في روايته "باب الخروج"، وضع عز الدين شكري فشير، أستاذ العلوم السياسية والدبلوماسي السابق بالسفارة المصرية في تل أبيب، سيناريو تخيلي تحتل بموجبه إسرائيل شرق سيناء، بعد أن ضاقت ذرعا بفشل الجيش المصرى في التعامل مع الجهاديين، الأمر الذي يشبه ما ذكره مدير المخابرات العامة المصرية الراحل، اللواء عمر سليمان، في حوار صحافي، منتصف عام 2012، إذ تحدث هو الآخر "عن مخاوفه من توسع العمل الجهادي في سيناء، واعتقاد إسرائيل بأن سيناء تستخدم في عمليات إطلاق الصواريخ عليها ما قد يجعلها تحاول احتلالها مرة أخرى".
غير أن رواية فشير وسليمان وإن كانت لم تتحقق، إلا أن خبراء ومتخصصين يحذرون من أن تعامل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ما يجري في سيناء منذ توليه رئاسة الجمهورية، قد يؤدي إلى ما حذر منه اللواء عمر سليمان وتحدث عنه الروائي فشير، إذ إن السيسي خالف كل ما حذر منه في السابق وقت توليه منصب وزير الدفاع، بعد أن رفض "استخدام القوة العسكرية الغاشمة وتهجير السكان حتى لا تنفصل سيناء مثل جنوب السودان"، مؤكدا في مقطع فيديو مسجل للقائه مع ضباط بالجيش المصري، أن الطريق الوحيد للحفاظ على سيناء هو "بالتنمية وتواجد الدولة"، إلا أن السيسي بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية خالف هذه الرؤية بشكل جذري، إذ جرى قتل واعتقال العديد من أهل سيناء، في حوادث عديدة على رأسها ما حدث في 13 يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن أعلنت وزارة الداخلية عن تصفية من أسمتهم بـ" 10 من العناصر الإرهابية داخل وكر بمنطقة تابعة لقسم شرطة رابع العريش، في تبادل لإطلاق النار، لاتهامهم بالتورط في عملية قتل ضباط وجنود داخل كمين المطافئ قبل أيام من البيان"، إلا أنه وفق شهادة أدلى بها الناشط السيناوي، أشرف أيوب، لـ"العربي الجديد"، فإن هؤلاء الضحايا هم من أبناء سيناء الذين تم القبض عليهم من بيوتهم قبل عملية الكمين بشهور عديدة وتم إخفاؤهم قسرياً، لافتا إلى أن من بينهم طفلاً بلغ من العمر 13 عاما، كما أن جثامين الضحايا جميعها قدمت من محافظة الإسماعيلية حيث يوجد سجن العازولي، الذي يُرجح أنهم كانوا مُعتقلين فيه".
تصفية المعتقلين والمختفين قسريا
يؤكد حقوقي سيناوي عرف نفسه بخالد رافضا الكشف عن هويته، حفاظا على أمنه الشخصي، أن حالات التصفية الجسدية بحق أهالي سيناء الذين يتم القبض عليهم وإخفاؤهم قسرياً أمرٌ بات يتكرر بشكل دوري، مشيرا إلى أن عدد من تمت تصفيتهم بعد القبض عليهم خلال الفترة ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013 في منطقة الشيخ زويد وحدها يصل إلى 100 معتقل، إلى جانب 200 شخص مختفين قسريا لا يعرف أقرباؤهم عنهم شيئا، بالإضافة إلى الاعتقالات العشوائية التي تطاول المئات وتتم بصورة دورية.
وأشار الناشط المقيم في سيناء إلى تكرار قصف بيوت أهالي سيناء بالقذائف والأعيرة النارية، وحرق العشش (بيوت بدائية) التي يقيمون فيها، حتى وصل الأمر إلى التضييق الأمني على من يحمل هوية تشير إلى انتمائه إلى محافظة شمال سيناء، وهو ما أكد عليه مُسعد أبو فجر الناشط والأديب السيناوي عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك راوياً أنه تم القبض على واحد من بدو سيناء في كمين، ولدى سؤاله الضابط عن سبب توقيفه أشار إلى خانة الإقامة في بطاقة هويته مكتوب فيها "شمال سيناء"، قائلاً له "هذه جريمتك".
وبحسب إحصاء مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، فإن سيناء كان لها النصيب الأكبر في عدد القتلى على يد قوات الأمن خلال عام 2016، إذ بلغ عدد حالات القتل 1177 حالة اعتمادا على حصر قام به المركز عبر البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية، فضلا عن حالات الاختفاء القسري والتعذيب.
التضييق الحياتي والمعيشي
على الرغم من حديث السيسي السابق عن أهمية التنمية للحفاظ على سيناء، إلا أن مصادر مُعِدِّ المادة في سيناء تصف ما يحدث من تضييق معيشي بـ"العقوبات الاقتصادية والمعيشية والخدمية"، إذ يضيق الأمن بشدة على دخول العديد من البضائع والسلع التي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ قيام ثورة يناير في مصر، كما تم إغلاق جميع محطات الوقود في مدينتي الشيخ زويد والعريش نهائياً منذ 3 أعوام وحتى الآن، إلى جانب إغلاق وتدمير المنشآت الصحية والتعليمية التي تم تحويل بعضها إلى مقرات أمنية، وهو ما أدى إلى فقدان مدينة الشيخ زويد وحدها 6 وحدات علاجية و23 مدرسة تعرضت للإغلاق والتدمير، كما صدر قرار من وزير الصحة بتحويل المستشفى العام الوحيد بالعريش من العلاج مجاناً إلى العلاج بأجر.
الوجه الآخر للجحيم
يؤكد ناشطون حقوقيون من أبناء سيناء، أن الفكر المتطرف بدأ انتشاره في الأراضي السيناوية منذ عام 2004 ويؤكدون أن الفراغ الذي عاشته سيناء بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وغياب الدولة عن أي تواجد حقيقي ساهم في انتشار الأفكار المتطرفة، وعقب أحداث ثورة يناير في عام 2011 تطور أداء تلك التنظيمات الإرهابية بسبب تواصلها مع غيرها من الجماعات العابرة للحدود، بالإضافة إلى تزايد عنف الدولة تجاه المواطنين والتخلي عنهم وعدم حمايتهم من تلك التنظيمات.
ولفت الناشطون إلى عمل المتطرفين على كسب ود الأهالي بتجنب استهدافهم خلال العمليات الإرهابية، وتوزيع بعض المنتجات والسلع والأموال عليهم، في حين يستهدف الإرهابيون من يتعاونون مع الأجهزة الأمنية ويتم ذبحهم أمام الأهالي دون أية حماية من قوات الأمن، حتى وصل الأمر إلى تنصل أهله منه خوفا من مصيره، وهو ما استثمره التنظيم في تجنيد واستقطاب الكثير من الشباب، وبحسب الناشطين الذين استطلع معد المادة آراءهم فإن تلك الممارسات لها دور كبير في دفع أهل سيناء إلىى تركها، وبالطبع كان لعمليات التهجير المنظمة والرسمية من قبل الدولة التأثير الأكبر وراء إفراغ سيناء من أهلها، غير أن غياب الدولة الأمني وتركها الساحة مفتوحة أمام المتطرفين ساهم في تزايد الظاهرة، وهو ما أفرغ الأرض للتنظيمات، بحسب الناشط أبو فجر والذي أكد أن قرابة 80% من أهل سيناء قد تم تهجيرهم، حتى بات الأمر في مجمله حرباً على أهل سيناء وليس على التنظيمات الإرهابية، وهو ما اتفق عليه أيضاً الناشط، أشرف أيوب.
حضور قوي لكيان الاحتلال
وسط كل تلك الأحداث والصراعات الدائرة في شمال سيناء كانت دولة الاحتلال وما زالت حاضرة بقوة في المنطقة التي وصفها رئيس المخابرات الأسبق، عمر سليمان، بالـ "الحدود الآمنة" لإسرائيل، إذ يؤكد شهود عيان أن طائرة إسرائيلية بدون طيار استهدفت في 20 يناير/كانون الثاني الماضي منازل في جنوب رفح، مما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين بينهم طفل وفق رواية نقلها العديد من شهود العيان في سيناء، وهو ما يتكرر بصورة دورية ومستمرة خلال السنوات الماضية وفق مصادر سيناوية أكدت لـ"العربي الجديد" على أن التواجد الإسرائيلي في سيناء استخباراتيا وعسكريا بلغ أشده منذ أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، وهو ما يتطابق مع ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية عن مسؤول أمني سابق بأن تل أبيب قد أخذت الضوء الأخضر من القاهرة بتنفيذ عمليات عسكرية داخل سيناء.
تدمير سيناء
في مؤتمر هرتسيليا المنعقد في عام 2002، بحضور قادة الكيان الصهيوني ومفكريه، دعا إيفي إيتام، وزير البنية التحتية آنذاك، إلى ما أسماه بحل أمثل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من وجهة النظر الصهيونية، عبر إقامة دولة فلسطينية على أجزاء من سيناء التي وصفها بأنها "غنية وكبيرة وفارغة من السكان"، وهو ما تم مناقشة تفاصيله وطرحه كخطة استراتيجية ذات أولوية للكيان الصهيوني، خلال ذات المؤتمر في أعوام 2003، و2004، و2008.
وتبلورت التصورات السابقة على شكل خطة تبادل أراض عُرفت باسم جيورا إيلاند، والتي تقوم على تنازل مصر عن أراضي داخل سيناء للفلسطينيين، مقابل تنازل الفلسطينيين عن حق العودة إلى حدود 1967 وتوسع إسرائيل في بناء المستوطنات، وهي الخطة التي ادعت مصادر صحافية أن عبد الفتاح السيسي طرحها على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفق ما كشفته مصادر إسرائيلية وفلسطينية عدة، خاصة وأن بعض الإجراءات التي قام بها السيسي على "الحدود بين غزة وسيناء"، مثل تهجير أهالي الشريط الحدودي وتجريفها وحفر قناة لتصريف مياه البحر المتوسط على الحدود، تعد ضمن خطة أخرى معروفة باسم "كيفونيم" (الاتجاهات) وضعها أرئيل شارون رئيس وزارء كيان الاحتلال الراحل في عام 2005، من أجل خنق غزة التي تشكل تهديدا وجوديا على كيان الاحتلال بحسب ما جاء في تصريحات صحافية سابقة أدلى بها عضو مؤتمر "هرتسليا" الإسرائيلي، رافي يلويان، الذي أشاد بتنفيذ السيسي للخطة قائلا "السيسي نفذ الخطة وبمنتهى الحماس بسبب عدائه الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حتى أنه نفذ الخطة مجانًا دون حتى أن يطلب الالتزامات والتعهدات التي عرضتها إسرائيل على الرئيس مبارك من قبل، ما يجعله (أهم ركن تستند عليه إسرائيل) في المنطقة".