بعد مرور 14 يوماً على فقدان سفينة المنار اليمنية في المحيط الهندي، والتلاشي التدريجي لفرص البقاء على قيد الحياة، تمكن مبارك علي صالح ورفاقه المسافرون، من التواصل مع شقيقه في الإمارات عبر خط جوال إماراتي (تعمل شركة اتصالات الإماراتية في أرخبيل سقطرى وقوت شبكتها فيه)، ليبلغ وزير الثروة السمكية في الحكومة الشرعية فهد كفاين، عن فقدان السفينة العائدة إلى جزيرة سقطرى من مدينة قصيعر الساحلية التابعة لمحافظة حضرموت والتي انتهى بها المطاف قرب المياه الإقليمية لسلطنة عمان.
حرك كفاين وهو أحد أبناء سقطرى، قوارب لإنقاذ صالح و18 مسافراً آخرين، كما يقول مضيفا أن مخاوف فقدان السفينة في قلب البحر انتابته قبل إبحارها من حضرموت في 16 مايو/آيار الماضي. لكنه حاول طرد مشاعر القلق والفزع المتفاقمة لدى أبناء الجزيرة، بسبب تكرار تلك الحوادث، كما يقول لـ"العربي الجديد".
أهوال الموت التي عاشها صالح ورفاقه في عرض البحر، عانى منها مسافرون آخرون على متن سفن فُقدت قبل وصولها إلى بر سقطرى خلال سنوات الحرب التي حالت دون تنقل سكان الجزيرة جوا، نتيجة إيقاف التحالف السعودي الإماراتي لرحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية من وإلى الجزيرة في 26 مارس/آذار 2015، بحسب صالح الذي كان عائدا من رحلة علاجية لزوجته في حضرموت، مؤكدا على عدم وجود وسيلة أخرى يمكنهم السفر عبرها، سوى سفن نقل البضائع المتهالكة.
فُقدت 9 سفن قبالة شواطئ سقطرى خلال سنوات الحرب في اليمن
منذ ذلك الحين وحتى سبتمبر/أيلول 2020، فُقدت 9 سفن قبالة شواطئ سقطرى، وفق إحصاء وكيل أول محافظة سقطرى رائد محمد الجريبي، والذي أكد لـ"العربي الجديد" على غرق ما بين 70 و80 شخصا نتيجة تلك الحوادث، بينما يقدر وزير الثروة السمكية، حوادث السفن خلال العشر سنوات الماضية بـ17 حادثة، محددا في إفادته لـ"العربي الجديد"، أبرز تلك الحوادث، بغرق سفينة على متنها 61 راكبا توفي منهم في عرض البحر 27 شخصا، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2016.
كيف تختفي السفن في مياه الجزيرة؟
تستغرق الرحلة على متن سفن نقل البضائع من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، وحتى سقطرى والتي أصبحت محافظة مستقلة بقرار جمهوري صدر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2013، ثلاثة أيام، وفق تأكيد 3 من المسافرين، من بينهم جمعان عبدالله، والذي يصف رحلته على سفينة المنار، قائلا: "غمرت مشاعر الفرحة المسافرين قبيل انتهاء الرحلة التي لم يتبقّ منها سوى 18 ميلا من بين 346 ميلاً بحريا إجمالي طول المسافة، لنصل إلى بر سقطرى، لكن سرعان ما تبدلت الأحوال وساد الفزع بعد أن زادت سرعة الرياح، وارتفعت الأمواج، وتسربت المياه إلى السفينة في الوقت الذي كان الدينامو معطلا وغير قادر على إعادة ضخ المياه للخارج، فاستخدمنا كل الوسائل المتاحة لإخراجها من السفينة وألقينا بجزء من الحمولة. لكن الأمواج والتيارات المائية استمرت في إبعاد السفينة عن الجزيرة حتى وصلت إلى قرابة 100 ميل من محافظة المهرة شرق اليمن".
وهو ما يؤكده صالح، مضيفا: "زاد الفزع بعدما بدأ الطعام في النفاد ولم يبقَ سوى التمر والماء الذي تحمله السفينة في خزان يتسع لـ 10 براميل (سعة البرميل 159 لترا)"، وما زاد الطين بلة، فشل محاولات الاستغاثة بسفن تجارية وبوارج حربية كانت تمر في المياه الدولية من خلال إشعال النار في أقمشة وإطارات كانت على السفينة لكن بدون جدوى وصار كل مسافر يبحث عن وسيلة أو أداة للنجاة في حال غرقت السفينة". وفي اليوم العاشر من فقدان سفينة المنار تفحص ربانها المحرك. فوجد خللا في الجير (ناقل الحركة) بسبب تعطل فلتر الزيت وتوقفه عن الضخ، وبعد عملية صيانة محدودة اشتغل المحرك وتحركت السفينة بصعوبة، حتى وصلت إلى المياه الإقليمية لسلطنة عمان، كما يؤكد صالح.
وتتكرر أعطال السفن المتجهة من حضرموت إلى سقطرى، وفق تأكيد محمد هارون مدير عام وزارة النقل في سقطرى، والذي قال لـ"العربي الجديد":" من الأسباب التي تؤدي إلى فقدان السفن وغرقها حدوث عطل في المحرك، والحمولة الزائدة وعدم امتلاك السفن وسائل تواصل، وعدم وجود رادار يحدد مواقع السفن".
ويعيد الوزير كفاين أسباب فقدان السفن المخصصة للبضائع واختفائها وسط المحيط، إلى الإبحار في ظروف مناخية صعبة، فضلا عن عدم امتلاكها لوسائل السلامة والأمان، مؤكدا أن وزارته أصدرت توجيهات للصيادين بعدم استخدام سفنهم لنقل الركاب، لكونها غير مؤهلة وتفتقر إلى اشتراطات السلامة. لكنه لا ينفي استمرار استخدامها من قبل بعض الصيادين بطريقة مخالفة، كما يقول، موضحا أن ظاهرة اختفاء السفن لا علاقة لها بأعمال القرصنة أو الأحداث التي شهدتها المحافظة (الصراع بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا والحكومة الشرعية والذي انتهي بسيطرة الأول على الأرخبيل).
وتتفاقم المشكلة بسبب تعامل السلطة المحلية في سقطرى الخاضعة للنفوذ الإماراتي مع حوادث السفن بإمكانيات متواضعة، إذ لا تمتلك فرق إنقاذ متخصصة ولا معدات ضرورية للقيام بمهام الإنقاذ، فقط ترسل قوارب صغيرة تابعة للصيادين للبحث عن السفن المفقودة، ولا تملك غير التنسيق مع السلطتين المحليتين في محافظتي المهرة وحضرموت، وكذلك بحرية سلطنة عمان، وفق ما يقول الجريبي.
مسار إجباري
لا يوجد خيار أمام المسافرين من جزيرة سقطرى الواقعة وسط المحيط الهندي على بعد حوالي 300 كيلومتر عن أقرب نقطة من الساحل اليمني، و900 كم عن مدينة عدن، سوى المجازفة وخوض البحر بسفن شحن البضائع أو سفن صيد صغيرة لا تمتلك أدنى درجات السلامة وليست مؤهلة لنقل المسافرين، وفق ما يقول وكيل أول محافظة سقطرى.
وتفتقر، سقطرى كبرى جزر الأرخبيل، والتي يصل طول شريطها الساحلي إلى 300 كيلومتر، إلى وسائل نقل بحرية مخصصة للمسافرين، منذ بداية الحرب وسيطرة قوات التحالف السعودي الإماراتي على الأجواء والمطارات اليمنية، باستثناء رحلة واحدة للخطوط الجوية اليمنية (الناقل الوطني) أسبوعيا، جرى استئنافها منذ مارس 2018، لكن تلك الرحلة لا تتناسب مع أعداد المسافرين الكبيرة، فضلا عن ارتفاع سعر التذكرة الذي يصل في الدرجة العادية إلى 50 ألف ريال يمني (60 دولارا أميركيا) وفي الدرجة الأولى إلى 150 دولاراً، كما يقول علي محمد هارون مدير عام وزارة النقل بسقطرى، مضيفا أن الخطوط الجوية اليمنية قبل الحرب كان لها رحلتان أسبوعيا، فضلا عن رحلات متقطعة لطيران السعيدة (شركة خاصة).
يفتقر أرخبيل سقطرى إلى وسائل نقل بحرية آمنة
ارتفاع سعر تذاكر الطيران وقلة عدد الرحلات، يُصعب من السفر جوا، على سكان الأرخبيل الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة، ما يضطرهم إلى المخاطرة وركوب تلك السفن خاصة أنها لا تأخذ منهم أجور نقل، وفق ما يقول مبارك علي صالح. وهو ما يؤكده مدير ميناء سقطرى رياض سعد، قائلا: "السفن تنقل المواطنين مجانا من وإلى الجزيرة، ولهذا تقدم إدارة الميناء تسهيلات لها ولا تأخذ منها سوى رسوم رمزية تقدر بعشرين ألف ريال (20 دولارا)"، مضيفا أن ما بين ثلاث إلى أربع سفن تبحر يوميا من ميناء جزيرة سقطرى.
وعلى الرغم من توقف رحلات السفن المخصصة للحمولات التي تصل إلى 500 طن، إلا أن رحلات القوارب الصغيرة ظلت مستمرة لكن بوتيرة أقل، وفق ما يقوله رياض سعيد مدير عام ميناء سقطرى لـ"العربي الجديد". ولم تستطع السلطة المحلية في سقطرى، توفير مواصلات آمنة لنقل سكانها وكسر عزلة الجزيرة، على الرغم من مطالبتها المتواصلة للحكومة الشرعية بالعمل على تسيير رحلات جوية مستمرة تتناسب مع احتياجات مواطنيها وبأسعار مناسبة، وفق الجريبي.
استجداء الحلول
يتوقف حل مشكلة حوادث فقدان السفن في عرض البحر على توفير الدولة لسفن آمنة وتمتلك معايير السلامة، من أجل نقل المسافرين، وفق الوزير كفاين. وتواصلت السلطة المحلية مع الحكومة الشرعية لشراء عبارة بحرية تتوفر فيها المعايير والمواصفات الدولية، وفق الجريبي الذي أكد على صدور توجيهات من رئاسة الجمهورية والحكومة بعملية الشراء بعد غرق سفينة مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2016، وبالفعل بدأت الإجراءات في وزارة المالية، لكن الأحداث التي شهدتها المحافظة وعدم الاستقرار حال دون استكمال الأمر، كما يقول.
التأخر في تلك الإجراءات جعل أهالي سقطرى يشككون في جدية الحكومة بمحاولة وضع حد لمعاناتهم، وفق ما يقول صالح. وفي محاولة لتوفير حلول مؤقتة، قال مدير عام وزارة النقل في سقطرى لـ"العربي الجديد"، نسعى لوضع مواصفات وضوابط نقل الركاب، وتشمل وسائل السلامة وعدم الجمع بين المسافرين وحمولات البضائع، والتنسيق بين الموانئ بحيث يقوم الميناء الذي تبحر منه السفينة بإبلاغ الميناء الذي تتجه إليه الرحلة بموعد الإبحار، وفي حال تأخر وصولها تبدأ عملية البحث مباشرة.
لكن مدير عام ميناء سقطرى ينفي حدوث تنسيق بين الموانئ، مؤكدا أن الأمور تسير بشكل عشوائي. وتابع إن إدارة ميناء سقطرى تلقت وعودا من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مطلع مارس/آذار الماضي، بعمل برج مراقبة لرصد حالات الطقس والرياح وتقديم التحذيرات للبحارة بهدف تأمين الرحلات وتحديد أماكن السفن بالبحر من خلال الرادارات، وهو ما يفتقده الميناء حالياً، لكنه يشكك بجدية تلك الوعود، كونها لا تحتاج كل هذا الوقت لتتحقق على أرض الواقع.