يدفع مرضى وتقنيون صحيون تبعات تهالك سيارات الإسعاف في المغرب بسبب كثرة الأعطال التقنية وتعقيدات إجراءات الصيانة، ما أسفر عن تكرار الحوادث التي تتسبب بها، وبدلا من إنقاذ حياة المصابين يقع قتلى ومصابين ضحايا لها.
- ينتقد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، تكرار الحوادث التي تتسبب بها سيارات الإسعاف العمومي نتيجة أعطال ميكانيكية تؤدي إلى خسائر في الأرواح، إذ بلغ مجموع الضحايا 50 قتيلا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وفق رصد أجراه معدّ التحقيق.
ويعزو لطفي وقوع تلك الحوادث التي تتسبب بها مركبات الإسعاف، البالغ عددها 620 سيارة وفق إحصاء لعام 2020 أجرته الجمعية المغربية للإسعاف والإنقاذ المدني (غير حكومية)، إلى مشاكل الصيانة وعدم القيام بما يستلزمه الحفاظ عليها، ما يجعل وضعها خطيرا، بحسب ما ترصده الشبكة من خلال شكاوى المرضى والمصابين.
50 ضحية لحوادث مركبات الإسعاف العمومي
هذا المشهد يمثل جانبا من الاختلالات التي تعاني منها منظومة الإسعاف في المغرب ويوثق "العربي الجديد" تبعاتها، إذ يؤكدها تقرير صادر في يونيو/حزيران 2019 عن المفتشية العامة لوزارة الصحة حول حصيلة العمل منذ يناير/كانون الثاني 2018 وحتى يونيو 2019، وتضمن نتائج تفتيش 300 مؤسسة صحية منها 66 مؤسسة تابعة للقطاع الخاص، موضحا أن جُلّ الشكاوى المرصودة تتعلق بالخدمات الصحية وجودتها، ومن أصل 701 شكوى تلقتها المفتشية، 52% كانت من المرضى أو ذويهم، 78% منها تتعلق بالخدمات الصحية سواء في المستشفيات أو النقل الطبي.
مشاكل فنية وإجراءات إدارية معقدة
يقول حسن الكريشي، سائق سيارة إسعاف متقاعد، إن المركبة تصل إلى مرحلة التهالك بعدما يقطع السائق، الذي يحمل درجة إدارية تسمى "تقني إسعاف" (حاصل على شهادة الثانوية العامة وسنتين تدريب)، آلاف الكيلومترات، وتتراكم الأعطاب الميكانيكية في المركبة من دون أن يوليها الاهتمام الواجب، مرجعا ذلك إلى ضغوط العمل وتوالي أيام المناوبة، وما يشجع تأجيل تقنيي الإسعاف إصلاح الأضرار تأخر الموافقة الإدارية على إحالة السيارة المعنية إلى الإصلاح الشامل، بسبب "البيروقراطية الإدارية" وكثرة الملفات ومشاكل القطاع، وفق الكريشي.
ويتفق معه محمد بن جبار، مسؤول مراقبة في مركز للفحص التقني تابع لوزارة النقل في مدينة الدار البيضاء، قائلا إن المماطلة في الصيانة تؤدي إلى حوادث سير، وأحيانا يكتفي السائق بعرض المشكلة على ميكانيكي قريب، ربحا للوقت وابتعادا عن صداع "الإجراءات الإدارية"، لكن من الوارد ألا يكون الميكانيكي مؤهلا بما يكفي، فلا يصلح السيارة.
ويخالف تأجيل صيانة الأعطال الميكانيكية ما ينص عليه دفتر التحملات العام (ميثاق قانوني ينظم ويحدد المسؤوليات داخل مختلف المؤسسات) لوزارة النقل والتجهيز، والذي يشير في فصله الرابع إلى أنه "من الناحية القانونية، أي عربة أو سيارة مجبرة على المراقبة التقنية من أجل التيقن من أنها في حالة جيدة، وأن أي عطب ميكانيكي لا يشكل خطرا على مستعمل الطريق، وأن فراملها تعمل بشكل طبيعي وتستوجب للمواصفات المفروضة والتي توفر الضمانة في السير، وأنها لم تتعرض ما بين فحصين تقنيين قانونيين لأي تغيير من شأنه أن يغير في خصوصيتها التقنية".
وشكل معطى الأعطاب ذاته أحد محاور مقترح القانون الذي قدمه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض) في البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2019، ثم جدده في مارس/آذار 2021، ونص على أن تخضع وسائل النقل المعدة للنقل الطبي لمراقبة تقنية سنوية من قبل وزارتي النقل والصحة، بالإضافة إلى تنظيم دورات للمسعفين وتحديد أنواع وتصنيفات سيارات الإسعاف، مؤكدا أن تهالك سيارات الإسعاف العمومي من أسباب تردي هذه المنظومة.
التعقيدات الإدارية تؤخر صيانة مركبات الإسعاف
ونتيجة لما سبق، تتوالى الحوادث التي تتسبب بها مركبات الإسعاف، ومن أخطرها واقعة خسر فيها 3 مرضى يعانون من القصور الكلوي حياتهم بسبب انقلاب مركبة الإسعاف التي كانت تحملهم، في مدينة بولمان وسط البلاد، في نوفمبر/تشرين الأول 2020، بينما أصيب السائق بجروح تبعا لمعطيات نشرتها حينها النقابة الوطنية للصحة العمومية، وفي 5 يونيو/حزيران 2021، توفي سائق سيارة إسعاف بمدينة تارودانت جنوبا، جراء حادثة سير ناجمة عن "الحالة الميكانيكية لسيارة الإسعاف، إذ لم تعد صالحة للاستعمال منذ سنوات"، وفق بلاغ للنقابة الوطنية للصحة العمومية بعد الحادثة.
كما تسببت سيارة إسعاف في حادثة سير خطيرة قرب مدينة سيدي يحيى الغرب شمال شرق الرباط، نجمت عنها وفاة رجل كان على متن دراجته في 5 أغسطس/آب من العام الماضي، بعد أن فقد السائق السيطرة على توازن سيارة الإسعاف، وفق ما أعلنه المكتب المحلي للنقابة، كما ذهب أربعة ممرضين ضحايا لحوادث السير بين أعوام 2012 و2020، من بينهم الممرضة رضوى لعلو، التي كانت على متن سيارة إسعاف عمومية انقلبت في الثامن عشر من فبراير/شباط عام 2020، أثناء نقل مريضة من مدينة آسا في أقصى الجنوب باتجاه مستشفى الحسن الثاني في أغادير، وتوفيت المريضة أيضا، بينما تعرض سائق سيارة الإسعاف لجروح خطيرة، كما تعرض ممرضون وممرضات لإصابات لكن لم تُحصر أعدادهم كما توضح حركة الممرضين وتقنيي الصحة في المغرب (تجمع مهني).
ويعترض وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربي البروفيسور خالد آيت طالب على وصف سيارات الإسعاف بـ"المتهالكة"، قائلا أنها تمر عبر الفحص التقني بشكل دوري، وفي حال تعطلت سيارة إسعاف أو أصبحت متهالكة ميكانيكيا، فإنها تتوقف تماما عن العمل حفاظا على الأمن الصحي للمواطنين مرضى ومهنيين، لكن ما تعانيه من كثرة الأعطاب التقنية يرجع إلى كثرة استعمالها، والمسافات التي تقطعها يوميا ليلا ونهارا، مؤكدا أن عدد مركبات الإسعاف كاف جدا، كما أن هناك سيارات إسعاف تابعة للجماعات المحلية (مقاطعات إدارية محلية لتدبير شؤون المدن)، وأخرى تابعة لجهاز "الوقاية المدنية" (يتبع إداريا ومهنيا لوزارة الداخلية)، لكن المشكلة في سوء توظيفها واستعمالها.
طواقم منهكة
يعمل تقنيو الإسعاف بنظام "الحراسة"، أي طيلة أيام الأسبوع وفي العطل والأعياد، وعليهم الاستعداد والحضور للعمل في كل وقت يُطلب منهم ذلك، وفق ما يقوله محمد خوادري، تقني الإسعاف، مضيفا أن العامل في هذه المهنة يشتغل في إطار إداري يتنافى مع طبيعة ما تلقاه في مراكز التدريب والمهام المنوطة به، لأن عمله يتمثل بعملية الإسعاف فقط، لكنه في الواقع يقوم بمهام أخرى من قيادة وصيانة ومرافقة للمريض.
ويؤكد أحمد عليجات، المنسق الوطني للجنة الوطنية لتقنيي الإسعاف والنقل الصحي التابعة للجامعة الوطنية للصحة (تضم جمعيات تعنى بالإسعاف والنقل الصحي)، أن معوقات تعترض عمل هذه الفئة تؤدي إلى انخفاض جودة الخدمة المقدمة، أولها غياب التدريب المستمر الذي يتيح للتقني معرفة وتطبيق تقنيات الإسعاف الجديدة لمساعدة وإنقاذ المريض، مؤكدا أنه حتى اليوم منذ تخرج أول دفعة عام 2007، لم يستفد تقنيو الإسعاف من أي تدريب لصقل المهارات والأداء.
ويمثل نقص الكوادر البشرية عائقا ثانيا، إذ بلغ عدد تقنيي الإسعاف الممارسين 3360 شخصا حتى عام 2020، وهذا العدد غير كاف لتغطية البلاد، مشيرا إلى وجود 8 معاهد في المغرب، يتخرج عبر كل منها سنويا 30 تقنيا للإسعاف ولا يمكنهم سد الخصاص في ظل الحاجة إلى توظيف 400 تقني كل عام.
ويضيف عليجات أن التحفيزات المالية ضعيفة، إذ إن معظم الفئات التي تعمل في نظام الحراسة تستفيد من تعويضات عن المهام الإضافية باستثناء تقنيي الإسعاف والنقل الصحي، علما أن مرسوم القانون رقم (1831-85-2) الصادر في 27 نوفمبر 1958، والذي تحددت بموجبه شروط منح التعويضات العائلية للموظفين والموظفين العسكريين وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية، ينص على تعويض فئة تقنيي الإسعاف بـ5 دراهم عن كل ساعة (نصف دولار أميركي، أي ما يعادل 600 درهم (59.60 دولارا) حداً أقصى في الشهر.
تعويضات هزيلة ومهام خطرة
وجهت عضو البرلمان سابقا ثريا فراج من حزب الأصالة والمعاصرة (المشارك في الحكومة الحالية) سؤالا إلى وزير الصحة في مارس/آذار 2021، حول أسباب تزايد معاناة تقنيي الإسعاف يوما بعد يوم رغم المجهود الكبير الذي يبذلونه، بسبب هزالة التعويض المخصص لهم عن الأخطار والمهام التي يقومون بها، مثل قطع المسافات الطويلة ليلا لإحضار المرضى، والتماس المباشر بينهم ما ينذر بنقل عدوى ما، بالإضافة إلى التبعات النفسية التي يمكن أن تلحق بهم بسبب ضغط العمل وتدني الراتب، كما تطرق السؤال المكتوب الموجه إلى وزير الصحة إلى مسألة عدم استفادة هؤلاء المهنيين من التدريب المستمر الذي أضحى ضروريا في هذا المجال لمواكبة آخر التطورات في مجال الإسعاف، لكن سؤالها لم يُردّ عليه إلى اليوم.
وزادت ميزانية وزارة الصحة كما يرد في قانون المالية لعام 2022، إذ أفردت الحكومة ميزانية تقدر بـ23.5 مليار درهم (2.284 مليار دولار) لوزارة الصحة، بزيادة 3 مليارات درهم مقارنة مع عام 2021، ونص قانون المالية على تخصيص 5,500 منصب جديد في الموارد البشرية، من بين مجموع المناصب الجديدة في مختلف القطاعات الحكومية.
هذه الزيادات في الميزانية المالية وعدد المناصب، يعتبر البشير الراضي، عضو نقابة الصحة التابعة للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا في الرباط، أنها لن تنعكس على وضعية السائقين والتقنيين العاملين في الإسعاف والنقل الصحي العمومي، قائلا إن رفع ميزانية الصحة يدعم الوزارة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا أساسا.