مشافي العزل المصرية... عذاب من أجل الدخول ومعاناة بعد الوصول

25 مايو 2020
نقص في الكادر الطبي المخصص لمشافي العزل (Getty)
+ الخط -
خاضت عائلة الخمسيني المصري، فتحي السيد، رحلة طويلة من المعاناة، من أجل إدخاله إلى مستشفى العزل الطبي، في محافظة الإسماعيلية (شمال شرقي القاهرة) بعد التأكد من إصابته بفيروس كورونا، إذ تقول زوجته منى محمود: "فتحي عانى كثيراً قبل الوصول إلى مستشفى أبو خليفة، المخصص للعزل بمحافظة الإسماعيلية، استغرق الأمر 10 أيام، بعد تشخيص خاطئ، في مستشفى "الإبراهيمية" بأنه مصاب بالإنفلونزا العادية"، وأكملت: "أخبرونا أنه طالما توجد كحة مصحوبة ببلغم فلا داعيَ للقلق، وكتبوا لنا علاجاً لنزلة البرد لمدة ثلاثة أيام، وبسبب تدهور صحة زوجي قمنا بعمل أشعة مقطعية على الصدر عند طبيب خاص كلفتنا 450 جنيهاً (29 دولارا)، وتحليل "بي سي آر" بمبلغ 1500 جنيه (95 دولارا)، وبعد تأكد الطبيب من إصابة زوجي بالفيروس، ذهبنا إلى مستشفى العزل لكنهم لم يعترفوا بهذه الأشعة ولا بالتحليل، وطلبوا منا ضرورة الاتصال بالخط الساخن "105" التابع لمجلس الوزراء لأنهم لن يتحركوا إلا بعد إذن من المسؤولين".

عقب محاولات تدخّل عديدة، تمكنت الأسرة من الحصول على رد من الخط الساخن، كما تقول منى، مبدية استنكارها لوعود كاذبة بإرسال سيارة إسعاف، ما اضطرهم إلى الذهاب بأنفسهم للمستشفى، وهناك أخبروهم أنه يجب تحويل الزوج إليهم من مستشفى مركزي كشرط لإجراء مسحة، تكشف كونه مصابا أم لا، رغم تدهور حالته، إلى أن صار غير قادر على التنفس، ما استدعى حجزه فورا في العناية المركزة ووضعه على جهاز تنفس صناعي، وعقب إجراء مسحة له والتأكد من إصابته، تم تحويله إلى مستشفى عزل أبو خليفة بالإسماعيلية.

اللافت أن العائلة طلبت تتبع مصدر الإصابة، لكن المسؤولين رفضوا إجراء كشف للمخالطين رغم أن عددهم يصل إلى 20 شخصا بينهم أطفال وكبار سن، كما تقول الزوجة، وتتابع بغضب: "حتى قياس درجة حرارة المخالطين رفضوا إجراءه، فقط طلبوا منا الحجر المنزلي، ولكن نعاني حاليا من التنمر، إذ ضرب الأهالي ابني عندما ذهب لشراء الخبز من الفرن وطالبوه بالابتعاد".
 
 
 

فوضى مستشفيات العزل

داخل مستشفيات العزل تعاني الأطقم الطبية من نقص أدوات الحماية فضلا عن اختلاف بروتوكولات العلاج من مستشفى إلى آخر كما يؤكد الدكتور إيهاب الطاهر الأمين العام لنقابة أطباء مصر، قائلاً إنه "لا يوجد بروتوكول علاج موحد، كل مستشفى يطبق بروتوكولا مختلفا عن الآخر، بدلا من أن تتفق وزارة الصحة على بروتوكول موحد يطبق على المستشفيات كافة".

ومن بين الإجراءات العلاجية المطبقة، بروتوكول يقوم على أدوية علاج الملاريا وبعض الفيتامينات وأدوية تقوية المناعة، وبعض مخفضات الحرارة التي تعالج الأعراض المرضية للفيروس، كما يقول الطاهر لافتا إلى أن أبرز البروتوكولات المطبقة، بروتوكول جامعة القاهرة الذي يتّبعه مستشفى قصر العيني الفرنساوي وبروتوكول جامعة عين شمس الذي يتّبعه مستشفى عين شمس التخصصي.
 
إضافة إلى ما سبق، تجرب مشافٍ مصرية علاج الإيدز والتاميفلو المستخدم في علاج الإنفلونزا الموسمية فضلا عن مخفضات الحرارة بحسب إفادة الدكتور أمجد الحداد مدير مركز المناعة والحساسية بهيئة المصل واللقاح التابعة لوزارة الصحة المصرية، والتي بدأت أخيرا تجريب عقار "أفيغان" الياباني المضاد للفيروسات بعدما حصلت مصر على عينات من اليابان وأدخلتها في بروتوكول للعلاج لاستخدامها في المراحل المتأخرة من الإصابة كما يوضح الحداد، مشيرا إلى أن الدواء كان يستخدم مثيله بمصر في علاج فيروس الإيدز، ويعمل على إيقاف نمو DNA الفيروس داخل الخلية لذلك حقق نتائج جيدة في عدد من الدول لعلاج كورونا، إذ يستخدم في المراحل المتأخرة عندما يصل الفيروس إلى الرئة بالتوازي مع عقار هيدروكسي كلوروكوين الذي يمنع التصاق الفيروس بكرات الدم الحمراء، على أن يمنع الأول نمو خلية الفيروس وانقسامها، وبالتالي يتم القضاء على كورونا".
 
 
 

اعتماد على التبرعات

تلقت نقابة الأطباء، شكاوى من نقص معدات الوقاية والحماية بمستشفيات العزل، مثل الأقنعة الواقية وخاصة "إن 95" بالإضافة إلى النظارات والمآزر والقفازات الواقية وواقي الوجه، فضلا عن عدم تطبيق بعض إجراءات الوقاية الأخرى التي تطالب بها منظمة الصحة العالمية، مثل أن يكون اتجاه المرضى بالطرقات داخل مستشفيات العزل يختلف عن اتجاه الأطباء والفريق الطبي حتى لا تنتشر العدوى والتطهير الدائم والمستمر، بحسب ما أكده أمين عام نقابة الأطباء قائلا في تصريحات خاصة: "معظم المستشفيات تعتمد على التبرعات لتوفير أدوات الوقاية والحماية من الفيروس، هذه أزمة كبيرة".

تابع الطاهر: "طالبنا وزارة الصحة بضرورة إجراء مسحتين للكشف عن فيروس كورونا للأطباء بمستشفيات العزل بعد انتهاء مدة عملهم التي تصل إلى 14 يوماً، لكنهم يصرون على إجراء مسحة واحدة بعد انتهاء العمل ومسحة قبل انتهاء مدة العمل بيومين اثنين، وبالتالي فالطبيب يمكن أن يصاب خلال هذين اليومين لافتا إلى بعض المشافي افتلعت أزمات مع الأطباء ورفضت عمل المسحتين حسب البروتوكول الحالي، إذ تذرع بعضها بأن الطبيب انتهى عمله وقرر النزول في إجازة، كما تستعين بعض المستشفيات بجهاز المسح السريع رغم ارتفاع نسبة الخطأ به، وعدم استخدامه إلا في الأغراض البحثية".
 
 
 

تكدس كبير ونقص في الكادر الطبي

يكشف الطاهر أن هناك نقصاً في مستشفيات العزل الطبي، وأن وزارة الصحة أعلنت عن تخصيص 37 مستشفى للعزل الطبي، في حين أن ما يعمل منها فعليا 17 مستشفى فقط.
وتعاني مستشفيات العزل من نقص كبير في عدد الأطباء وطاقم التمريض، إذ يشرف الطبيب الواحد على نحو 105 حالات، وهناك تكدس كبير داخل المستشفى بسبب كثرة الحالات المرضية التي تفد يومياً بشكل يزيد عن السعة الاستيعابية للمستشفى، بحسب إفادة الطبيب مؤمن الصاوي (يعمل في مستشفى قها المخصص للعزل في محافظة القليوبية)، وهو ما يؤكده زميل له، رفض ذكر اسمه للموافقة على الحديث، ويضيف الطبيب الذي يعمل في مستشفى الزهراء الجامعي المخصص للعزل، أن إدارة المستشفى رفضت إجراء مسحة له للكشف عن كونه مصابا بفيروس كورونا أم لا بسبب عدم ظهور أعراض عليه، ما اضطره إلى عمل المسحة على نفقته الشخصية للاطمئنان، ليكتشف أن العينة موجبة بالرغم من عدم ظهور أعراض عليه، وهو ما يعني أنه يمكن أن ينقل العدوى للآخرين، فقرر عزل نفسه ذاتياً وإخبار إدارة المستشفى بإصابته بالفيروس لاتخاذ اللازم. وبعد إلحاح منه على إدارة المستشفى الذي رفض في البداية عزله، تقرر احتجازه بمستشفى العزل.

تزايد عدد الإصابات في مصر، وامتلاء مشافي العزل بالمصابين حذر منه رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية بوزارة الصحة المصرية الدكتور أحمد السبكي خلال اجتماعه مع لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب في 4 مايو/أيار، قائلا: "مشافي العزل وصلت هذا الأسبوع إلى الحد الأقصى من الاستيعاب وهو ما دعا الوزارة للتفكير في بدائل أخرى واستغلال فترة تعطل حركة السياحة باستغلال الفنادق ولكن ستكون التكلفة أعلى". وتابع: "بروتوكول العلاج في العالم متخبط، والوزارة بدأت في تطبيق علاج الحقن ببلازما الدم على 3 مرضى، وفي انتظار النتائج، ولكن حتى هذا العلاج لم تجر الموافقة عليه بشكل نهائي بالخارج".

بالرغم مما سبق لكن عدد الفحوصات التي تجريها مصر متصاعد، وفق ما أكده ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور، مستدركا: "نطالب بوجود منهجية علمية موحدة تؤدي إلى كشف الإصابات بصورة أكبر وزيادة عدد الفحوصات على مستوى الجمهورية على الرغم من النسق التصاعدي في عدد الإصابات، إلا أننا ما زلنا نؤكد على تلك المنهجية لاكتشاف المزيد من الحالات المصابة حتى نحاصر المرض".

تعليمات جديدة

يكشف مصدر يعمل في وزارة الصحة، طلب عدم الكشف عن هويته خوفا على وظيفته، عن صدور تعليمات بعدم استقبال حالات مصابة بفيروس كورونا مع توجيه الحالات الموجبة الجديدة إلى العزل المنزلي، في ظل تكدس مستشفيات العزل، وتؤكد عدة مصادر متطابقة أن المصابين الذين تتحسن حالتهم الصحية بعد أسبوع واحد يتم صرفهم من المستشفى لاستكمال العلاج في المنزل.

وتؤكد تجربة القاهرية شيماء مع والدتها المصابة بالفيروس ما سبق، إذ تقول السيدة، التي رفضت الكشف عن اسمها كاملا، إن الوساطة كانت هي كلمة السر في دخول والدتها للمستشفى. وأضافت: "رغم أننا من سكان مدينة القاهرة إلا أن والدتي انتهى بها المطاف في مستشفى عزل مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية، وذلك بعد أن وسطنا قريبا لنا يعمل في جهة أمنية لإدخال والدتي للمشفى".

وتتابع أن البداية كانت بمستشفى حميات إمبابة، حيث "كان انتشار الفوضى والعشوائية سيد الموقف، وبعد محاولات مستميتة رفض المستشفى استقبال والدتها بسبب التكدس وعدم وجود أماكن. ولكن بعد اتصالات من قريبهم تم تحديد موعد لإجراء اختبار الكشف عن كورونا بمعامل وزارة الصحة المركزية، وعندما ظهرت نتيجتها وكانت موجبة تم تحويلها إلى مستشفى الحميات".

وتصف السيدة المشفى نقلاً عن والدتها قائلة: "في غاية السوء والقذارة، والعمال لا يقومون بتنظيف الغرف خوفاً من العدوى، وخصوصاً بعد تعديل وزارة الصحة البروتوكول الخاص بإجراء الكشف على الفرق الطبية".
دلالات