فوضى لبنان المرورية.. عراقيل تواجه تطبيق قانون السير الجديد

13 ابريل 2015
ينتظر اللبنانيون تطبيق قانون المرور الجديد منتصف أبريل/نيسان(حسين بيضون)
+ الخط -
ينتظر محمد باهتمام كبير، تطبيق العقوبات التي ينص عليها قانون السير اللبناني الجديد، بدءا من منتصف شهر أبريل/نيسان الحالي. في الأثناء لا يزال الشاب العشريني، المقيم في العاصمة بيروت، يتابع أوراق دراجته النارية التي سرقت قبل أيام، قرب مقر عمله في منطقة الجميزة شرق بيروت، ويراقب في الوقت عينه تجاوزات عناصر الشرطة لقانون السير.

يشاهد محمد بشكل مباشر، تلك التجاوزات من قبل عناصر في السيارات الرسمية والخاصة وعلى متن الدراجات النارية التابعة لوزارة الداخلية. كما يتابع المخالفات التي ينشرها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، العامرة بالنقاشات بشأن الغرامات المرتفعة الجديدة.

يقول محمد: "في لبنان يؤشر الازدحام المروري وسوء وضع الطرقات والبنية التحتية، إضافة إلى انتشار المخالفات المرورية إلى الوضع المزرى للسلامة المرورية في البلد. ويترافق هذا الوضع مع غياب العديد من عناصر شرطة السير على التقاطعات الرئيسية، وفي مراكز الشرطة المحلية".

حديث محمد السابق، يؤكده تضاعف عدد ضحايا حوادث السير خلال السنوات العشر الماضية، رغم التزام لبنان بـ"عقد العمل للسلامة على الطرق" الذي وضعته الأمم المتحدة، وينتهي عام 2020، بهدف خفض عدد قتلى الحوادث المرورية بنسبة 50 في المائة.


انطلاقاً من هذا الواقع ينتظر محمد وعدد كبير من اللبنانيين، تطبيق نظام الغرامات الجديد في قانون السير، والذي سيبدأ العمل به بدءاً من منتصف شهر أبريل/نيسان الجاري، بعد عام من تطبيق جزئي للقانون الجديد. استثنت قوى الأمن الداخلي اللبناني، خلال هذا العام أغلب المواد التي ينص عليها القانون، بسبب عدم التزام الوزارات والإدارات الرسمية المعنية بتأمين الشروط والآليات اللازمة للتنفيذ.

ورغم استمرار هذا الواقع تتجه القوى الأمنية لتطبيق نظام الغرامات الجديدة والتي تتراوح قيمتها بين 14 دولاراً أميركياً و3000 دولار. تهدف هذه الغرامات لمكافحة 367 نوعاً من المخالفات، مقسمة إلى 5 فئات، تتفاوت فترة السجن لدى ارتكابها من 6 أشهر إلى 4 سنوات في حالات الإهمال، السكر، أو تعاطي المخدرات.

تعديلات جذرية

بمقارنة القانون الجديد، بالقديم، يلاحظ أنه يضم سلسلة من التعديلات الجذرية، المختلفة عن القانون القديم، تطال التعديلات تنظيم ملف السلامة المرورية، من خلال إنشاء "المجلس الوطني للسلامة المرورية"، (يرأسه رئيس مجلس الوزراء، ويضم وزراء الداخلية، الأشغال، العدل، التربية والتعليم). وإنشاء "اللجنة الوطنية للسلامة المرورية" التي يرأسها وزير الداخلية وتضم مدراء عامين في وزاراة الداخلية، الأشغال، التربية، ومختصين في مجال السير، رؤساء نقابات تعليم القيادة، ممثلين عن مكاتب تسجيل الآليات، ومنظمات المجتمع المدني.

ويتناول القانون الجوانب التفصيلية للسير من تنظيم الطرقات، تدريب السائقين، امتحانات القيادة، تسجيل الآليات، شروط متانة المركبات والآليات وصلاحياتها، والتعامل القانوني مع المخالفين. كما يتميز بتطوير آلية الحصول على رخصة القيادة من خلال مدارس مختصة، ومدربين حائزين على شهادات تعليم قيادة من المعاهد.

ويُقسم القانون الجديد امتحانات القيادة إلى أنواع نظرية وعملية وفئات تتنوع بحسب قوة محرك الآلية (دراجة أو سيارة) التي ينوي المواطن قيادتها (امتحان خاص للدراجات النارية الصغيرة وآخر للدراجات الكبيرة مثلا).

بالنسبة لرخص القيادة (شهادة السياقة)، يمنح القانون الجديد 12 "نقطة سلامة" على الرخصة، تسحب منها تباعا عند ارتكاب مخالفات وصولاً إلى سحب الرخصة لمدد تتراوح بين الستة أشهر والسنة. كما تمت زيادة فئات رخص السوق من 4 إلى 6 بعد إضافة الشاحنات والباصات كفئات مستقلة. تتفرع عن هذه الفئات مجموعة رخص تحددها قوة محرك الآليات وعمر السائق.

ويميز القانون الجديد بين السائقين القدامى والسائقين الجدد الذين تقل مدة قيادتهم عن 3 سنوات، ويخضع هؤلاء لنظام عقوبات أشد، وتقل السرعة القصوى المسموحة لهم عن تلك الخاصة بقدامى السائقين.

يحتوى القانون الجديد على بند تخصيص عناصر محددين من قوى الأمن الداخلي، في إطار "وحدة المرور" المزمع إنشاؤها في مديرية قوى الأمن الداخلي، وإنشاء وحدة خاصة في معهد قوى الأمن الداخلي لتدريب العناصر على حسن تطبيق قوانين السير، ومراعاة شروط السلامة المرورية.

انعدام الجهوزية

يرحب أمين سر جمعية "اليازا" المهتمة بالسلامة المرورية، كامل إبراهيم، بالقانون الجديد ويبدي في الوقت عينه مخاوف جدية تتعلق بتطبيق القانون، في ظل "عدم بذل أي جهد جدي من قبل الجهات الرسمية المعنية بتطبيق القانون، على صعيد مكننة إداراة السير، وإطلاق السجل المروري الخاص بالسائقين". حتى إن وزارة المالية لم تنتهِ من تحديد شروط المناقصة لإصدار طوابع مالية جديدة، (وهي التي يدفع المواطنون المخالفات عبرها) بقيم مالية مرتفعة لتواكب الغرامات الجديدة.

يشير إبراهيم في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التساؤلات المحقة التي يطرحها المواطنون اللبنانيون بشأن الهدف من الغرامات المرتفعة، "في بلد تنتشر فيه السيارات المخالفة التي تضع عازل الرؤية وينزع سائقوها لوحات التسجيل، وتغيب جسور المشاة".

يطلب إبراهيم نقل جزء من الغرامات إلى صندوق خاص بتحسين السلامة المرورية، "بدل تحويلها إلى صناديق التعاضد الخاصة بالقضاة وقوى الأمن الداخلي كما ينص القانون بصيغته الحالية".ويشير إلى أن "غياب الإرادة السياسية وخطة عمل متكاملة تشمل تأهيل البنى التحتية وتثقيف المواطنين وتطبيق القانون بشكل سليم، لن يسمح بتعزيز مفهوم السلامة المرورية".

قوى الأمن الداخلي: تطبيق متدرج

ويؤكد رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، المقدم جوزيف مسلم "عدم جهوزية كافة الأطراف الرسمية المعنية بتطبيق قانون السير الجديد، نتيجة حالة الشلل التي تصيب كافة أجهزة الدولة الرسمية، من رأس الهرم المتمثل بموقع رئيس الجمهورية الشاغر منذ 25 أيار مايو 2014".

ويستدرك مسلم في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "سقوط 700 ضحية بسبب حوادث السير سنوياً في لبنان، يحتم تطبيق القانون الجديد بشكل تدريجي للحد من نزيف الدم الحاصل على الطرقات". وفي ظل عدم توافر عناصر أمنية مختصة بتنظيم السير، إلا على صعيد مفارز مركزية لا تغطي كافة المناطق اللبنانية، يرد مسلم العجز إلى "تحويل معظم عناصر الشرطة إلى مهام ذات طابع أمني نتيجة الأوضاع العامة، لكن مع بدء تطبيق القانون سيتم تدريب 4000 دركي لتعزيز مفارز السير بهم، خلال ستة أشهر على الأقل". ويدعو مسلم "المواطنين إلى تقديم الشكاوى بحق من يرونه مقصراً في تطبيق القانون الجديد بشكل سليم، من خلال آليات الاعتراض الرسمية".

وفي إطار التطبيق الجزئي للقانون الجديد، سبق لقوى الأمن الداخلي أن نشرت رادارات للسرعة "تحرر بين 700 و800 مخالفة يومياً"، بحسب مسلم. كما أطلقت القوى الأمنية "مركز التحكم المروري" لمراقبة الإشارات الضوئية وتعميم حال الطرقات عبر حساب خاص على موقع "تويتر".

لا مساءلة للمقصرين

تدخل الغرامات الجديدة حيز التنفيذ إذاً، ولكن بصورة ملتبسة على المواطن وعلى مطبقي القانون. فـ"نقاط السلامة" تنتظر إقرار المناقصات اللازمة لطباعة رخص القيادة الجديدة، ومحاضر الضبط الجديدة تنتظر المناقصات لإصدار الطوابع التي تتجاوز قيمتها المئة ألف ليرة لبنانية (حوالي 66 دولاراً أميركياً)، كما يستمر القديم على قدمه في مراكز تعليم قيادة الآليات التي لم تتحول إلى مدارس تعليم بالصيغة التي يشير إليها القانون الجديد.

وبانتظار تطبيق المكننة بين مصلحة تسجيل السيارات ووزارة الداخلية وما يتبعها من مفارز سير، يبقى تطبيق العمل بالسجل المروري معلقاً. ما يعني تأثر المواطنين بمدى مهنية عناصر قوى الأمن الداخلي، غير المؤهلين بشكل كامل لتولي ملف السلامة المرورية، في تطبيق أحكام القانون الجديد وفرض الغرامات الجديدة المرتفعة.

وفي وقت يشكل عناصر قوى الأمن الداخلي خط التماس الأول مع المواطنين، يقع اللوم الأكبر على هؤلاء العناصر ويبقى المُقصرون في الإدارات الرسمية والوزارات بعيداً عن أي مساءلة قانونية أو شعبية، عن التقصير في التحضيرات المواكبة للقانون الجديد، بحسب ما يشير إليه إبراهيم.

أخذ وردّ قبل الإقرار

مرّ إقرار قانون السير بمرحلة أخذ ورد سبقت إقراره عام 2012. إذ قررت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تأخير تنفيذه لحين استكمال التحضيرات اللازمة لتطبيقه وتعديل أخطاء مطبعية وردت فيه، وهو إجراء مخالف للدستور الذي يمنح مجلس النواب وحده، صلاحية وقف أو تأخير تنفيذ قانون مُقرّ عبر قانون جديد.

وقد طعن مجلس شورى الدولة (أعلى سلطة قضائية في لبنان) بقرار الحكومة وألزمها أن تباشر تطبيق القانون لحين استكمال الإدارات المعنية للأدوات التنفيذية اللازمة (المكننة، السجل المروري، إصدار الطوابع الجديدة...). وهو الأمر الذي لم يتم حتى تاريخ كتابة هذا الموضوع، لكن محاضر الضبط التي تتجاوز قيمتها الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة لبنانية أي حوالي 430 دولاراً أميركياً) ستكون بانتظار المخالفين بدءاً من 15 أبريل/نيسان.