المجموعة التي صدر ضدها أحكام في المنصورة بالسجن 3 سنوات، بعد القبض عليه في فبراير/ شباط 2014، بتهمة التخطيط لحرق سيّارات الشرطة، بعد مداهمة منزله من قبل قوات الأمن في الرابعة صباحًا.

لم يًوجه صهيب إلى دار لرعاية الأطفال تحت سن الثامنة عشرة وفقًا للقانون، لعدم وجود دار لرعاية الأحداث في المنصورة، واحُتجز بسجن دكرنس، طوال فترة حبسه احتياطيًا لمدّة عامين ونصف، حسب ما أكدته والدته في حديث إلى "جيل".

بعد ثلاثة أشهر من وضعه داخل السجن بدأ يشكو من ألم في ركبته اليمنى، ظلّت والدته تتردّد عليه لما يقارب ثلاثة أشهر أخرى، ولم تتمكّن من الحصول على إذن لنقله للمستشفى لإجراء عملية جراحية بعد تحرّك مفصل ركبته من مكانه.

توضّح المتحدثة، أنها بعد محاولات عدّة تمكنت من إخضاعه لعملية جراحية، لكنه لم يمكث في المستشفى إلّا يومين وأعُيد للسجن ورجله ما زالت في الجبس، ولم يخضع للعلاج الطبيعي، وظل يحضر جلسات المحاكمة على كرسي متحرك، مشيرةً إلى أن المشكلة تكرّرت في قدمه اليسرى وأصبح في حاجة لعملية أخرى فيها لم يجرها حتى الآن.

حصلت والدة صهيب على إذن بنقله للمستشفى منذ بداية شهر إبريل/ نيسان الماضي، لكنها لم تتمكّن من تنفيذه، موضّحة أنه بعد صدور الحكم سينقل للمؤسسة العقابية لقضاء باقي المدة، ستحاول فيها إجراء العملية حتى لا يضطر للانتظار ستة أشهر أخرى، وختمت والدته حديثها :"لم يعد للحديث فائدة، طفلي مهدّد بالعجز لبقية حياته".

صهيب ليس الحالة الوحيدة في مدينة المنصورة، فأحمد سعيد (15 عامًا)، صدر ضدّه حكم قضائي بـ سبع سنوات سجنًا من طرف محكمة النقض في الثامن من أبريل/ نيسان، في القضية رقم 15259 لسنة 2013 بجنايات البلدة.

"لم يُراع كونه طفلًا"، هكذا تعلّق والدته، مشيرةً إلى أنه قضى ثلاث سنوات حتى الآن، متنقلًا ما بين قسم المنصورة وقسم دكرنس والمؤسّسة العقابية، وسط تدهور صحّته لإصابته بحساسية في الصدر، لم يعد العلاج يجدي نفعًا معها على حدّ تعبيرها.


اختفاء واغتصاب
وثّقت عدد من المنظمات الانتهاكات التي تعرّض لها الأطفال في أماكن الاحتجاز، فوفقًا لتقرير العفو الدولية بعنوان: "مصر رسميًا: أنت غير موجود..اختطاف وتعذيب باسم مكافحة الإرهاب"، الصادر في يوليو/ تموز 2016، تعرّض الطفل مازن محمد عبد الله، 14 عامًا، في سبتمبر/ أيلول 2015 للاغتصاب المتكرّر بعصا خشبية بغرض انتزاع اعترافات منه.

حالة أخرى للطفل آسر زهر الدين، (14 عامًا)، تعرّض للصعق بالكهرباء في جميع أنحاء جسده والتعليق من الأطراف بغرض نزع اعترافات، أثناء فترة اختفاء قسري لمدة 34 يومًا في يناير/ كانون الثاني 2016، في مقرّ الأمن الوطني بمدينة السادس من أكتوبر.

ذكر التقرير أن هذين الشابين كانا من بين خمسة أطفال تعرّضوا للاختفاء القسري لمدة بلغت 50 يومًا، من بين 2200 طفلًا، اعتقلوا منذ الثالث من يوليو/ تموز 2013، بقي منهم 400 طفل رهن الاعتقال حتى الآن، تعرّض أكثر من 950 طفلاً خلال فترات احتجازهم إلى المعاملة القاسية والتعذيب النفسي والجسدي، وسُجّلت نحو 78 حالة عنف جنسي بحقّ الأطفال الموجودين في السجون المصرية.

منظمة هيومن رايتس ووتش، وثّقت هي الأخرى عددًا من الحالات، وسجّلت اعتقال 20 شخصًا من بينهم 8 أطفال في فبراير/ شباط 2016 في الإسكندرية، ورفضت السلطات الإقرار باحتجازهم وإخبار ذويهم بأماكنهم لأكثر من أسبوع، تعرّضوا خلاله للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بجرائم، وتقديم أسماء مشتبهين آخرين.

تراوحت أعمار الأطفال الذين وجّهت إليهم تهم التظاهر من دون تصريح وارتكاب أعمال تخريب وإشعال حرائق والانضمام لتنظيم محظور، ما بين 16 و17 عامًا، صُعقوا بالكهرباء في أعضائهم التناسلية، وعلّقوا من أذرعهم، وفقًا لشهادات ذويهم لـ "هيومن رايتس ووتش".


أطفال عراة
خالد عبدالرحمن (15 عامًا)، اعتقل في الفترة من 5 يناير/ كانون الثاني 2014، حتى مارس/ آذار 2014، قضاها بين ثلاثة أماكن متفرّقة ما بين مديرية أمن الإسكندرية ودار رعاية الأحداث بكوم الدكّة والمؤسّسة العقابية بالمرج.

يروي خالد لـ"جيل"، أن تلك الفترة كانت أصعب الفترات التي قضاها داخل المؤسّسة العقابية، مشيرًا إلى أنه منذ القبض عليه بمديرية الأمن، وضع في زنزانة حجز مع بالغين وجنائيين، ثم تحسّن الوضع تدريجيًا داخل دار رعاية كوم الدكّة، بوجود زيارات يومية.

ويستطرد المتحدّث: مساجين كوم الدكة جُرّدوا من ملابسهم مرّتين، ورُحّلوا إلى المؤسّسة العقابية إجباريًا، واعتدى رجال الأمن على زوّار السجن، وخلفت هذه الاعتداءات إصابة أحدهم بشلل على مستوى اليد، وأضرب الأطفال السجناء عقب هذه الأحداث عن الطعام، وأدى ذلك إلى تشديد الإجراءات الرقابية، ومنع الزيارات عنهم، ومعاقبتهم بالنوم على الأرضية في البرد الشديد، ومنعهم من الحديث مع بعضهم على حدّ قوله.


ممنوع الكلام
يروي خالد تفاصيل ما حدث للأطفال في المؤسسة العقابية منذ بداية وصولهم، وتعرّضهم للضرب لإجبارهم على سماع التعليمات وهي :"ممنوع الكلام، ممنوع الضحك، والجلوس بطريقة معينة"، مشيرًا إلى أن مخالفة تلك التعليمات كان مقابلها التعرّض للمضايقات والضرب يوميًا قبل النوم، مضيفًا أنهم يتعرّضون للضرب من طرف رؤساء العنابر (سجناء من أصحاب الجنايات)، بعد إغلاق الأبواب عليهم في السابعة مساءً.

أغلب من حُبس خالد معهم لم يفرج عنهم بعد، رحّلوا إلى السجون بعد بلوغهم سن الـ 18 سنة، لقضاء باقي فترة عقوبتهم، ويضيف المتحدّث، أن بعض المفرج عنهم، عانوا من اضطرابات نفسية واضطرابات في النوم، ووجدوا صعوبة في التأقلم مع المجتمع بعد مغادرتهم السجون، وكثير منهم أصيب بحالة من النسيان المستمر على حدّ تعبيره.

المساهمون