السلاح في اليمن: الحياة على مقبض الزناد

صنعاء

منصور غراب

avata
منصور غراب
18 يونيو 2014
+ الخط -
 
 
 
أكثر من 50 مليون قطعة سلاح منتشرة في اليمن، البالغ عدد سكانه قرابة خمسة وعشرين مليون مواطن، في بلد يعد امتلاك السلاح فيه تراثاً، والتجارة فيه يصعب حصرها، والعنف أصبح رهينة الضغط على الزناد.
"العربي الجديد" حصل على وثائق تكشف استخدام خطابات رسمية مزورة باسم وزارة الداخلية لتمرير أسلحة عبر الحدود التشيكية، من أجل التحايل بها في إدخال شحنات من السلاح إلى البلاد. وهو ما دفع وزير الداخلية اليمني الأسبق، اللواء عبد القادر محمد قحطان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 إلى مطالبة وزير الخارجية اليمني التواصل مع دولة التشيك حول المذكرة الواردة من التشيك، والخاصة بشحنة الأسلحة القادمة من التشيك إلى اليمن، والتي نفت وزارة الداخلية علاقتها بها، مشيرة في خطاباتها إلى أن المستندات المرفقة بالشحنة التي يتصدرها اسم الوزارة هي أوراق مزورة لا علاقة لليمن بها.
 

تزوير محاضر رسمية لوزارة الداخلية يكشف جرأة تجار السلاح اليمنيين وشبكاتهم المتشعبة خارج اليمن، ويطرح السؤال حول سيطرة الدولة على تلك التجارة، وهو ما جعل المدير التنفيذي للمركز العربي لحقوق الإنسان ومناهضة الإرهاب في اليمن، خالد محيي الدين، يوجه الاتهام للدولة بمسؤوليتها عن انتشار تجارة السلاح قائلاً: "هناك تجار سلاح تعرفهم الدولة جيداً، لكنها لم تحرك ساكناً لانشغالها بالمنح الأجنبية والبحث عن الموارد والقروض، وهو ما قد يسبب انهياراً خطراً وتهديداً لمستقبل اليمن".  

  
"تجار السلاح الجدد" مصطلح أطلقه محيي الدين على صعود تجّار السلاح عقب ثورة التغيير عام 2011، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى تورط بعض رجال المال والأعمال في تغذية الجماعات المسلحة بالسلاح قائلاً: "هناك رجل أعمال واحد فقط، تحفّظ على ذكر اسمه، كسب بصفقة سلاح واحدة 9 مليارات ريال يمني، أي ما يعادل 7 ملايين دولار تقريباً، مؤكداً على أن بعض من يتاجرون بالسلاح ويحققون أرباحاً هائلة يتفاخرون بذلك بشكل علني".


بيان من وزارة الداخلية اليمنية إلى وزارة الخارجية بشأن تزوير اسم الوزارة  لتمرير شحنة أسلحة

أضاف محيي الدين: "حالة عدم الاستقرار الأمني هي الوقت الذهبي للمليشيات والجماعات الإرهابية، سواء من حيث تجارة السلاح أو تنفيذ أعمالهم بلغة قوة السلاح، وهناك أطراف كبيرة تفرض ما تريده بقوة السلاح، مليشيات كانت أو جماعات أو قبائل".

الداخلية والسلاح

خلال أبريل/نيسان الماضي، ووفقاً لإحصاءات وزارة الداخلية، تم ضبط 3671 قطعة سلاح مختلفة في إطار محاولات الوزارة منع حمل السلاح داخل عواصم المحافظات والعاصمة. وهو ما وصفه عز الدين الأصبحي، من مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، بالتحدي الأبرز لوزارة الداخلية قائلاً لـ"العربي الجديد": "قضية انتشار الأسلحة باليمن واحدة من أبرز التحديات التي تواجه بناء الدولة الحديثة، وهو يعكس انعدام ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة، وغياب الدولة الآمنة يدفع الناس إلى اقتناء السلاح". مضيفاً أن ضحايا السلاح هم غالباً من الفئات الضعيفة المسالمة من النساء والأطفال والمدنيين.
مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات الاقتصادية بصنعاء قال لـ"العربي الجديد": "السلاح يمثل أبرز التحديات في اليمن، وآثاره كثيرة تتمثل في تراجع التنمية رغم أنه لا أرقام دقيقة عن حجم تجارته، لكن انتشاره يسبب قلقاً للمستثمرين في ظل انتشار السلاح واستخدامه بأعمال اعتداء على بعض المشاريع، حالَ فشل الابتزاز في بيئة ضعف للدولة".

وأضاف نصر "هناك تأثيرات أخرى مرتبطة بالسلاح وتتمثل في إزهاق الأرواح ومعظمها لعائلي أسر بأكملها، نتيجة الصراع باستخدام السلاح والثأر القبلي، إضافة إلى التكاليف الباهظة لأسعار الذخيرة الحية والتي تطلق في مناسبات الأعراس كجزء من العادات اليمنية، التي تمثل عبئاً اقتصادياً على الأسر اليمنية التي تستخدم السلاح".

"أبو عبد الرحمن" هكذا يكنّي نفسه، وهو مهجّر سنّي إلى صنعاء، كان يدرس في دار الحديث بصعدة الشيعية، وفي كلمات تملأها الحسرة والانكسار تحدّث عمّا وصفه بطغيان من يسبّون الصحابة والعلماء وبقوة السلاح، دون حراك يقمعهم من الدولة، وحديثه هنا عن الحوثيين.


حوادث السلاح

في اليمن حوادث حمل السلاح ما هي سوى عرض مستمر، حيث يتحول مستخدمه لحماية نفسه إلى معتدٍ، وهو ما تكرر مع الكثير من مرافقي كبار الشخصيات والمسؤولين عن حمايتهم، إذ يتورطون أحياناً في قتل مواطنين لأسباب تافهة. ولعل مقتل الشابين حسن أمان وخالد الخطيب، قبل عام تقريباً، على أيدي مرافقي شيخ قبلي، في عرس يخص أسرته، حينما كان الشابان "يفحطان" محاذاة موكب العرس رافضين التنحي بعيداً، مؤشرٌ كافٍ إلى خطورة الحياة وسط الاعتماد على الزناد.

ومن المتناقضات أن أعضاء مجلس النواب، وهم مشرعو البلد والنظام، يدخلون قبة البرلمان فيما مرافقوهم خارجاً أشبه بجيوش قبلية على أهبة الاستعداد لمعارك طاحنة، مثيرين الرعب والشك في إمكانية قيام دولة مدنية حديثة.

الأمن والمعاناة

المواجهة الأمنية وحدها لحمل السلاح تسبب من جهة أخرى معاناة يومية للمواطنين. أنور عبده (27 عاماً)  يمتلك ورشة ألمونيوم ظهرت على ملامحه آثار الانزعاج من الحملات الأمنية التي تعيق عمله يقول: "الحملات الأمنية المشددة تجعلنا نعلق في بعض الشوارع لمدة ساعة تقريباً، مما يؤثر على مواعيد إنجازنا المهام، ورغم تلك الحملات إلا أن الوضع الأمني دون المستوى".

ويحكي ماجد صالح، وهو طالب جامعي يبلغ  21 عاماً، معاناته فيقول: "اعتدت على الخروج من البيت إلى الجامعة ظهراً، الطريق يستغرق ساعة تقريباً، وصادف موعد أحد الامتحانات النهائية تواجد حملة أمنية في الطريق، تسببت في دخولي اللجنة بصعوبة متأخراً نصف ساعة".

وزارة الداخلية كشفت في تقرير إحصائي حديث عن ضحايا العبث بالسلاح في اليمن، تضمن حوادث العبث بالسلاح الناري الواقعة في 19 محافظة من أصل 21 خلال العام الماضي،  خلفت 70 قتيلاً بينهم 10 إناث، وأصيب 521 شخصاً في 529 حادثاً لترفع النسبة إلى 7.7 % عن عام 2012، وحسب التقرير فإن تلك الحوادث خلفت خسائر مادية هائلة.

وفي أبريل/نيسان الماضي لقي 26 شخصاً مصرعهم في حوادث العبث بالسلاح من ضمنهم 7 أطفال و5 إناث، إضافة إلى إصابة 78 آخرين في تلك الحوادث حسب الإعلام الأمني.

انتشار السلاح يجعل اليمني أسرع غضباً، واضعاً إصبعه على الزناد غير عابئ بنتيجة ضغط سبابته قليلاً، وهو ما أسفر عن مقتل الفنان اليمني "ماجد سرحان" في إحدى الأفراح عندما تجاهل طلب أحد الحاضرين بتقديم تهنئة للعريس، فما كان ممن جاء لتقديم التحية إلا أن يقدمها على طريقة أفلام هوليود، ويردي سرحان قتيلاً في فرحة حوّلها السلاح إلى مأتم، لتظل اليمن تعاني من الحياة على الزناد.