إدوارد سنودن.. هل هذا ما حصل فعلًا؟

01 ديسمبر 2016
(تصوير: أنطوان غيور)
+ الخط -

يقيم إدوارد سنودن (1983)، محلّل قواعد البيانات السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي، حاليًا في موسكو، بعد أن سرّب مستندات تفضح سياسة المراقبة التي تتبعها حكومة بلاده على مواطنيها وعلى العالم ككل. كان أبرزها قضية التنصّت على هاتف المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، ومراقبة سيرفرات كبرى شركات الاتصالات عام 2013. ويواجه سنودن تهمًا بالتجسّس وسرقة ممتلكات الدولة بموجب قانون التجسس الصادر عام 1917 إبان الحرب العالمية الأولى.

يفتتح أوليفرستون (الحاصل على جائزتي أوسكار أفضل مخرج) فيلمه Snowden (2016) بجملة "دراما مبينة على وقائع بين 2004-2013". لكن هذا التوضيح لم ينقذ الفيلم من سؤال: هل هذا ما حصل فعلًا؟ أو من مقارنته بالفيلم الحائز على أوسكار أفضل فيلم وثائقي Citizenfour الذي يصوّر ثمانية أيام قضاها الصحافيان جلين جرينوالد وأوين ماكسكيل من جريدة الغارديان والمخرجة لورا بويتراس برفقة "إيد سنودن" في فندق ميرا- هونغ كونغ وما تلى ذلك من خطوات قضائية بحق كل من الحكومة الأميركية وسنودن.

يعتمد Snowden أسلوب الفلاش باك، في قصّ سيرته الذاتية منذ تطوّعه في القوات الخاصة عام 2004 والمناصب التي تولاها في الـ CIA والـ NSA، مقدّمًا معلومات عن أنظمة المراقبة بشكل تدريجي، تستند إلى قصص جانبية تحمل في طياتها الإثارة، مرفقًا الشروحات بمؤثرات بصرية تظهر تحليل البيانات وأساليب المراقبة المتبعة في عدة برامج سرية مثل Prism وxkeyscore.

يركز الفيلم على قناعات سنودن بخصوص الوطنية والخصوصية وتبدّلاتها منذ غزو العراق وحتى استلام أوباما مقاليد الحكم، إضافة إلى معاناته من مرض الصرع وأثر المراقبة على علاقته بصديقته.

فيلم آخر تناول موضوع سنودن، هو الوثائقي "المواطن رقم 4" للمخرجة لورا بوتيرس. يركّز العمل على القضية أكثر من شخص سنودن؛ لأنه لا يريد أن يستعمل الإعلام شخصيته كإلهاءٍ عن مضمون القصة التي هي المراقبة بحسب الشريط، ويكتفي بالتعريف عن اسمه والمناصب التي شغلها. يفتقر الفيلم للشرح الواضح ويولي مساحة أكبر للحديث المرتبك بين أشخاص يلتقون لأول مرة بعد أشهر من التراسل المشفّر، فتتناوب النقاشات حول الطريقة الأمثل لنشر الوثائق، وبين شروحات تقنية مع أمثلة نظرية مبسطة بدون مؤثرات بصرية للتذكير أن هذا يحصل الآن وليس خيالًا علميًا.

يظهر سنودن في الفيلم الوثائقي راسخ المبادئ، دافعه إلى التحرّك هو كذِب سياسة أوباما بشأن المراقبة، موضحًا تغيّر نموذج الإنترنت الحر إلى نموذج يراقب فيه الناس أنفسهم؛ ما يحدّ من تعبيرهم عن آرائهم. يُدرك ما هو مقدم عليه؛ لا يريد العيش في الظل أو الاختباء، محافظًا على خفة ظلّه عند رنين الهاتف وانطلاق جرس إنذار الحريق، مع أخذ الحيطة من أن يكون مراقَبًا. يترك تحديد المواد التي تصلح للنشر والتي يشكل نشرها خطرًا للصحافيين، كي يقرّروا؛ فهم في رأيه يمثلون المصلحة العامة.

في Snowden، يظهر "إيد" مهووسًا بأنه وصديقته مراقبان. عند تنصت مسؤول رفيع من الـCIA على منزله يقرّر التحرك، ويسرق الوثائق ليتراسل مع لورا ويغادر الولايات المتحدة سريعًا.

لكن كانت هناك بعض المغالطات؛ فبحسب المسار الزمني للفيلم، قامت NSA بتعطيل الإنترنت في سورية عن طريق الخطأ عام 2013، لكن هذا حصل عام 2012. كذلك يتم توجيه التهم لسنودن في العاشر من يونيو، بينما في الحقيقة وجهت له التهم في 21 يونيو، اليوم الذي يوافق عيد ميلاده، لكن الفيلم لم يتطرق إلى هذا الموضوع.

يمر الفيلم على الأيام الثمانية في الفندق بسرعة، مستعرضًا ما ينشر في الأخبار خلال مونتاج سريع دمج فيه ستون المادة التسجيلية للنشرات الإخبارية والبرامج الحوارية بمشاهد للممثل زاكري كوينتو الذي يؤدي دور الصحافي جرينوالد، مركزًا على رأي أوباما بسنودن على أنه قرصان يبلغ التاسعة والعشرين، من دون أن يصفه بلقب الجاسوس أو الخائن.

بينما كان رأي الرئيس المنتخب ترامب حينها: "هناك ما يسمى عقوبة الإعدام لهذه الحالات". يعود الفيلم ليظهر سنودن بشخصه بدلًا من الممثل جوزيف جوردون ليفيت في المشهد الأخير من الفيلم.

يتجاهل الفيلم علاقة سنودن بوالديه التي كانت أهم أسباب تردده في الظهور العلني واضطرابه أثناء نشر القصص. فيظهر وهو يأكل وينظف أسنانه، فيما ذكر في الفيلم الوثائقي أنه مصاب بفقدان الشهية ويجلس مع الصحافيين من دون الاعتناء بمظهره.

لا يلتفت لذكر قصص الصحافيين ولا لمصير الوثائق؛ حيث أن لورا موجودة على قوائم المراقبة للـ NSA منذ أول فيلم وثائقي أخرجته، وتم إيقاف شريك حياة الصحافي جرين جرينوالد في مطار لندن، كذلك أتلفت الغارديان الأرشيف الذي حصلت عليه عن طريق الصحافي ماكسكيل بضغوط من الحكومة البريطانية. في نهاية الفيلم الوثائقي، يبدأ مُبلّغ آخر بالتواصل مع جلين، وهو الأمر الذي كان يراهن عليه سنودن منذ البداية أن آخرين سوف يخرجون عن صمتهم.

عرّف "إيد" الصحافيين على نفسه، مشيرًا إلى أنه سينتظرهم في بهو الفندق وهو يلعب بمكعب الروبيك. تحوّل المكعب ليلعب دورًا مفتاحيًّا في فيلم Snowden؛ فهو رفيقه في كل مناصبه، وهو وسيلته لتهريب بطاقة الذاكرة التي تحوي الوثائق، قبل أن يمنحه للمخرجة قبل أن يفترقا. بالطبع سنودن لم يفصح عن طريقة تهريبه للمعلومات من مجمع الـ NSA في هاواي، لكنه اقترح هذه الفكرة على المخرج الذي وافق عليها.

يتفق الفيلمان على عدم إظهار سنودن بصفة الجاسوس أو الخائن، ويميل الفيلم الروائي إلى إظهاره كبطل منفي يعيش وحيدًا بعد أن قدم الحقيقة للشعب. عُرض فيلم Snowden لأول مرة في مهرجان تورنتو، في سبتمبر هذا العام، وافتتح في شباك التذاكر الأميركي أسبوعه الأول بـ8 ملايين دولار، بتكلفة إنتاجية قدرها 40 مليون دولار.

Citizenfour إنتاج عام 2014، وهو الجزء الثالث من سلسلة أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر للمخرجة لورا بويتراس، وحاز جائزة الأوسكار والبافتا في تصنيف الأفلام الوثائقية، إضافة إلى 42 جائزة أخرى.

المساهمون