ثلاث مواسم رمضانية مضت، كانت تحاول الدراما السورية من خلالها أن تظهر قدرة على الثبات في وجه المأزق الذي يعصف بكوادرها وصناعتها، وهو جزء لا يتجزأ من المأزق السوري الذي يعصف بالبلاد منذ ست سنوات محوّلًا واحدة من أهمّ الدول العربية في مجال الصناعات السينمائية والتلفزيونية إلى دولة فاشلة.
كثيرة هي التحدّيات التي تواجهها الدراما السورية واتفق عدد من الصحافيين والمتابعين على أن أهمّها التحدّي الاقتصادي بشقيه التمويلي والتسويقي؛ إضافة للتحدّي الفني المتمثل بـ هجرة الكوادر وتهميش الكفاءات الصاعدة من ممثلين وكتّاب ومخرجين وفنيّ إنتاج، ما حول الدراما في سورية من صناعة مع الاختلاف على هذا التوصيف، إلى تجارة بالمحتوى الفنّي وتجارة رديئة في كثير من الأحيان.
شهد موسم دراما 2013، بعض الأعمال التي كانت تحاول الحفاظ على مستوى الدراما على الأقل، إن لم تكن هناك إمكانية لتطويرها واستمرّت هذه العملية موسمين بجهود كتاب متميّزين على رأسهم رافي وهبة الذي قدم "سنعود بعد قليل" و"حلاوة روح" و"العراب" في جزئه الأول، إضافة إلى إياد أبو الشامات الذي قدم "غدًا نلتقي" ولا ينسى المتابع طبعًا العمل المميز للكاتبة يم مشهدي "قلم حمرة"، لتشكّل حالة رافي وهبة وإياد أبو الشامات ككتابين برزا بعد الثورة السورية مع التجربة المميزة لـرامي حنا، وحرفية مخرجين كبار على رأسهم حاتم علي والليث حجو أملًا في تقديم دراما تليق بـالمشهد ضمن الإمكانيات لكن هذا الأمل لم يستمر طويلًا.
رافي وهبة، وقع في خلاف مع شركة الإنتاج وضعه خارج السباق وجاء الجزء الثاني من "العراب" بليدًا رغم الاعتماد على كاتب محترف هو خالد خليفة، إياد أبو الشامات لم تقم له قائمة بعد "غدًا نلتقي"، واكتفى ببعض النصوص لخماسيات الغرام تجعلك تسأل، هل هو من كتب ذلك النص؟، سامر رضوان اختفى دون مبرّرات، يم مشهدي مقلّة على عادتها وأكثر في الفترة الأخيرة، حاتم علي بدأ يعمل بمتطلبات السوق ورامي حنا يبدو أن التجربة لم تغره كثيرًا فلم يعد إلى تكرارها.
النتائج بدأت تصبح كارثية، المنافس في الدراما المصرية يحقّق تفوّقًا هائلًا يرى ممثلون سوريون شباب أنه يرتكز على إعطاء الفرصة للشباب في مصر وتهميشهم في سورية، النظام السوري ينفق على ما يروّج سياساته والمعارضة السورية لم تفكّر أصلاً بالإنتاج الدرامي رغم المليارات التي أغدقت عليها من الدول الداعمة، محاولة هيثم حقّي في وجوه وأماكن ينقصها الترويج والعرض على شاشات كبيرة إذا ما تم استثناء ما شابها من مشاكل فنية، ودراما شباب المعارضة أو ما سمي بالدراما البديلة مثل "أم عبدو الحلبية " و"منع في سورية" جاءت عقيمة لافتقادها أدنى المقومات الفنيّة وعدم وجود ممثلين أصحاب كفاءة لا بل لعدم وجود مواهب فنيّة في هذه الأعمال على كافة الأصعدة من أداء ونص وإخراج.
هذا المأزق أصبح أوسع من قدرة القائمين على الدراما السورية على احتوائه، وفي الوقت الذي يرى فيه فنانون شباب أن الأسماء الكبيرة في سورية تستطيع تغيير الواقع إذا ما كانت لديها الرغبة في ذلك، يرى الإعلامي السوري ملهم عبد الهادي أن هذا ليس ممكنًا في الفترة الحالية ويقول في حديث خاص لـ جيل "أن ذلك من الصعب تحقيقه بالفترة الحالية لا سيما في ظل الواقع الحالي والذي حطم فيه السوريون للأسف معظم رموزهم الوطنية والشعبية "لكنه يستدرك قائلًا" أرى ذلك ممكنًا كأن يجتمع نجوم أوركيدا مثلاً من مؤيدين ومعارضين في عمل تصالحي يركز على ما تبقى من مشترك يجمع الأمة السورية، وأعتقد أيضًا أنه يجب أن تبقى الدراما والفن عمومًا خارج التقييم السياسي ليبقى هذا المنتج قيمة إبداعية يتّفق عليه السوريون".
مع نهاية موسم 2016 لم يكن يتوقّع أشد المتشائمين بمستقبل الدراما السورية، أن يأتي موسم 2017 خاليًا من أي عمل مهم، يحتل الشاشات العربية كما فعلت أعمال كـ "تخت شرقي" أو "غزلان في غابة الذئاب" أو غيرها من الأعمال السورية المهمّة لا سيما سلسلة "تاريخ الأندلس"، والتي قدّمها حاتم علي وقام ببطولة معظمها تيم حسن، وجمال سليمان، ونجوم كبار آخرون وتتساءل عند ما تتابع "أوركيديا" أو "الهيبة"، ما الذي أصاب نجوم سورية؟.