أعطال بوينغ 737 ماكس... سر فشل النسخة المحدثة من الطائرة الأكثر مبيعاً

08 يوليو 2019
جلسة استماع في الكونغرس بمشاركة أهالي ضحايا بوينغ ماكس(Getty)
+ الخط -
رفع والدا الباحثة في مركز بحوث الصحراء المصرية دعاء عبدالسلام، دعوى ضد شركة بوينغ أمام محكمة شيكاغو الفيدرالية في 5 إبريل/نيسان الماضي، للمطالبة بتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابتهم جراء مقتل ابنتهم في حادثة تحطم طائرة الخطوط الإثيوبية من طراز "بوينغ 737 ماكس 8" في صباح 10 مارس/آذار بعد إقلاعها بست دقائق من أديس أبابا متجهة إلى نيروبي، مما أسفر عن مقتل كل من كانوا على متن الرحلة وعددهم 149 شخصا من الركاب وثمانية من أفراد الطاقم في الطائرة، ومن بين هؤلاء الضحايا أقرباء لـ 52 عائلة أقاموا دعاوى في محكمة المقاطعة التي يوجد بها المركز الرئيسي لشركة بوينغ في مدينة شيكاغو، وفق ما جاء في أوراق القضايا المنشورة على موقع Lexus and Nexus القانوني.

وتكشف أوراق الدعاوى التي اطلع عليها معد التحقيق، عن اتهام الشركة بالمسؤولية عن كارثة الطائرة الإثيوبية التي تعد الثانية بعدما تحطمت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، طائرة من ذات الطراز مملوكة لشركة الخطوط الجوية "ليون إير" الإندونيسية ما أودى بحياة 189 شخصا كانوا على متنها، إذ دفع المحامون بوجود عيوب في تصميم وإنتاج الطائرة B737-Max8، وعدم مراعاة إجراءات السلامة ما أدى لتحطم الطائرة الإثيوبية، وهو ما يؤكده إعلان جديد صادر عن إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية في 27 يونيو/حزيران الماضي عن اكتشافها "مصدر خطر جديداً محتملاً" في طائرات بوينغ 737 ماكس، "والتي تعد نسخة محدثة من بوينغ 737-800 الطائرة الأكثر مبيعاً في العالم" وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" الطيار السابق ومدرب الطيارين الحالي فيليب ريدل، رئيس شركة إي إم سي إيروسبيس.



لماذا فشلت النسخة المحدثة؟

فِي اليوم نفسه الذي رفع فيه والدا دعاء دعوى ضد شركة بوينغ، ظهر رئيسها التنفيذي دينيس ملينبيرغ ‏ في رسالة متلفزة من داخل مصنع بوينغ الذي يتم فيه تجميع الطائرة B737-Max بمدينة سياتل في الشمال الغربي بثتها معظم وسائل الإعلام الأميركية وهو يقول: "نحن في بوينغ نعتذر لكم"، وأقر بأن مهندسي الشركة يعملون على إعادة برمجة Maneuvering Characteristics Augmentation System أو MCAS وهو نظام تعزيز خصائص المناورة الإلكتروني، "المسؤول عن الكارثتين الجويّتين" كما أوضح ريدل قائلا إن المشكلة تكمن في أن بوينغ أدخلت تحسينات في طائرة ماكس على مواد التصنيع حتى يصبح وزنها أخف، وزادت طول الطائرة بمقدار مترين لاستيعاب عدد أكبر من الركاب، إلى جانب تصميم محرك جديد يستهلك وقودا أقل بنسبة 16% من الطائرة السابقة وهو ما يعني زيادة المسافة التي يمكن أن تقطعها الطائرة، لكن التصميم الجديد احتفظ بنفس ارتفاع عجلة الهبوط الأمامية، ومع هذا الارتفاع كان من المستحيل تركيب المحرك الجديد ذي قطر المروحة الأكبر من سابقه أسفل الجناح، لأنه كان سيصطدم بالأرض أثناء الهبوط، ما اضطر المهندسين إلى ‏تقصير رافعة المحرك وتثبيت موضع المحرك إلي الأعلي حيث يظهر ربع قطر المحرك تقريباً فوق الجناح.

ويجبر التصميم الجديد الطائرة على أن تقلع بزاوية عمودية أكبر من المعتاد، كما تابع ريدل، موضحا أنه رغم أن الإقلاع في الطائرات المدنية، تكون فيه مقدمة الطائرة على حافة الأفق، إلا أن رفع مقدمة الطائرة بزاوية أكبر من ذلك كما حدث في حادثتي إثيوبيا وإندونيسيا قد يؤدي إلى تقليل ‏سرعة الطائرة ودخولها في حالة STALL أي (عدم قدره الطائرة على الطيران للأمام وسقوطها).

وبما أن معظم الطيارين يعتمدون على الطيار الآلي مباشرة بعد الإقلاع، فقد استحدثت شركة بوينغ نظام (MCAS) الذي يعمل تلقائيا لزيادة سرعتها في حالة Stall عن طريق دفع مقدمتها إلى الأسفل، وهو ما سيؤدي إلى زيادة السرعة وارتفاع الطائرة تلقائياً مرة أخرى بسبب ‏ديناميكية الهواء (Aerodynamic).


ويعمل نظام MCAS أثناء عمل الطيار الآلي فقط وهو عكس ما حدث في حادث الطائرة الإثيوبية إذ كان قائد الطائرة يتحكم بها يدويا، لأنه أبلغ برج المراقبة برغبته في العودة للمدرج بعد دقيقة واحدة فقط من الإقلاع معللاً ذلك بتأرجح سرعة الطائرة مباشرة بعد الإقلاع وارتفاع وانخفاض الطائرة دون تدخل منه، في حين كان مساعده يحاول إغلاق نظام MCAS، ومن المعلومات المتاحة من ‏مسجل بيانات الطائرة (flight data recorder (FDR، فإن نظام (MCAS) كان لا يزال يعمل ‏حتى بعد فصل الطيار الآلي وهو ما هوى بالطائرة عمودياً إلى الأرض.

إفادة ريدل يدعمها ما قامت به بوينغ بعد حادث طائره إندونيسيا، إذ وزعت شركه بوينغ نشرة على الشركات المشغلة للطائرة بوينغ 737 ماكس (حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها) تحذر فيها الطيارين من أن الطائرة من طراز MAX 737 قد تندفع مقدمتها إلى الأسفل بعد الإقلاع بشكل أوتوماتيكي، نظرا لتلقي مستشعر زاوية الهجوم بالطائرة معلومات خاطئة، وهو ما يمكن حل مشكلته عبر إغلاق مؤقت للنظام المسؤول عن ذلك.

وتضمنت أوراق الدعاوى التي رفعها المحامي مايكل ڤيرنا نيابة عن 6 من عائلات الضحايا، من بينهم عائلة دعاء التي تعود أصولها إلى محافظة الوادي الجديد جنوب غربي مصر، أن تراخيص الطائرة الجديدة B737-Max بها مشكلة إذ تم الحصول عليها على اعتبار أن الطائرة نسخة معدله من الطائرة B737-800 وهو ما ثبت خطأه نتيجة الحادثتين اللتين وقعتا للطائرة التي كان ينبغي أن تحصل على تراخيص طائرة جديدة كليا، وهي تختلف عن التراخيص التي تمنح للنسخ المعدلة، وهو ربما ما كان يمنع وقوع الكارثتين الجويتين".

وبنى المحامي فيرنا استراتيجيته الدفاعية عبر خطة للاستعانة بالشهود والخبراء المتخصصين في هندسة الطيران لاستجواب ممثلي "بوينغ" بعد الحصول على إذن قضائي من المحكمة "التماس للاستجواب" (Discovery motion) لإثبات أي خلل في التصميم أو التشغيل أو عيوب من أي نوع لإقناع المحلفين بمسؤولية الشركة المصنعة للطائرة عن الخلل الذي أصاب الطائرة والذي أدى لتحطمها".



شهادة صلاحية الطيران

عدلت "بوينغ" من تصميم طائرات B737-800 واستحدثت طائرة B737- Max لأن ذلك يسهل عليها الحصول على شهادة صلاحية الطيران من إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية FAA نظرا لأن ‏إجراءات الحصول على رخصة صلاحية الطيران لطائرة جديدة كلياً معقدة وطويلة بحسب تأكيد مستشار السلامة الجوية، بات دكينز الذي يحاضر عن السلامة الجوية في أميركا وحول العالم منذ 40 عاماً.

ويؤكد أن ‏هيئة سلامة النقل الأميركية NTSB طلبت من وكالة التحقيقات الفيدرالية FBI ‏إجراء تحقيقات جنائية للاشتباه، عما إذا كانت هناك حالة فساد في إجراءات السلامة، وبعد انتهاء هذه التحقيقات سيتم إرسال النتائج ‏إلى هيئة محلفين كبرى في محكمة فيدرالية لمعرفة، ما إذا كان هناك قضية جنائية من عدمه؟

وتحظى شركة بوينغ بنفوذ قوي داخل ‏هيئة الطيران الفيدرالي الأميركي والتي كانت آخر هيئة دولية توقف ذلك الطراز بحسب ريدل والذي يقول إنه بعد التأكد من نجاح تعديلات وإصلاح أخطاء الأنظمة الإلكترونية في طائرة B737-Max على بوينغ أن تقنع ‏الطيارين وسلطات الطيران المدني حول العالم بمدى سلامة هذه الطائرة بعد إصلاح العيوب.

ويكشف مصدر في شركة طيران عربية دربت طياريها على جهاز محاكاة بنفس المعلومات والظروف التي كانت الطائرة الإثيوبية التي تحطمت قد مرت بها، لكن لم يستطع أي من الطيارين أن ينقذ الطائرة وفق تأكيد الطيار الذي رفض ذكر اسمه لكونه غير مخول بالتصريح.



منافسة محمومة

يعتقد المحامي ڤيرنا أن ‏الحكومة الأميركية لديها مصلحة في أن تعود هذه الطائرة للطيران مرة أخرى حتى لا يتسبب عدم إنتاجها إلى ‏إحالة الكثير من العمال الأميركيين إلى البطالة إذ توجد طلبيات بحوالي 5 آلاف طائرة من هذا النوع لشركات حول العالم.

وسعى ‏كاتب التحقيق عدة مرات على مدار شهر كامل للتحدث إلى أحد مسؤولي شركه بوينغ، أو وموظفي هيئه الطيران الفيدرالي للرد على الإفادات ولكن دون جدوى.

وتمتلك شركة "بوينغ" التي تعد أكبر مصنع للطائرات التجارية في العالم، 38% من السوق العالمي، لكنها في سباق دائم مع شركة إيرباص التي تملك 28% من السوق العالمي، لتتفوق عليها في عدد الطائرات المباعة حول العالم، كما يقول دكينز، مضيفا ‏"عندما تتعامل شركات تصنيع الطائرات بمنطق التوفير والربح تتراجع قيمة السلامة الجوية، لأن المبيعات الكبيرة تصب في مصلحة المديرين الشخصية مباشرة وفي صورة مكافآت بملايين الدولارات سنوياً".

ويؤكد ريدل أن شركة إيرباص والمنافس الأكبر لشركة بوينغ الأميركية لبيع الطائرات المدنية أعلنت في 2010 عن إعادة تصميم وإنتاج طائرتها A320 إلى نسخة مستحدثة بمواصفات جديدة، أطلقت عليها اسم A320neo ومن أهم مميزات هذه الطائرة أنها تستهلك وقوداً أقل بنسبة 15% من سابقتها لقطع نفس مسافة الطيران وبعدد ركاب أكبر، لكن بما أن عجلة الهبوط الأمامية في طائرة الإيرباص مرتفعة عن الأرض بمسافة جيدة فقد سمح ذلك بتركيب محرك جديد أسفل الجناح ذي قطر مروحة أكبر من سابقه وبدون أي تعديل في رافعات المحرك، وهو ما جعل بوينغ تسعى لمنافسة هذا الطراز عبر طائرتها ماكس المعدلة حتى تحتفظ بحصتها السوقية المرتفعة.
دلالات