وثائق مثلث حلايب... أسرار النزاع المصري السوداني في الأرشيف البريطاني

21 يونيو 2021
البرهان احتج على خريطة مصرية تتضمن حلايب (Getty)
+ الخط -

تكشف وثائق النزاع المصري السوداني حول ملكية مثلث حلايب والتي حصلت "العربي الجديد" عليها من الأرشيف البريطاني، عن سعي القاهرة لإزالة الحدود الإدارية من خرائط تاريخية، وحقيقة موارد المنطقة وأطروحات سابقة للتسوية.

- تسعى مصر والسودان إلى احتواء الخلاف حول مثلث حلايب الحدودي، بيد أنّ هذه الجهود لم تكن دائما ناجحة، إذ يثور النزاع ويعود إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، أحدثها ما ثار بعد قبول مفوضية الاتحاد الأفريقي، في فبراير/شباط 2021، خريطة تضع المثلث الذي تبلغ مساحته 20.5 ألف كيلومتر مربع ضمن الحدود المصرية، ما دفع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان لإبلاغ مبعوث المفوضية محمد الحسن ولد لبات احتجاج الخرطوم.

ويرتبط احتجاج البرهان بسلسلة من شكاوى السودان أمام مجلس الأمن الدولي، بدأت منذ عام 1958، ويتم تجديدها كإجراء روتيني للإبقاء عليها في أجندة المجلس وعدم حذفها.

تداخل الادعاءات المصرية والسودانية دفع "العربي الجديد" للبحث في وثائق ومراسلات الأرشيف الوطني البريطاني، والتي كشفت عن سعي مصري لإزالة الحدود الإدارية من خرائط أرشيف السلطة الاستعمارية السابقة، وطبيعة الموارد الموجودة في المثلث، وعلاقة الولايات المتحدة بادعاءات الطرفين، بالإضافة إلى أطروحات تسوية النزاع.

حدود مصر والسودان

يطل المثلث الحدودي على ساحل البحر الأحمر، ويضم ثلاث مناطق: حلايب، شلاتين وأبو رماد، وتحدد وثيقة مصنفة على أنها سرية برقم مرجعي: 322/020 الحدود المصرية السودانية بما جاء في المادة رقم 1 من الاتفاقية الأنغلو مصرية بشأن الإدارة المستقبلية للسودان، والتي تم توقيعها في القاهرة في 19 يناير/كانون الثاني 1899، موضحة أن كلمة السودان في هذه الاتفاقية تعني جميع الأراضي الواقعة جنوب خط العرض 22، والتي:

1- لم يتم إجلاء القوات المصرية منها بتاتاً منذ عام 1882 أو 2- التي كانت قبل التمرد الأخير في السودان تُدار من قبل حكومة الخديوي، واستعادتها حكومة جلالة ملك بريطانيا والحكومة المصرية كما هو مذكور في الاتفاقية. أو 3- التي قد تستعاد فيما بعد من قبل الحكومتين على أن يكون الأمر بالتوافق.

الصورة
معدل حلايب 1

2- أدى هذا إلى إبعاد قبيلة أم علي بشارين (البشارية) السودانية عن مكان مياه السقي الرئيسي في حلايب، شمال خط عرض 22. وبالتالي، بموجب مرسومين صادرين عن وزارة الداخلية المصرية بتاريخ 25 يوليو/تموز 1902 و4 نوفمبر/تشرين الثاني 1902، تم إنشاء حدود إدارية بحكم الأمر الواقع، جعلت مثلث حلايب على مساحة 7000 ميل مربع تحت السيطرة الإدارية السودانية.

سعي مصري لإزالة الحدود الإدارية

تبيّن عدّة رسائل متداولة بين وزارة الخارجية البريطانية ومبنى مكتب الحرب القديم في العاصمة لندن، قسم الهيدروغرافيا التابع لوزارة الدفاع البريطانية، منها الرسالة التي تحمل الرقم المرجعي: 79/246، بتاريخ 1 يونيو/حزيران 1979، القلق المصري من الحدود الإدارية والسعي إلى إزالتها عن الخريطة.

وذلك على الرغم من تأكيدها، وبشكل مستمر، أن هذه الحدود الإدارية لا شأن لها، على وجه الإطلاق، بتحديد نطاق السيادة أو الاختصاص الإقليمي للدول، فضلا عن أن وجودها من عدمه لا أثر له بالنسبة لمركز الدولة القانوني في ما يتعلق بحقوقها إزاء الإقليم أو المنطقة المعنية، وأن التعديلات الإدارية التي جرت على الحدود المشتركة بينها وبين السودان سابقا، تمت من الناحية الرسمية لأغراض إنسانية، وهي التيسير للقبائل التي تعيش على جانبي خط الحدود. مشدّدة على أنّ الحدود السياسية وحدها تتميز عن غيرها من أنواع الحدود أو المفاهيم ذات الصلة برسم خطوط أو إقامة مناطق فاصلة بين الدول مقارنة بالحدود الإدارية والحدود الجمركية وغيرها.

مصر تعلم بوجود كميات من النفط والفوسفات في مثل حلايب

لكن الرسالة تثبت أنّ خبير الهيدروغراف المصري (لم يُذكر اسمه في الوثائق)، طلب من بيتر بيزلي، (زميل المعهد الملكي للمساحين القانونيين، تم تعيينه ضابطا للمياه الإقليمية في وزارة الدفاع في عام 1963، وكان مسؤولا عن الجوانب الفنية في تحديد حدود المناطق القضائية للمملكة المتحدة والمستعمرات)، إزالة الحدود الإدارية لعام 1902 من الخريطة، بحجة أنّها كانت حدوداً لما قبل الحرب العالمية الأولى. فكتب بيزلي رسالته في 1 يونيو 1979، موجّهاً إياها إلى ستيفن لاندر، موظّف في وزارة الخارجية البريطانية، قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، (شغل بعد ذلك، منصب رئيس جهاز الأمن (MI5) من عام 1996 ولغاية 2002)، يسأله إن كان لدى بريطانيا أي مانع بإزالة الحدود الإدارية عن الخريطة. ومما جاء في الرسالة المؤرخة في 1 يونيو 1979:

"في الوقت الحالي ، تُظهر مخططات الأميرالية البريطانية ذات الصلة كلاً من الحدود الإدارية والحدود السياسية. طلب خبير الهيدروغراف المصري إزالة الحدود الأولى من الخريطة لأنها كانت حدودا لما قبل الحرب العالمية الأولى. لكن دراسة الحدود الدولية رقم 18، الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 1962، تشير إلى اعتبار كل من الحدود الإدارية والحدود السياسية سارية المفعول آنذاك، وذكرت أنه بالنسبة لتمثيل رسم الخرائط، من الممكن إظهار كل منهما على الخريطة".

الصورة
معدل حلايب 5

ردّ لاندر على بيزلي، في 2 يوليو/تموز 1979، ليقول إنّه عندما جرت المناقشة في المؤتمر المشترك الأول لمجلسي الشعبين المصري والسوداني عام 1977 حول مشروعات اقتصادية وتنموية مشتركة في مصر، في منطقة شلال حلفا على الحدود، لم يُطرح أي سؤال في هذه الاجتماعات حول الحدود المشتركة باتجاه الشرق (مثلث حلايب)، ومع ذلك، فمن المحتم أن كلا البلدين في ذلك الوقت اعتبر أنّ الوضع الحدودي في تلك المنطقة بقي من دون تغيير منذ وضع الحدود الإدارية لأول مرة في عام 1902. وعلى ضوء هذا النقص في وجود أي دليل على حدوث تغيير في المنطقة، فإن الممارسة الحالية لرسم الخرائط لا تزال تُظهر كلا من الحدود الإدارية والسياسية على الخريطة ومن دون أي إشارة شفهية للوضع على الإطلاق.

الصورة
نهائي حلايب

لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل لفتت الرسالة إلى أن:"الأفضلية كانت تُعطى للحدود الإدارية على النحو الموصى به في الدراسة رقم 18، إذا كانت الخريطة المعنية تستخدم حدودًا ملونة، فاللون يتبع الحدود الإدارية، فيما تُعرض الحدود السياسية فقط كخط من النقاط على سبيل المثال. ونظرًا لتوصل الحكومتين السودانية والسعودية إلى اتفاق من حيث المبدأ في يناير 1975 بشأن استغلال موارد البحر الأحمر، فإن المصريين سيحرصون الآن بشكل مفهوم على اختيار الحدود السياسية على طول خط العرض الـ22 بشكل نهائي، أي ما يقرب من 200 ميل من الساحل الإضافي، وهو الخط الذي من شأنه أن يعطيهم بلا شك بعدا مغريًا في هذا الصدد.

وتكمل الرسالة:"في ظل هذه الظروف، بات واضحًا أننا لا نستطيع الموافقة على الطلب المصري بحذف الحدود الإدارية. وللرد على الهيدروغراف، يمكننا القول إنّ مثل هذا التغيير لا يمكن أن يتم إلا بطلب كتابي من السلطتين المصرية والسودانية معا".

الصورة
معدل حلايب 7

سر الاهتمام بالمثلث

ازداد الاهتمام بمثلث حلايب مع ظهور احتمالات ثراء هذه المنطقة وغناها بالمعادن؛ حسب ما تشير إليه الرسالة المؤرخة في 22 يناير/كانون الثاني 1977، والتي كتبها السير ويلي موريس، وهو دبلوماسي بريطاني سابق عمل سفيرا في مصر منذ عام 1975 وحتى عام 1979، (قضى معظم حياته المهنية في الشرق الأوسط، وشغل منصب سفير المملكة المتحدة في المملكة العربية السعودية 1968-1972 وإثيوبيا 1972-1975)، إلى الدبلوماسي البريطاني السير روجر تومكيس، (عمل سفيرا في البحرين وسوريا كما عمل في الأردن وليبيا وأثينا وروما، بالإضافة إلى مناصب في وزارة الخارجية والكومنولث ومكتب مجلس الوزراء)، بعنوان "العلاقات السودانية المصرية، مشكلة الحدود التي لم تُحل".

الصورة
معدل حلايب 2

وتطرّق موريس حينها إلى الحديث الذي دار بينه وبين الدكتور نبيل العربي، رئيس القسم القانوني في وزارة الخارجية المصرية، في 16 يناير 1977 (أمين عام جامعة الدول العربية خلال الفترة من مايو 2011 وحتى 30 يونيو 2016) ووزير خارجية مصر خلال الفترة (من 7 مارس 2011 وحتى 15 مايو 2011)،  مشيرا إلى أن العربي أخبره عن طريق الخطأ عن احتمالات وجود الفوسفات بالقرب من الشاطئ بالإضافة إلى النفط في المنطقة المعنية. وقال موريس إنّ الدكتور العربي كان يعمل على تنفيذ اقتراح الاستغلال المشترك لها كحل للادعاءات المتضاربة بشأن مثلث حلايب. كما لفت إلى أنّ الموضوع جاء في سياق مناقشة الخطط المعلنة للقمة السودانية المصرية السورية.

وتابع قائلا :"عزيزي روجر، حوالي عام 1958 نشب نزاع بين مصر والسودان حول الجزء الشرقي من حدودهما المشتركة. وتحديدا الحدود على طول خط العرض 22 الموازي لخط العرض المتجسد في اتفاقيات السيادة المشتركة لعام 1899، التي تم تعديلها بالاتفاق بين الحكومات الملكية آنذاك".

وتابع :"الحكومة المصرية كانت تدعي أن هذا التعديل ليس له أي صلاحية قانونية أخرى منذ انتهاء السيادة المشتركة. وأذكر أن الأمر قد أحيل إلى الأمم المتحدة. لا أذكر النتيجة، لكنني اعتقدت أن المشكلة قد حُسمت أو سمح لها بالموت".

لكن عن طريق الخطأ، أخبرني الدكتور نبيل العربي، رئيس القسم القانوني بوزارة الخارجية المصرية، في 16 يناير، أن هناك احتمالات لوجود الفوسفات على الشاطئ والنفط في المنطقة المعنية، وأنه كان يعمل على اقتراح الاستغلال المشترك كحل للادعاءات المتضاربة.

"وكان الدكتور العربي يخشى أن يحسم الرئيس السادات الأمر على أعلى المستويات من دون مراعاة آراء الوزارة (الخارجية) أو الرجوع إليها".

أجاب تومكيس على رسالة موريس في 4 فبراير/شباط 1977، بعد استلامه خطاباً من "إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث"، وجاء رد وزارة الخارجية البريطانية ليعزّز الحالة المصرية وحقوقها في استغلال الفوسفات والنفط في المنطقة آنذاك، بالاعتماد على الفقرة الثالثة من ملاحظات عام 1973 التي دوّنها روبن لامب، الدبلوماسي البريطاني، والذي يشغل حالياً منصب المدير العام لمجلس الأعمال الليبي البريطاني، وهو أيضا المدير التنفيذي لمجلس الأعمال المصري البريطاني، وتشير تلك الملاحظات إلى أنّه خلال فترة السيادة الأنكلومصرية المشتركة، وعلى الرغم من ممارسة السيادة الإدارية من قبل الحكومة السودانية، إلا أن تراخيص التعدين داخل مثلث حلايب صدرت من قبل الحكومة المصرية. ومما جاء في الرسالة أيضاً: "لا أعتقد أن النميري سيسمح للشجار القديم مع مصر على المثلث بتهديد علاقته مع السادات، في وقت يحتاج إلى أصدقاء بشدة. أتوقع أن يقبل السودانيون، إذا أتيحت لهم فرصة، عرضاً مصرياً للاستغلال المشترك.

الصورة
معدل حلايب 4

وكتب تومكيس رسالة إلى ويلي موريس بعد الردود التي وصلت إليه من وزارة الخارجية البريطانية، قائلا في الوثيقة المعنونة بـ"العلاقات المصرية السودانية: مشكلة حدودية لم تحل: "السيد و. موريس، شكرا لك على رسالتك في 22 يناير/كانون الثاني. أرفق نسخة دقيقة بقلم روبن لامب حول هذا الموضوع ، والذي كتبه لامب عام 1973، نحن نفترض، وراضين، كما يفترض الدكتور العربي أن العلاقات المصرية/السودانية هي في القمة الآن وقريبة وجيدة بما يكفي لتمكين تسوية هذا النوع من المشاكل في إطار سياسي. نلاحظ أن الفقرة 3 من نص روبن لامب خلال فترة السيادة الأنغلو/ مصرية المشتركة، تشير إلى أنه تم إصدار تراخيص التعدين داخل مثلث حلايب من قبل مصر، ما قد يعزز الحالة المصرية الحالية لحقوق الفوسفات واستغلال النفط".

الصورة
معدل حلايب 3

ما سبق يؤكده تقرير نشرته "مجلة الجمعية الملكية للشؤون الآسيوية" في 23 يناير 2020، بعنوان "الحدود البحرية في الشرق الاوسط"، مشيرا إلى التأثير الذي قد ينتج عن ملكية إحدى الدولتين لمثلث حلايب. ويقول إنّ مكان التقاء الحدود البرية بالبحر بشكل طبيعي يؤثّر على موقع الحدود البحرية. ففي حال قبول المطالبة المصرية بالسيادة على المثلث، فإن الحدود البحرية بين مصر والسودان تكون امتداداً للحدود البرية على طول خط 22 موازيًا للنقطة التي تلتقي عندها بالحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية. وفي حال قبول الادعاء السوداني، فستقع نقطة البداية للحدود البحرية على بعد 80 ميلاً إلى الشمال.

ويلفت التقرير إلى أن الخلاف على مثلث حلايب، والذي كان كامنًا إلى حد كبير، تأجج عند تسوية مسألة السيادة على البحر الأحمر، المرتبطة بجزيرتي تيران وصنافير غير المأهولتين بالسكان والواقعتين عند مدخل خليج العقبة بين مصر والمملكة العربية السعودية. بعدما تنازلت مصر عن السيادة على الجزر للسعودية في عام 2016.

أثار هذا القرار جدلاً إلى حد كبير داخل مصر، وقوبل باحتجاجات واسعة النطاق. بيد أنّ اتفاقية عام 2016 حدّدت الحدود البحرية بين البلدين بشكل عام، باستخدام إحداثيات اعترفت ضمنيًا بمطالبة مصر بالمثلث. ما دفع السودان لتسجيل اعتراضه في الأمم المتحدة، وهي خطوة أعقبها رفض مصر لمطلب السودان.

الموقف البريطاني والأميركي

لكن لماذا استخدمت حكومة المملكة المتحدة دراسة أميركية؟، يجيب، غريغ شابلاند، محلل بحوث سابق في وزارة الخارجية البريطانية وباحث وكاتب في السياسة والأمن والموارد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وزميل مشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، قائلا "لدى الولايات المتحدة موارد أكبر بكثير منا، وقد تمكنت من إنتاج سلسلة من الدراسات التي بحثت الحدود بدقة، وغالبًا ما نرجع إليها عند ظهور أسئلة بهذا الشأن".

وردًّا على المعنى المقصود بالعبارة الواردة في الرسالة التي تقول: "تُعطى الأفضلية دائمًا للحدود الإدارية". يعتقد شابلاند أنّ مؤلف الدراسة ربما شعر، في ذلك الوقت، أن الحدود الإدارية تمثل الأمر الواقع، وأنّه بانتظار حلّ المطالبات المتنافسة للبلدين، كان من المنطقي إظهار هذه الحدود على الخرائط باعتبارها الأهم.

ويلفت شابلاند إلى أنّه "لا يمكننا أن نستنتج أن أيًّا من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، كانت تتخذ موقفًا في مدى صواب أو خطأ تلك الادعاءات". ويضيف قائلًا: "في الواقع، من الواضح أنّ وزارة الخارجية البريطانية كانت تبذل كل ما في وسعها لتجنب القيام بذلك، بشكل معقول بما فيه الكفاية، لأنّه سيؤدي إلى توتر علاقاتنا مع مصر أو مع السودان".

ويقول شابلاند: "إنّ الموقف هذا تكرّر في مناسبات أخرى، عندما اختلفت الدول التي كانت علاقتنا جيدة معها حول قضايا الحدود. وعندما طلبت المساعدة في توفير وتحديد مكان وثائق الحقبة الاستعمارية، كنا نقدمها، ونزود كلا الطرفين بالوثائق ذاتها، على سبيل المثال، عندما رفعت قطر والبحرين نزاعهما إلى محكمة العدل الدولية".

بريطانيا رفضت طلبا مصريا بحذف الحدود الإدارية من خرائط الاستعمارية

إضافة إلى ما سبق، يرى الدكتور نعوم ليشيم، (يعمل في وحدة أبحاث الحدود الدولية، قسم الجغرافيا، في جامعة دورهام البريطانية)، أن سبب اعتماد بريطانيا على الدراسة رقم 18 عام 1962 من الولايات المتحدة الأميركية في ردّها على طلب الهيدروغراف المصري، يعود إلى "أنّ الظروف الجيوسياسية التي كانت سائدة في أعقاب الاستعمار تبدّلت في ما يتعلق بالقوى الدولية، فأصبحت الولايات المتحدة الحكم الأساس وصاحبة القرار في ما يتعلّق بالحدود الدولية، بعد أن تحوّلت المملكة المتحدة إلى لاعب ثانوي"، ويوضح أنّ دراسة وزارة الخارجية الأميركية تبيّن تأثير الولايات المتحدة الكبير على صناع القرار البريطانيين في تلك الحقبة.

وتابع قائلا لـ"العربي الجديد" إنّ طلب مصر إلغاء الحدود الإدارية يعتبر منطقياً بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية التي يوليها البلدان لمثلث حلايب. بيد أنّه يلفت إلى أنّ هذا الطلب يسلّط الضوء على أهمية الجهات الدولية الفاعلة في إضفاء الشرعية على مطالب أي من الجانبين.

يستطرد ليشيم قائلًا: إنّ "مصر قلقة من الحدود الإدارية، ولهذا السبب مهتمة بمطالبة بريطانيا بإزالة الحدود الإدارية، وهو ما يمثل بالتالي اعترافا فعليا بالمطالبة المصرية بمثلث حلايب". بيد أنّه لا يعتقد أنّ مصر قد رأت في تلك الخطوة ختماً نهائياً ينهي مطالبتها بمثلث حلايب، بل يرجّح أنّه ربما يكون إحدى الخطوات الدبلوماسية العديدة التي اتخذها المصريون على مدار الأعوام السبعين الماضية لحل مشكلة غموض الحدود التي نتجت عن الحدود الإدارية.

وللتأكيد على وجود قلق حقيقي من الجانب المصري في أهمية الخرائط، يذكر الدكتور ليشيم زيارته إلى مدرسة "القاهرة الجديدة البريطانية الدولية"، ورأى وقتها أطالس لقسم الجغرافيا. وكانت فيها صفحة تظهر الحدود الإدارية لخريطة مثلث حلايب ممزّقة، وتابع، "لقد نزعوا الصفحة، لأنّ الأطلس وضع الحدود الإدارية للمنطقة. وهو ما يعكس الغموض والارتباك الناتج عن مسألة ملكية المثلث".