منشورات قاتلة.. سلفيو حفتر يستهدفون معارضيهم عبر "فيسبوك"

20 مايو 2016
رصد مواقع التواصل(فرانس برس)
+ الخط -
يحصي أحمد الجازوي الناطق السابق باسم ثوار بنغازي، أسماء العديد من أبناء مدينته المشاركين في ثورة 17 فبراير، على نظام القذافي، ممن اختطفتهم قوات ما يعرف بكتيبة التوحيد السلفية، التابعة للقوات الخاصة البحرية الموالية للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بسبب أنشطتهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ومنشورات أو تعليقات منتقدة لما يعرف بعملية الكرامة، التابعة لحفتر.

يعرف الجازوي جيدا، كيف هي آثار وآلام الخطف، إذ تعرض لها على يد قوات "الكرامة"، بعد تحريض من سلفيين "مداخلة" متحالفين مع حفتر، ويخوضون معه معركته في محاولة السيطرة على كافة نواحي مدينة بنغازي شرقي ليبيا.

"بالتزامن مع انطلاق عملية الكرامة بقيادة حفتر منتصف مايو/أيار في العام قبل الماضي اختطف المسلحون التابعون للتيار السلفي (المدخلي) هؤلاء الشباب من أصدقائي وآخرين غيرهم" يقول الجازوي الذي أفرج عنه في صفقة تبادل بين مسلحي مجلس شورى ثوار بنغازي وقوات حفتر.

ويؤكد الناشط الحقوقي وعضو جمعية بلادي، طارق لملوم رواية الجازوي، قائلا لـ"العربي الجديد": "تم رصد عشرات الشكاوى من عائلات قُتل أبناؤها وهُجّرت من بيوتها في بنغازي على يد مسلحين يتبعون كتيبة التوحيد السلفية تحديداً، بسبب انتقاداتهم للكتيبة وحفتر على مواقع التواصل".


السلفية المدخلية تراقب شبكات التواصل


لكن ما هي السلفية المدخلية؟ بحسب تعريفات الباحثين المختصين في الحركات الإسلامية، فإن المدخلية، تُعدّ إحدى فئات التيارات السلفية واسعة الانتشار، أسسها السعودي ربيع المدخلي، تقوم فكرتها على أنه لا يجوز معارضة الحاكم مطلقاً، ولا حتى توجيه النصيحة إليه في العلن، وتعتبر ذلك أصلا من أصول عقيدة أهل السنّة والجماعة، ومخالفة هذا الأصل يعتبر خروجا على الحاكم المسلم.

وبحسب ما وثقه معد التحقيق، فإن "مداخلة"، بنغازي يراقبون شبكات التواصل الاجتماعي خاصة موقع "فيسبوك" لرصد أنشطة معارضيهم الذين يصفونهم بـ"الخوارج"، في عملية استحضار للوصف الديني التاريخي لجماعة من الخارجين على الخليفة علي بن أبي طالب، الأمر الذي أودى بحياة 10 من الناشطين في المنطقة الشرقية (بنغازي والبيضاء والمرج)، بينما تم اختطاف 6 آخرين عبر منتسبي كتيبة التوحيد السلفية الموالية لحفتر وتشكيلات مقربة منها، وتم إطلاق سراحهم في عمليات تبادل بين جماعات متحاربة في بنغازي، أو عبر وساطات وضغوط قبلية.

يؤكد الناشط أحمد الجازوي لـ"العربي الجديد" أن "أدبيات التيار تعتبر من يسمونهم "خوارج القعدية" أخطر من "الخوارج المسلحين"، والقعدية عندهم من القعود، أي القاعدين في منازلهم لا يقاتلون بالسلاح، بل يعارضون التيار في فضاءات "السوشيال ميديا" ومنهم كل متعاطف مع الثوار لا يقاتل، فجميعهم خوارج قعدية".

يضيف الجازوي "هذه الممارسات لا تقتصر على منتسبي التيار السلفي (المدخلي) فقط، بل منها ما حدث على يد أجهزة أمنية وعسكرية رسمية موالية لحفتر كجهاز مكافحة الإرهاب وكتيبة الـ 21 وقوات الصاعقة، وبالطبع كتيبة التوحيد السلفية التي تعتبر أكبر تجمع مسلح للتيار السلفي الموالي لحفتر".

الشيخ طارق جمعة الدرسي من مدينة المرج (شرق ليبيا)، والناشط مفتاح بوالنافرة، والشاب أنس خطاب الحاسي، الذي لم يكن له أنشطة بخلاف ما يكتبه على حسابه على فيسبوك، تم اختطافهم وتصفيتهم، على يد مسلحي السلفية المدخلية وبتحريض من كوادرهم، المنتشرين في المنطقة الشرقية والمسيطرين على المجال الديني هناك، وفقا لما تؤكده مصادر قريبة الصلة بعائلاتهم.

تشير المصادر إلى تسجيل صوتي للشيخ طارق الدرسي قبيل اختطافه بأيام، حمل مسؤولية سلامته لأحد منتسبي السلفية المدخلية، إذ قال فيه "لأهلي وعشيرتي وأولياء دمي من قبيلة الدرسة، إن أي اعتداء أو ضرر يهدد حياتي، المسؤول الأول عنه هو المدعو فرج بوبكر العبيدي (أحد دعاة التيار السلفي المدخلي في المرج)".

بحسب تقرير الطبيب الشرعي، فإن وفاة الشيخ الدرسي، تمت مساء الأربعاء 11 يونيو/حزيران من عام 2014، ونتجت عن نزيف شديد بالأنسجة تحت الجلد وبالعضلات في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لقوات عملية الكرامة.

ورصدت منظمة التضامن لحقوق الإنسان الليبية، 32 جريمة قتل تحت التعذيب وقعت منذ النصف الثاني من العام 2014 بشرق ليبيا، وذكرت المنظمة في تقرير موثق، حول جرائم الاختطاف والتعذيب والتصفية في شرق ليبيا، أن معظم القتلى اختطفوا من مدينة بنغازي ثم عثر على جثثهم في ثلاجة الموتى بمستشفى المرج وعليها آثارتعذيب وإصابات بطلقات نارية.

وكان باحثون في المنظمة قد طالبوا بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بتشكيل لجان خاصة للتحقيق في الجرائم؛ للوقوف على حجمها ومعرفة المتورطين فيها، وإرسال فرق لمعاينة المعتقلات الموجودة في المرج، والأبيار، والرجمة، وبرسس، وتوكرة، ومعتقل قرنادة، إذ تشهد المناطق الشرقية تزايداً مطرداً في عمليات الاختطاف والتعذيب والتصفية التي نالت مواطنين بعد بدء اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملياته العسكرية في مدينة بنغازي، حسب تقرير المنظمة.


وصاية واستحواذ على الأوقاف

باتت إدارات الأوقاف في شرق ليبيا باستثناء مدينة درنة، تحت إدارة كوادر السلفية المدخلية الذين استفادوا من تحالفهم مع عملية الكرامة ومساندتهم لها، بأن أطلقت الحكومة المنبثقة عن البرلمان (طبرق) أيديهم في دوائر الوزارة بهدف إبعاد ما تصفها بالأفكار المتطرفة عن المنابر، وفقا لما وثقه معد التحقيق.

وكانت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة طبرق، قد أصدرت تكليفا رسميا لكتيبة التوحيد السلفية عقب تأسيسها في يونيو/حزيران 2014 بتفتيش المساجد وتطهيرها من الكتب والأفكار "المخالفة" حسب وصف الخطاب، وقد قام منتسبو الكتيبة بتوثيق بعض العمليات التي قاموا بها داخل مساجد مدينة بنغازي، بحسب تقرير لجمعية بلادي الحقوقية، اطلع عليه معد التحقيق.

وتأتي حادثة اختطاف الشيخ إدريس الطويل، رئيس مكتب الأوقاف بمدينة شحات، شرقي ليبيا على يد منتسبي التيار المدخلي، بعد مداهمة مكتبه، ضمن سياق سيطرة التيار السلفي المدخلي على الحالة الدينية في شرق ليبيا، إذ تم نقل الشيخ الطويل إلى سجن قرنادة المجاور للمدينة، وفقا لما أكدته مصادر مقربة من عائلته لـ"العربي الجديد"، وتشير المصادر التي شاركت في حصار سجن قرنادة في يناير/كانون الثاني الماضي، لإجبار المختطفين على الإفراج عن الشيخ، أن مختطفيه اتهموه بأنه من الخوارج، لأنه رفض مسايرتهم وتدعيم سيطرتهم على الأوقاف في شحات. وفي ذات السياق رفض منتسبو التيار السلفي المدخلي، تعيين الدكتور محمد الوليد وزيراً للأوقاف بحكومة الوفاق الوطني، معتبرين إياه "صوفيا قبوريا"، إذ تداعى كوادر من التيار لاجتماع في المرج شرقي بنغازي، فور إعلان التشكيلة الأولية لحكومة الوفاق، وأعلنوا رفضهم للدكتور الوليد، عضو رابطة علماء ليبيا، ما يعده باحث في الجماعات الإسلامية الليبية مقيم في بنغازي "علامة على زيادة نفوذ التيار وسعيه لاحتكار الحالة الدينية في شرق ليبيا، وإقصاء لأي ليبي غير مقتنع بالسلفية من ساحة العمل العام".

تحريض عبر الـ"FM"

يستخدم منتسبو السلفية المدخلية، إذاعات الـ FM، وكذلك المساجد التي يديرونها ومطبوعات ومطويات ورقية توزع أمام المساجد شرقي ليبيا، في "التحريض على مخالفيهم"، من الصوفية وجماعة الإخوان الذين يصفونهم بـ "الخوارج"، وفقا لما رصده معد التحقيق، وتبث إذاعات المداخلة، تسجيلات وخطب دعاة من رموز التيار المدخلي في مصر واليمن والسعودية ومن أبرزهم السعودي الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والمصري الدكتور محمد سعيد رسلان، تدور أغلب هذه التسجيلات حول مهاجمة خصومهم والتحذير من اتّباعهم هذا إلى جانب مواد فقهية ودينية أخرى.

وبحسب إفادة عدد من منتسبي كتيبة الـ 204 ببنغازي، (موالية لحفتر) فإنه "قبل أن تبدأ عملية الكرامة بقيادة حفتر في 16 مايو/أيار 2014 كان يحضر إليهم بعض دعاة التيار السلفي في المدينة لتحذيرهم من خطر الإخوان والخوارج"، "والصفة الأخيرة مرنة فضفاضة يتهم بها كل خصوم التيار ومخالفيه فلم يكن لتنظيم داعش أي وجود وقتها في بنغازي فقد اقتصر وجوده في ليبيا حينها على خلايا متطرفة في درنة لكنها لم تكن قد بايعت تنظيم داعش بشكل معلن وتنظيمي"، كما يقول الجازوي.

يتابع الناشط الجازوي "دعاة السلفية المدخلية هم أول من بث خطاب التخوين والتصنيف في ليبيا بعد الثورة باتهامهم لمخالفيهم باعتناق فكر الخوارج فهم الأساس في إشاعة حالة الاستقطاب والفتنة والاحتراب التي اندلعت في بنغازي ولا زالت قائمة"، مضيفا في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "هؤلاء خلطوا المشهد عمدا عبر إصدارهم فتاوى تشجع العسكريين (الموالين لحفتر) على ضرورة قتال الثوار، كما أدخلوا البسطاء وعوام الناس في صراع منهجي بينهم وبين الصوفية وجماعة الإخوان وكل الأفكار الإسلامية المخالفة لهم".


مقرب من حفتر: السلفيون ليسوا عائقا أمام الدولة المدنية

يرى الحقوقي المقرب من خليفة حفتر، ناصر الهواري رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، أن "التيار السلفي ليس عائقاً في طريق بناء دولة مدنية، لأن السلفيين لا يعتمدون منهجاً عنيفاً، كما أنهم يرفضون المشاركة في العملية السياسية، فربما تكون لهم اعتراضات على بعض القوانين المخالفة للشريعة إن وجدت، وسيطالبون بمساحة أكبر في العمل الدعوي وعدم إقصائهم من المنابر، لأنهم يعتمدون العمل الدعوي وليس المسلح كاستراتيجية للتغير" حسب تعبيره.

يتابع الهواري قائلاً "التيار السلفي لا يفرض خطاب وصاية، ومن يفرضه هم الإخوان والجماعات الأكثر تطرفاً باستخدام وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، بينما رقابة الدولة على السلفيين ستحد من محاولة البعض منهم فرض وصاية على المجتمع، ففي كل تيار فصيل متطرف، وإن لم يكن ظاهراً للعيان".