التورنت: قراصنة لم يرتكبوا جرائم

22 ديسمبر 2016
+ الخط -
لا يمكن إيقاف مشاركة الملفات عبر التورنت بسبب القرصنة، مثلما لا يمكن إيقاف صناعة السيّارات بسبب حالات تجاوز السرعة. هذا مثال عن الحجج التي يستعملها محامو مواقع التورنت في القضايا التي تدأب جمعية الأفلام الأميركية MPAA على رفعها، بسبب انتهاك حقوق الملكية وقرصنة الأفلام.

عام 2014 تم إغلاق موقع ThePirateBay وكان حينها موقع KickAssTorrent حاضرًا لملء الفراغ، وبحسب ترتيب alexa أصبح KAT أكثر موقع لتصفح ملفات التورنت زيارة في العالم بعد سيطرة TPB لحوالى العقد. ورغم عودة الموقع للعمل بعد أيام إلا أنه بقي في المركز الثاني حتى إغلاق KAT في تموز عام 2016، الأمر ذاته حصل عندما أغلق موقع supernova وتصدر TPB المشهد عام 2004. مبدأ الهيدرا على الشبكة يوضّح فشل فكرة الإغلاق، فعند اختفاء موقع يظهر موقع آخر على الساحة بذات المحتوى تقريبًا، لتبدأ سلسلة القضايا والمطاردات من جديد.

مصطلح تحميل التورنت الشائع، يعني مشاركة الملفات عبر بروتوكول Bittorrent، وهو نظام مشاركة الملفات "النظير - للنظير" P2P، تتواجد الملفات على سيرفرات، ويتم رفع ملف التورنت على الشبكة، وهو ملف يحوي البيانات الوصفية للملف (أو المجلد) المراد مشاركته.عند تشغيل ملف التورنت على جهاز العميل (المستخدم) الأوّل يبدأ بتحميل الملف (المجلد) من السيرفر، وبرفع الأجزاء المحملة لجهاز العميل الثاني، كذلك الجهاز الثاني يبدأ بالتحميل من السيرفر وجهاز العميل الأوّل، ورفع الأجزاء المحملة وهكذا. تسمى الأجهزة المشاركة في عملية الرفع بذوراً، seeds، وتسمى الأجهزة التي تحمّل أكثر مما ترفع بالعلقات leecher، ليس بالضرورة أن يبدأ كل عميل بتحميل أجزاء الملف بالترتيب، أي يمكن أن يكون الجهاز الثاني seed للجهاز الأول، وتزداد سرعة التحميل بازدياد البذور وتنقص بزيادة العلقات. كما يمكن إيقاف التحميل والعودة إليه لاحقًا دون إعادة التحميل من البداية، لكن لا يمكن تشغيل الملف بصورة صحيحة قبل اكتمال تحميله.

أنشأ البروتوكول المبرمج برام كوهين عام 2001، وكان الاهتمام الرئيسي يتركز حول نقل الملفات كبيرة الحجم "ألعاب، مقاطع فيديو، أنظمة تشغيل" لتحتل بعدها الملفات المقرصنة الواجهة، بحلول 2004 شكلت نسبة الملفات المشاركة بطريقة هذا البروتوكول ربع الملفات، التي يتم تناقلها على الشبكة بشكل كلّي، وترجح الدراسات أن سربًا واحدًا بين 10 آلاف سرب تحميل للتورنت يحوي محتوىً قانونيًا.

تغير هذه المواقع نطاقاتها بشكل متكرّر (KAT.PH -KAT.CR) نتيجة للملاحقات القانونية، وتبقي السيرفرات في أماكن مخفية أو دول لا تحفل بحقوق الملكية، تتيح التعقيدات القانونية مزيدًا من المساحة لمواقع التورنت، فهناك مشكلة تعدد المدّعين، فمثلًا على صعيد السينما (هناك جمعية الأفلام الأميركية MPAA والمجلس البريطاني لتصنيف الأفلام BBFC وغيرها ..) وبشكل مشابه في مجالات الموسيقى والبرمجيات المقرصنة، بالإضافة لحصول المحاكمات خارج الولايات المتحدة، وغالبًا في دول اسكندنافية بحسب أماكن السيرفرات أو اعتقال المسؤولين عن المواقع، ففي محاكمة موقع TPB الشهيرة 2009، بعد مداهمة الشرطة السويدية للشركة التي تدير الموقع والاستحواذ على السيرفرات، ثم إسقاط نصف القضايا في اليوم الثاني، حيث شملت القضايا المرفوعة (21 قضية تتعلّق بمجال الموسيقى، 9 قضايا تتعلّق بالسينما، و4 قضايا في مجال الألعاب).

استند الدفاع إلى نظرية كينغ كونغ حيث أن وجود خدمة يمكن أن تستخدم بشكل قانوني أو غير قانوني ليس جرمًا، وعلى المستخدمين أن يجيبوا على سؤال إن كانت الملفات التي بحوزتهم قانونية، فمثلًا المستخدم كينغ كونغ الذي يمكن أن يكون في كمبوديا يقوم برفع ملفات مقرصنة، هو من يجب أن يحاكم وليس الموقع.

خففت العقوبة إلى غرامة بحوالى 3.5 ملايين دولار والتي بحسب المدّعين لا تغطي الخسارة، وأمرٍ بالسجن لمديري الموقع الثلاثة لمدة عام، دون أن يذكر قرار المحكمة أنهم "ارتكبوا جريمة"، بعد الاستئناف خففت الأحكام لمديري الموقع من سنة إلى ( 10 أشهر، و8 أشهر، و4 أشهر) فيما ارتفعت الغرامة إلى 6.5 ملايين دولار، ورفضت المحكمة طلب الموقع تغيير نطاقه من org إلى se.

تلت المحاكمة محاولات لجعل التحميل من الموقع شرعيًا، حيث عرضت شركة Global Gaming Factory X AB السويدية شراء الموقع، وتعديل بنية الموقع بحيث يحصل أصحاب حقوق الملكية على مال مقابل تحميل الملفات، لكن الاتفاق فشل.

بالطبع عند حدوث المداهمات يتوقّف الموقع عن العمل، وفي حال توفر سيرفرات احتياطية يعود للعمل على نطاق مختلف. هناك بعض المواقع أغلقت بشكل طوعي بسبب المخاوف من مطاردة الـ FBI والإمساك بهم، كما حصل مع "آرتيم فولين" مؤسّس موقع KAT بعد أن ولج إلى حسابه في iTunes، من عنوان (الإي بي) نفسه الذي دخل به إلى صفحة الموقع على فيسبوك.

أغلق الموقع طوعيًا في يوليو/تموز 2016 بعد حادثة الاعتقال، وظهرت عدة مواقع تشابه KAT وتحمل ذات الاسم باختلاف النطاقات دون أن تكون مرتبطة بإدارة الموقع الأصلية، وفي منتصف هذا الشهر عاد الموقع للعمل بإدارته الأصلية، ولا يزال فولين ذو الجنسية الأوكرانية محتجزًا في بولندا وتم رفض كفالته بحجة أن الأدلّة التي قدمتها FBI كافية لإبقائه محتجزًا.

موقع Torrentz، وهو محرّك بحث لمواقع التورنت، أغلق طوعيًا في أغسطس/ آب 2016، ولا تزال واجهته موجودة وتتصدّر الصفحة عبارة "تورنتز كان محرّك بحث للملفات الوصفية "، وعند محاولة البحث عن أي ملف تظهر عبارة " تورنتز سيحبكم دائمًا ، وداعًا ".

عبر الشبكة تستمر بعض الدول في حجب مواقع التورنت، لكن هذه الخطوة تبدو طلقة في الظلام، بسبب استعمال أغلب مواقع التورنت مواقع المرآة (mirror)، حيث يتغير عنوان (URL) للموقع فيصبح العنوان أطول وغير مألوف، لكنه يعيد المستخدم إلى نفس الواجهة.

منذ 2009، تحجب إدارة فيسبوك أية روابط مرسلة لمواقع التورنت الشهيرة، سواء في المنشورات أو المحادثات، وتبعتها مايكروسوفت في 2012 عبر حجب إرسال الموقع عبر خدمة ماسنجر. وجاء في تصريح إيريك شميدت، الرئيس التنفيذي لغوغل، أن هذه الممارسات تعتبر انتهاكًا لخصوصية المستخدمين، وأن غوغل ستحارب خطوات الحظر على مواقع التورنت الكبرى.

لا تتيح مواقع التورنت إخفاء عنوان IP للعميل، إضافة لوجود إعلانات ونوافذ منبثقة كثيرة، في غالب المواقع توجد إعلانات لتطبيق VPN لتغيير عنوان IP الزائر. هذه الأسباب إضافة لإمكانية ملاحقة الزائر قضائيًا في بعض الدول، كونه مشاركًا في رفع أجزاء منها جعلت من شبكات البث على الإنترنت خيارًا أسلم وأكثر خصوصية وتمنح ضمانًا قانونيًا كاملًا، مقابل اشتراك مالي مثل Hulu وNetflix المتوفرّة في جميع دول العالم عدا سورية، كوريا الشمالية، القرم، والصين، ومنذ 2010 يوجد أكثر من 200 ألف شخص يحاكم على قضايا تتعلّق بتحميل التورنت في الولايات المتحدة الأميركية.

تبقى قضية مشاركة الملفات مثار جدل حول أحقية التسجيل والنسخ، كونه يضرّ بمجال صناعة الأفلام والموسيقى والبرمجيات، لكن تبقى حركات الدفاع عن حق المشاركة تستقطب الأضواء كما تفعل غوغل اليوم. أمر يذكّر بفرقة Bow wow wow البريطانية التي أصدرت ألبوماً عام 1980، يحمل وجهًا فارغًا كي يسجل الأفراد أغانيهم عليه، إبان حملة محاربة التسجيل المنزلي.

المساهمون