بعد مرور يومين على مقتل الجندي السوداني محمد حجازي عبدالقادر الأنصاري في انفجار لغم أرضي على الحدود السعودية اليمنية في 15 مايو/ أيار الماضي، علمت أسرته بالخبر من خلال أقربائه في السعودية الذين كانوا على اتصال به وببعض من زملائه من أبناء ولاية سنار الواقعة وسط السودان.
لم تتلق الأسرة إخطارا رسميا من قيادة الجيش السوداني، يفيد بمقتل ابنهم، كما روى عمه الخمسيني التجاني الأنصاري، بينما تتساءل شقيقته الطبيبة الثلاثينية سمية بحزن: "هل دفن أخي؟ أم ترك للضباع؟ هل أكرموا مثواه؟ أم لا، لم يخبرونا كيف دفن وأين"، ويلتقط عمها التجاني الحديث مرة أخرى متسائلا: "أكيد سيتم دفنه، ولن يترك بالعراء، أليس كذلك؟!".
معاناة أسرة الأنصاري تكررت مع أسرة الجندي محمد فيصل التي عرفت نبأ مقتل ابنها على الحدود السعودية اليمنية مع 18 جنديا آخر من وحدته، عبر مجموعات تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب" التي تضم الجنود من أبناء الولاية الشمالية، بعد يومين من مقتله في 5 مايو/ أيار الماضي، بحسب شقيقته فاطمة، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "أسرتي لم تبلغ بمقتل محمد الذي غادر السودان إلى اليمن في يناير/ كانون الثاني الماضي من قبل قيادة الجيش بالولاية الشمالية رسمياً، إلا في يوم 9 مايو".
اقــرأ أيضاً
شبح عصاب الحرب
وثقت معدة التحقيق حالة ثلاث أسر لجنود سودانيين، تأخرت قيادة الجيش في الإبلاغ عن مقتلهم في حرب اليمن، ومن بينهم أسرة المقدم إبراهيم دفع الله محمد حسين، (الدفعة 45 بالقوات المسلحة السودانية)، التي تلقت خبر مقتله عبر أقربائها المقيمين في السعودية، والذين عرفوا نبأ وفاته إلى جانب ثلاثة ضباط وعشرة جنود آخرين من كتيبته بصحراء ميدي الواقعة شمال غربي اليمن في 5 إبريل/ نيسان 2018، عبر القنوات الفضائية التابعة للحوثيين ومواقعهم الإخبارية، بحسب تأكيد شقيقه الأكبر مصطفى لـ"العربي الجديد"، والذي قال إنهم عند اتصالهم بالقيادة العامة للجيش للتأكد من الخبر، لم يؤكدوا لهم الخبر أو ينفوه، لكن أصدقاءه الضباط حضروا لتعزية الأسرة عصر اليوم الذي قتل فيه شقيقه.
ويبرر مستشار وزارة الدفاع السودانية اللواء المتقاعد يونس محمود عدم الإبلاغ الفوري للأسر بمقتل أبنائهم، بأن اللوائح المنظمة للجيش السوداني تنص على إعلان استشهاد أفراده بعد مرور عام من الوفاة، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أنه يتم التعامل معهم خلال تلك الفترة على أنهم مفقودون، غير أن مصدرا عسكريا رفيعا (فضل عدم ذكر اسمه بناء على رغبته)، دحض ما ذهب إليه اللواء محمود، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن اللوائح الداخلية للقوات المسلحة السودانية تنص بوضوح على أنه إذا تأكد استشهاد أحد أفرادها لحظة وفاته يتم تبليغ أسرته في الساعة ذاتها، والشروع فوراً في الإجراءات المالية".
ويعيد المصدر العسكري تأخر الجيش في إخطار ذوي المتوفين في الحرب اليمنية إلى "أعداد المتوفين من الشهداء"، محذراً من شبح عصاب الحرب والتأثيرات النفسية المدمرة على أسر الشهداء والمفقودين.
ويقدر مصدر في الحكومة السودانية عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن بـ850 ضابطا وجنديا حتى يونيو/ حزيران 2018، في الوقت الذي رفض فيه اللواء محمود التحدث عن عدد القتلى في صفوف القوات السودانية المشاركة بالحرب، وحتى عن عدد الجنود المشاركين فيها، معتبرا ذلك من الأسرار العسكرية، واكتفى بقوله: "هناك حقوق ومستحقات"، بينما يعد تصريح قائد قوات الدعم السريع في الجيش السوداني الفريق محمد حمدان حميدتي، في سبتمبر/ أيلول من عام 2017 لوسيلة إعلام محلية، بأن عدد القتلى منذ بدء الحرب حتى تاريخ التصريح، بلغ 412 من القوات السودانية، بينهم 14 ضابطاً، هو الرقم الوحيد المعلن من قبل مسؤول سوداني.
جثث القتلى
يطالب البرلماني عن كتلة التغيير المستقلة بالمجلس الوطني (البرلمان السوداني)، أبو القاسم برطم، بضرورة معرفة أسر "شهداء السودان كيف ماتوا؟ وأين دفنوا؟"، مستغربا التعتيم من قبل الحكومة السودانية على عدد القوات المشاركة في حرب اليمن، وعدد القتلى والجرحى، لكن اللواء محمود يرد بأن قيادة الجيش السوداني مسؤولة أخلاقيا وإداريا عن الجرحى والشهداء وإحصائهم وإجلائهم، متهما وسائل إعلام الحوثيين بنشر بعض الصور المفبركة لجنود قتلوا وسط المناطق الجبلية والضباع تنهش جثثهم مدعين أنهم سودانيون، بغرض التأثير على الرأي العام المحلي السوداني، ليضغط على الحكومة كي تسحب قواتها من هناك، في إطار الحرب النفسية والأعمال المصاحبة للتحركات العسكرية، وتابع: "من الطبيعي أن تكون هناك خسائر في الأرواح في أي حرب".
وينفي اللواء محمود وجود أي اتفاقية بين أطراف التحالف العربي لاسترداد الشرعية في اليمن تنص على دفن "الشهداء" بالبقيع، قائلا "تم دفن البعض بناءً على وصايا الأفراد المشاركين في الحرب"، وهو ما حدث مع جثمان المقدم إبراهيم الذي كانت أمنيته أن يدفن بالبقيع، ودفن فيها بحضور أحد أشقائه في السعودية، بحسب شقيقه مصطفى.
وفي رده على سؤال "العربي الجديد" حول مدى صحة المعلومات المنتشرة عن استشهاد مقاتلين سودانيين بنيران إماراتية صديقة داخل الأراضي اليمنية، اكتفى اللواء محمود بالقول:" هناك تبعات لقرار المشاركة ومستجدات تقتضي مقابلتها بأعمال عسكرية مباشرة أو دبلوماسية، وهناك تضخيم للموقف الإماراتي".
تعويضات الجنود
تراوح تعويضات القتلى من الجنود ما بين 60 ألف ريال (16 ألف دولار أميركي) و70 ألف ريال سعودي (18.62 ألف دولار)، ويصل تعويض الوفاة عن الضابط إلى نحو 150 ألف ريال (40 ألف دولار)، تبدأ إجراءات استلامها من قبل أسرة الشهيد عقب ثلاثة أشهر من الوفاة، ويكون راتب الشهيد ساريا خلال تلك الفترة، وهو ما وثقته معدة التحقيق عبر إفادات 7 جنود عائدين إلى السودان، لكن أسرة الأنصاري لم تستلم سوى راتب شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بحسب شقيقته سمية، مشيرة إلى أنها استلمت الراتب لشهر يناير قبل وفاة شقيقها بثلاثة أيام، عبر بنك فيصل الإسلامي ولم تستلم رواتب باقي الأشهر حتى وفاته، لأنها لم تحوّل، كما تقول.
اقــرأ أيضاً
الأمن القومي السوداني
يصف العضو السابق في هيئة قيادة الجيش السوداني، الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، قرار مشاركة القوات المسلحة السودانية في حرب اليمن، بـ"التهديد للأمن القومي السوداني" ببعده العسكري، إذ تحتاج الطبيعة الجبلية الوعرة في اليمن إلى قوات ومعدات خاصة وتدريب وتسليح خاص، باعتبار أن الطبيعة تمثل عامل قوة يجب حسابه بدقة، ويعتقد بشير أن الحرب لا نهاية لها، إلى جانب إهمال التقدير السليم لقوة الخصم.
كما أن دخول القوات المشتركة في حرب اليمن لم يحقق الأمن القومي في المنطقة، بل على العكس أصبحت السعودية هدفاً لصواريخ الحوثيين كل ساعة، وأصبح أمن السودان مهددا من الحوثيين الذين يتوعدون السودان بأن صواريخهم ليست بعاجزة عن قصفه. فيما يمكن لذلك أن ينسحب على الأمن البحري في البحر الأحمر، حيث تأتي معظم التجارة السودانية من دول شرق آسيا، لافتاً إلى أن العالم ينظر لهذه الحرب بأنها تنتهك حقوق الإنسان، ويضيف: "السودان لديه من الاهتراءات الداخلية أكثر مما تعانيه دول الإقليم"، فيما يقول برطم إن السودان يفترض أن يكون دولة محايدة تسعى لإحلال السلم والأمن في الدول المجاورة لا أن تكون طرفاً في تأجيج الصراع الداخلي في أي دولة.
ويطالب البرلماني برطم بانسحاب القوات السودانية من اليمن، في وقت يحذر الفريق بشير من التفكير في الانسحاب من المشاركة في الحرب في هذا التوقيت، قائلا لـ"العربي الجديد": "أي انسحاب غير مدبر بعناية في أرض مثل اليمن يصعب جداً إتمامه وستكون خسائره أكثر منها في الحرب، رغم انتقادي لقرار المشاركة"، مضيفا: "لو تمت دراسة وتقدير موقف استراتيجي (عسكري/ أمني) سليم لقرار مشاركة القوات المسلحة السودانية، لما اتخذ قرار المشاركة في الحرب أصلا، والتبرير بحماية المقدسات الإسلامية لا يقنع المواطن السوداني، وأرواح الجنود السودانيين لا تقدر بمال".
ما مدى مشروعية قرار المشاركة؟
يكشف البرلماني برطم عن إيداع قرار مشاركة السودان في حرب اليمن للنقاش في جدول أعمال المجلس الوطني والذي سيناقش في دور الانعقاد المقبل، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعد ضغوط من كتلته، متوقعاً أن يتم تمريره من كتلة المؤتمر الوطني التي تمثل الأغلبية داخل البرلمان.
ويعتبر برطم أن قرار المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، يمثل خرقا للدستور السوداني، إلا أن الدستور السوداني الانتقالي لعام 2005 يخلو من إي إشارة توجب على رئاسة الجمهورية الحصول على موافقة البرلمان لمشاركة القوات المسلحة السودانية في معارك خارج البلاد، وهو ما يؤكده الخبير الاستراتيجي العسكري اللواء المتقاعد محمد أحمد الفكي لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن الرئيس السوداني عمر البشير لم يخرق دستور بلاده في ما يتعلق بعدم الحصول على موافقة البرلمان السوداني على مشاركة القوات السودانية في الحرب اليمنية، مستدركا "الرئيس استغل عدم وجود أو تحديد أو تقييد لذلك في الدستور، وقام بإصدار قرار فردي، رغم أن مشاركة القوات المسلحة السودانية خارجيا يجب أن تعرض على البرلمان، شأن أي بروتوكول أو اتفاقية تعاون مع دولة أخرى"، لكن الناطق الرسمي باسم كتلة الحزب الاتحادي الديمقراطي البرلمانية الأصل (توجد فروع أخرى للحزب انشقت عنه)، أحمد الطيب المكابرابي، يرى أن البشير لم يخالف الدستور وأن الخلل في شكل الإجراء فقط.
وفي ما يتعلق بجهل البرلمان بعدد القوات المشاركة وعدد الشهداء والجرحى، قال المكابرابي لـ"العربي الجديد": "لم يسأل أحد من نواب البرلمان وزير الدفاع عن عدد القوات أو الجرحى أو الشهداء".
لم تتلق الأسرة إخطارا رسميا من قيادة الجيش السوداني، يفيد بمقتل ابنهم، كما روى عمه الخمسيني التجاني الأنصاري، بينما تتساءل شقيقته الطبيبة الثلاثينية سمية بحزن: "هل دفن أخي؟ أم ترك للضباع؟ هل أكرموا مثواه؟ أم لا، لم يخبرونا كيف دفن وأين"، ويلتقط عمها التجاني الحديث مرة أخرى متسائلا: "أكيد سيتم دفنه، ولن يترك بالعراء، أليس كذلك؟!".
معاناة أسرة الأنصاري تكررت مع أسرة الجندي محمد فيصل التي عرفت نبأ مقتل ابنها على الحدود السعودية اليمنية مع 18 جنديا آخر من وحدته، عبر مجموعات تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب" التي تضم الجنود من أبناء الولاية الشمالية، بعد يومين من مقتله في 5 مايو/ أيار الماضي، بحسب شقيقته فاطمة، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "أسرتي لم تبلغ بمقتل محمد الذي غادر السودان إلى اليمن في يناير/ كانون الثاني الماضي من قبل قيادة الجيش بالولاية الشمالية رسمياً، إلا في يوم 9 مايو".
شبح عصاب الحرب
وثقت معدة التحقيق حالة ثلاث أسر لجنود سودانيين، تأخرت قيادة الجيش في الإبلاغ عن مقتلهم في حرب اليمن، ومن بينهم أسرة المقدم إبراهيم دفع الله محمد حسين، (الدفعة 45 بالقوات المسلحة السودانية)، التي تلقت خبر مقتله عبر أقربائها المقيمين في السعودية، والذين عرفوا نبأ وفاته إلى جانب ثلاثة ضباط وعشرة جنود آخرين من كتيبته بصحراء ميدي الواقعة شمال غربي اليمن في 5 إبريل/ نيسان 2018، عبر القنوات الفضائية التابعة للحوثيين ومواقعهم الإخبارية، بحسب تأكيد شقيقه الأكبر مصطفى لـ"العربي الجديد"، والذي قال إنهم عند اتصالهم بالقيادة العامة للجيش للتأكد من الخبر، لم يؤكدوا لهم الخبر أو ينفوه، لكن أصدقاءه الضباط حضروا لتعزية الأسرة عصر اليوم الذي قتل فيه شقيقه.
ويبرر مستشار وزارة الدفاع السودانية اللواء المتقاعد يونس محمود عدم الإبلاغ الفوري للأسر بمقتل أبنائهم، بأن اللوائح المنظمة للجيش السوداني تنص على إعلان استشهاد أفراده بعد مرور عام من الوفاة، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أنه يتم التعامل معهم خلال تلك الفترة على أنهم مفقودون، غير أن مصدرا عسكريا رفيعا (فضل عدم ذكر اسمه بناء على رغبته)، دحض ما ذهب إليه اللواء محمود، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن اللوائح الداخلية للقوات المسلحة السودانية تنص بوضوح على أنه إذا تأكد استشهاد أحد أفرادها لحظة وفاته يتم تبليغ أسرته في الساعة ذاتها، والشروع فوراً في الإجراءات المالية".
ويعيد المصدر العسكري تأخر الجيش في إخطار ذوي المتوفين في الحرب اليمنية إلى "أعداد المتوفين من الشهداء"، محذراً من شبح عصاب الحرب والتأثيرات النفسية المدمرة على أسر الشهداء والمفقودين.
ويقدر مصدر في الحكومة السودانية عدد الذين قتلوا من الجيش السوداني في حرب اليمن بـ850 ضابطا وجنديا حتى يونيو/ حزيران 2018، في الوقت الذي رفض فيه اللواء محمود التحدث عن عدد القتلى في صفوف القوات السودانية المشاركة بالحرب، وحتى عن عدد الجنود المشاركين فيها، معتبرا ذلك من الأسرار العسكرية، واكتفى بقوله: "هناك حقوق ومستحقات"، بينما يعد تصريح قائد قوات الدعم السريع في الجيش السوداني الفريق محمد حمدان حميدتي، في سبتمبر/ أيلول من عام 2017 لوسيلة إعلام محلية، بأن عدد القتلى منذ بدء الحرب حتى تاريخ التصريح، بلغ 412 من القوات السودانية، بينهم 14 ضابطاً، هو الرقم الوحيد المعلن من قبل مسؤول سوداني.
جثث القتلى
يطالب البرلماني عن كتلة التغيير المستقلة بالمجلس الوطني (البرلمان السوداني)، أبو القاسم برطم، بضرورة معرفة أسر "شهداء السودان كيف ماتوا؟ وأين دفنوا؟"، مستغربا التعتيم من قبل الحكومة السودانية على عدد القوات المشاركة في حرب اليمن، وعدد القتلى والجرحى، لكن اللواء محمود يرد بأن قيادة الجيش السوداني مسؤولة أخلاقيا وإداريا عن الجرحى والشهداء وإحصائهم وإجلائهم، متهما وسائل إعلام الحوثيين بنشر بعض الصور المفبركة لجنود قتلوا وسط المناطق الجبلية والضباع تنهش جثثهم مدعين أنهم سودانيون، بغرض التأثير على الرأي العام المحلي السوداني، ليضغط على الحكومة كي تسحب قواتها من هناك، في إطار الحرب النفسية والأعمال المصاحبة للتحركات العسكرية، وتابع: "من الطبيعي أن تكون هناك خسائر في الأرواح في أي حرب".
وينفي اللواء محمود وجود أي اتفاقية بين أطراف التحالف العربي لاسترداد الشرعية في اليمن تنص على دفن "الشهداء" بالبقيع، قائلا "تم دفن البعض بناءً على وصايا الأفراد المشاركين في الحرب"، وهو ما حدث مع جثمان المقدم إبراهيم الذي كانت أمنيته أن يدفن بالبقيع، ودفن فيها بحضور أحد أشقائه في السعودية، بحسب شقيقه مصطفى.
وفي رده على سؤال "العربي الجديد" حول مدى صحة المعلومات المنتشرة عن استشهاد مقاتلين سودانيين بنيران إماراتية صديقة داخل الأراضي اليمنية، اكتفى اللواء محمود بالقول:" هناك تبعات لقرار المشاركة ومستجدات تقتضي مقابلتها بأعمال عسكرية مباشرة أو دبلوماسية، وهناك تضخيم للموقف الإماراتي".
تعويضات الجنود
تراوح تعويضات القتلى من الجنود ما بين 60 ألف ريال (16 ألف دولار أميركي) و70 ألف ريال سعودي (18.62 ألف دولار)، ويصل تعويض الوفاة عن الضابط إلى نحو 150 ألف ريال (40 ألف دولار)، تبدأ إجراءات استلامها من قبل أسرة الشهيد عقب ثلاثة أشهر من الوفاة، ويكون راتب الشهيد ساريا خلال تلك الفترة، وهو ما وثقته معدة التحقيق عبر إفادات 7 جنود عائدين إلى السودان، لكن أسرة الأنصاري لم تستلم سوى راتب شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بحسب شقيقته سمية، مشيرة إلى أنها استلمت الراتب لشهر يناير قبل وفاة شقيقها بثلاثة أيام، عبر بنك فيصل الإسلامي ولم تستلم رواتب باقي الأشهر حتى وفاته، لأنها لم تحوّل، كما تقول.
الأمن القومي السوداني
يصف العضو السابق في هيئة قيادة الجيش السوداني، الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، قرار مشاركة القوات المسلحة السودانية في حرب اليمن، بـ"التهديد للأمن القومي السوداني" ببعده العسكري، إذ تحتاج الطبيعة الجبلية الوعرة في اليمن إلى قوات ومعدات خاصة وتدريب وتسليح خاص، باعتبار أن الطبيعة تمثل عامل قوة يجب حسابه بدقة، ويعتقد بشير أن الحرب لا نهاية لها، إلى جانب إهمال التقدير السليم لقوة الخصم.
كما أن دخول القوات المشتركة في حرب اليمن لم يحقق الأمن القومي في المنطقة، بل على العكس أصبحت السعودية هدفاً لصواريخ الحوثيين كل ساعة، وأصبح أمن السودان مهددا من الحوثيين الذين يتوعدون السودان بأن صواريخهم ليست بعاجزة عن قصفه. فيما يمكن لذلك أن ينسحب على الأمن البحري في البحر الأحمر، حيث تأتي معظم التجارة السودانية من دول شرق آسيا، لافتاً إلى أن العالم ينظر لهذه الحرب بأنها تنتهك حقوق الإنسان، ويضيف: "السودان لديه من الاهتراءات الداخلية أكثر مما تعانيه دول الإقليم"، فيما يقول برطم إن السودان يفترض أن يكون دولة محايدة تسعى لإحلال السلم والأمن في الدول المجاورة لا أن تكون طرفاً في تأجيج الصراع الداخلي في أي دولة.
ويطالب البرلماني برطم بانسحاب القوات السودانية من اليمن، في وقت يحذر الفريق بشير من التفكير في الانسحاب من المشاركة في الحرب في هذا التوقيت، قائلا لـ"العربي الجديد": "أي انسحاب غير مدبر بعناية في أرض مثل اليمن يصعب جداً إتمامه وستكون خسائره أكثر منها في الحرب، رغم انتقادي لقرار المشاركة"، مضيفا: "لو تمت دراسة وتقدير موقف استراتيجي (عسكري/ أمني) سليم لقرار مشاركة القوات المسلحة السودانية، لما اتخذ قرار المشاركة في الحرب أصلا، والتبرير بحماية المقدسات الإسلامية لا يقنع المواطن السوداني، وأرواح الجنود السودانيين لا تقدر بمال".
ما مدى مشروعية قرار المشاركة؟
يكشف البرلماني برطم عن إيداع قرار مشاركة السودان في حرب اليمن للنقاش في جدول أعمال المجلس الوطني والذي سيناقش في دور الانعقاد المقبل، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعد ضغوط من كتلته، متوقعاً أن يتم تمريره من كتلة المؤتمر الوطني التي تمثل الأغلبية داخل البرلمان.
ويعتبر برطم أن قرار المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، يمثل خرقا للدستور السوداني، إلا أن الدستور السوداني الانتقالي لعام 2005 يخلو من إي إشارة توجب على رئاسة الجمهورية الحصول على موافقة البرلمان لمشاركة القوات المسلحة السودانية في معارك خارج البلاد، وهو ما يؤكده الخبير الاستراتيجي العسكري اللواء المتقاعد محمد أحمد الفكي لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن الرئيس السوداني عمر البشير لم يخرق دستور بلاده في ما يتعلق بعدم الحصول على موافقة البرلمان السوداني على مشاركة القوات السودانية في الحرب اليمنية، مستدركا "الرئيس استغل عدم وجود أو تحديد أو تقييد لذلك في الدستور، وقام بإصدار قرار فردي، رغم أن مشاركة القوات المسلحة السودانية خارجيا يجب أن تعرض على البرلمان، شأن أي بروتوكول أو اتفاقية تعاون مع دولة أخرى"، لكن الناطق الرسمي باسم كتلة الحزب الاتحادي الديمقراطي البرلمانية الأصل (توجد فروع أخرى للحزب انشقت عنه)، أحمد الطيب المكابرابي، يرى أن البشير لم يخالف الدستور وأن الخلل في شكل الإجراء فقط.
وفي ما يتعلق بجهل البرلمان بعدد القوات المشاركة وعدد الشهداء والجرحى، قال المكابرابي لـ"العربي الجديد": "لم يسأل أحد من نواب البرلمان وزير الدفاع عن عدد القوات أو الجرحى أو الشهداء".