لا تقبل هالة حسن، مؤسسة مجموعة "حور الدنيا"، انضمام غير المنتقبات إلى صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وعلى الرغم من أن بعض المعجبات من بين 1200 منضمة إلى الصفحة، لا يرتدين النقاب، إلا أنها وباقي مشرفات المجموعة الخمس تصنفهن باعتبارهن "ثقات ومحبات للنقاب" على حد وصفها.
وتعد "مجموعة" حور الدنيا واحدة من بين العديد من المجموعات المنتشرة على "فيسبوك"، والتي تقتصر عضويتها على المنتقبات ولديها قوانين خاصة بها تحظر على غير المنتقبات الدخول أو الانضمام إليها، إذ رصدت معدة المادة، مجموعة تسمى "مستعمرة المنتقبات" ويصل عدد أعضائها إلى 78702 منضمة، وكذلك "جروب" مستعمرة المنتقبات والمختمرات والذي يبلغ عدد أعضائها 45675 منضمة، وكذلك مجموعة مملكة المنتقبات بإجمالي 24316 معجبة بصفحة المجموعة، وأيضا جروب كوكب المنتقبات بإجمالي 7201 منضمة.
ولكن ماذا يحدث داخل هذه المجموعات المغلقة وما هي القضايا التي تسيطر على نقاشات المنضمات وكيف يرين قضايا مثل الانفتاح على المجتمع أو الانعزال بعيدا عنه، ولماذا يرفضن غير المنتقبات؟ بحسب هالة حسن التي تجيب عن السؤال الأخير، قائلة "إننا نمنع دخول كل من لا نثق فيهن، حتى لا تتسرب الصور الخاصة أو المشكلات التي تنشرها المنضمات، كما أن غير المنتقبات غالبا لا يحاولن الانضمام، احتراماً للخصوصية، أو لأنهن لا يواجهن نفس المشكلات" على حد قولها.
داخل مستعمرات المنتقبات
"امرأة تحمل مصحفاً وترتدي النقاب، إلى جوار صورتها كُتبت آية من القرآن الكريم، هذه الصورة هي غلاف جروب حور الدنيا ذي الخلفية وردية اللون.
"مثل باقي النساء، تتكلم المنتقبات في كل شيء" كما تقول هالة لـ"العربي الجديد" قبل أن تتابع: "نتحدث عن الصحة والجمال والطهي والمشكلات الخاصة والطبية والأسرية، لكننا أيضا نفتح نقاشات فقهية أو مسائل دينية، وتفسير الأحلام، ويمكن لبعضنا تسويق منتجات خاصة بالمنتقبات، كالملابس والعطور والزينة".
وتجد المحاسبة رحاب كمال بسهولة صديقات في مجموعات المنتقبات، التي لا تبذل جهدا كي تندمج، أو لتثبت أنها تشبه باقي الموجودين، وهو ما دفعها للانضمام إليها، والحرص على تخصيص وقت لتصفح حسابها، مثل إيمان الوقاد التي بالرغم من شؤون المنزل وطفلها الجديد، إلا أنها تحرص على التواصل مع صديقاتها في المجموعة.
ارتدت إيمان الوقاد الحاصلة على ليسانس في علم الاجتماع، النقاب حديثا، وتعتبر أن اهتمامها بهذه "الجروبات" يرجع إلى أنها "تجد هناك من تثق في فهمهن لأمور الدين، بالإضافة إلى عرض أي مشكلة تواجهها في حياتها".
وتعد كتابة المشكلات على الصفحات الخاصة ثقافة بدأت تنتشر بين المصريين والمصريات، كما تقول مؤسسة مجموعة "حور الدنيا"، والتي تعتبر أن عرض تلك المشكلات يساهم في إيجاد حل تقدمه من عاشت نفس التجربة كما تقول رحاب موضحة أنه "وإن كانت مشكلات جميع النساء واحدة، وليس هناك اختلاف كبير، غير أن من ترتدين النقاب لديهن مشكلاتهن مختلفة، من حيث تعامل المجتمع والأهل معهن".
البحث عن الزوج والمعالج الروحاني
تلجأ العشرينية المنتقبة منذ عشرة سنوات منى أحمد إلى مجموعات المنتقبات لدى سؤالها عن زوج لإحدى صديقاتها أو قريباتها، إذ تجد غايتها هناك، بعد أن تحدد شروط الشريك المتدين، المطلوبة وتنتظر الرد.
وتوضح هالة مؤسسة جروب حور الدنيا، الفكرة قائلة: "تعرف المجموعةُ النساء إلى بعضهن، وبعد ذلك يسهل للمنضمة أن تبحث عن عروس لأخيها أو قريبها، من نفس الوسط الذي يريده".
البحث عن زوج قد يكون نشاطا متشابها مع باقي جروبات البنات، لكن ما تتفرد به مجموعات المنتقبات هو البحث عن مفسرة أحلام أو معالجة روحية، وتشرح منى لـ"العربي الجديد" أن العديد من المنضمات إلى مجموعات المنتقبات يطلبن "معالجة بالقرآن، أو الحصول على نصيحة للتعامل مع حالة وجود مسّ من الجن. أو مفسرة أحلام تثق فيها البنات وتصدقها" وفقا للاهتمامات المنتشرة بينهن.
تحريم التصوير
سواء على صفحاتهن الشخصية أو داخل المجموعة، تختار المنتقبات صورا شخصية لهن (بروفايل) عبارة عن مناظر طبيعية كُتب عليها الدعاء أو الآيات القرآنية. وعندما يرغبن في نشر صور شخصية يطمسن وجوههن، لاعتقادهن بحرمة تصوير الوجوه.
تقول هالة: "نحافظ على سرية مجموعتنا حتى لا تتسرب الأسرار، إذ تحكي المنضمات عن مشاكلهن الخاصة، وهذه من اﻷمور التي نحرص دائما أن تكون غير معلنة. ولا نفضل الاختلاط بالرجال، على الرغم من أنهم قد يكونون محور الحديث في بعض الأوقات".
بالمقابل تعودت المصورة المنتقبة زهراء على أن تتفقد حسابها على "فيسبوك" قبل أن تذهب صباحا إلى الجامعة، إذ تسعى إلى استخدام الموقع في التسويق لعملها في مجال التصوير.
وبعد أن نشرت زهراء بعض الصور التي التقطتها على جروب للمنتقبات، وهي واحدة منهن، وبأسرع من المتوقع، تلقت ردودا غاضبة تطالبها بمراجعة مشروعية عملها من الناحية الدينية، فيما "اتهمتها بقية المنضمات بأن أموالها حرام، وأن التصوير حرام بإجماع الفقهاء، حتى تصوير الفيديو اختلف العلماء في حكمه". بالمقابل فإن قليلات منهن أثنين على عمل زهراء، ولكن مع بعض التحفظات أيضا. ما جعلها ترفض الدخول أو عضوية تلك المجموعات بعد ذلك.
الهجوم على المخالفات في الرأي
بسبب معاناة الطالبة في جامعة الأزهر، ياسمين خليل، من أزمة صحية أجبرتها على خلع النقاب، كتبت على جروب خاص بالمنتقبات كانت من أعضائه، حول ما جرى لها لعلها تجد الدعم أو الحل أو الرأي الفقهي الراجح لحكم خلعها النقاب، لكنها فوجئت بالتعليقات. "كُنَّ جميعا يتحدثن عن مدى صمودهن ومقاومتهن وصبرهن على تحديات النقاب، طالبنها بالصبر، ولم تلتفت إحداهن لمشكلتها من الأساس" كما تقول.
وتفسر الطالبة بكلية الآداب سلمى حسام، والتي ارتدت النقاب منذ 6 سنوات، ما جرى مع ياسمين من واقع تجربتها الخاصة قائلة "أي واحدة تمتلك وجهة نظر مختلفة لوجهة نظر المنضمات إلى الجروبات يتم الهجوم عليها، فهن يعتقدن أنهن على صواب دائما، ولا يسمحن برأي مخالف، لذلك أفضل الانخراط في كل الأوساط، لا الانحسار في مجتمع واحد، لي صديقات بأفكار مختلفة تماما عني، وصديقتي المقربة غير محجبة، ونحن على وفاق كبير".
الانعزال أم الانفتاح، ماذا تفضل المنتقبات؟
"يعود الانتساب إلى هذا المجتمع الذي يحافظ على تقاليد خاصة، إلى محاولة احتماء بعض أعضائه فيه"، كما توضح رحاب الفكرة قائلة: "بالفعل بعض المنتقبات يفضلن الانعزال، ويعتبرن هذه الجروبات ملاذهن، إذ إنهن يعتقدن بفرضية النقاب، ووجوب اعتزال الفتن واتقاء الشبهات، ويحاولن الابتعاد عن أي شيء قد يكون محل شبهة في نظرهن. أما أنا فأملك شخصية اجتماعية وأحاول أن أختلط بكل المجتمعات الأخرى، مع كل الحرص على ما أؤمن به".
وفي الوقت الذي ينعزل فيه بعضهن، وتحاول الأخريات بشتى الطرق، إثبات حضورهن وتأثيرهن، هل تتقبل باقي الأوساط المنتشرة على "السوشيال ميديا" وجود المنتقبات؟
"يتوقف الأمر على المحتوى الذي تنشره كل واحدة منهن على صفحتها الشخصية"، بحسب رحاب والتي معظم جمهورها من المنتقبات أو الإسلاميين، كونها من مشاهير الإسلاميين، خاصة أن أغلب مشاركاتها لها طابع ديني.
وفي المقابل، تحظى زهراء بشعبية كبيرة علي صفحتها عبر فيسبوك التي تسوق عبرها لعملها في التصوير، إذ تحصل على تفاعل واستجابة مرضية من زائري الصفحة، ولا يقتصر جمهورها على الإسلاميين فقط.
لكن الحياة الافتراضية تختلف عن أرض الواقع "والتي لا تبدو بهذه السهولة"، كما تصفها زهراء لدى إجابتها عن سؤال عن مدى تقبل الآخرين لها على أرض الواقع؟ قائلة "مطلقا لا أجد ترحيبا بي، أنا منتقبة منذ أن كنت في الثانوية، وكانت مديرة المدرسة ترفض دخولي بالنقاب، بل وتصر على طردي من الطابور أمام كل زميلاتي. ولم يتوقف الأمر إلا عندما أجبرتني على التحول إلى الدراسة المنزلية".
كما يستغرب زملاء سلمى حسام في الجامعة أنشطتها لأنها منتقبة. وعندما تقوم بتلخيص المواد الدراسية ونقلها إليهم تسمع الجملة التي تتكرر على أسماعها كثيرًا "لا توجد منتقبة تفعل هذا".
تفسر سلمى الأمر قائلة: لقد تعوّدوا أن تكون المنتقبة فتاة لا تتكلم مع أحد، ويتلخص مجهودها كله في الاندماج مع صديقاتها المقربات اللاتي يرتدين النقاب مثلها، مع أن هذا تغير.
وتضيف زهراء: "حين أقوم بعملي في التصوير، أجد نظرات غريبة تتوجه إليّ. وأحيانا يسألونني "كيف تجمعين بين الأمرين؟" لا أرى تعارضا بين حب التصوير واتخاذه مهنة، وبين كوني منتقبة. يسألني بعضهم إن كان عملي مقتصرا على تصوير المنتقبات، ولكني أصور كل من ترغب في التصوير، وأحب أن يحكم الناس على إتقان عملي، لا وفقا لما أرتديه".