ثمن الإخفاق الحكومي... انتكاس سلالات الماشية الأوروبية في البيئة المصرية

14 ابريل 2024
خسائر ضخمة للمربين بسبب إخفافات الجهات الحكومية (فضل داود/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزارة الزراعة المصرية أطلقت مبادرة لإحلال سلالات أوروبية بدلاً من المحلية لتحسين الثروة الحيوانية، لكن المربين واجهوا خسائر فادحة بعد نفوق الأبقار المستوردة بسبب الأمراض.
- الأبقار المستوردة فشلت في التأقلم مع البيئة المصرية مما أدى إلى خسائر مالية ضخمة للمربين بسبب ضعف مناعتها وزيادة تكاليف العلاج والرعاية.
- الحكومة والشركات واصلت استيراد الأبقار رغم الفشل الواضح في تحقيق أهداف المبادرة وعدم تقديم حلول للمشاكل القائمة، مما يعكس استمرار الوضع الصعب للمربين.

تكبد مربو الماشية المصريون خسائر مالية ضخمة جراء مشاركتهم في مبادرة حكومية لإحلال سلالات أوروبية المنشأ بدل المحلية، غير أنّ الأبقار المستوردة كلفتهم أموالاً باهظة وسرعان ما نفقت ومعها أحلامهم بمكاسب ضخمة.

- نفقت 13 بقرة من سلالتي سيمنتال وبراون سويس ذات المنشأ السويسري في مزرعة المهندس الزراعي شريف عبد الوهاب بمحافظة البحيرة شمالي مصر، ما أسفر عن خسارة مالية كبيرة، إذ اشتراها عبر قرض حصل عليه من البنك الأهلي المصري (حكومي)، ضمن مبادرة أطلقتها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لتحسين قطعان الماشية، واستيرادها بواسطة شركات متخصصة وبيعها للمربين من أجل النهوض بالثروة الحيوانية وتفعيلاً لعودة القرى المنتجة، وهو ما يدخل ضمن مشروع اقترحه الرئيس عبد الفتاح السيسي وأكد عليه في أكثر من مناسبة عامة، أبرزها خلال افتتاحه مشروع مستقبل مصر في مايو/أيار 2022.

وعلى الرغم من تفاؤل عبد الوهاب وتوقعاته "الحالمة"، بمضاعفة أرباحه كما يصفها، فإنّ أول بقرة نفقت بعد 35 يوماً من تسلمها عبر مزرعة الشركة المستوردة في الرابع من يونيو/حزيران 2022، ثم توالى نفوق الأبقار، ما دفعه إلى إجراء تحاليل مخبرية لستّ عينات في مركز التحاليل والدراسات التطبيقية البيطرية بجامعة القاهرة بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2022، ليتبين إصابتها بفيروس الهربس البقري من النوع الأول (Bovine herpes virus-1 (BHV-1 (يسبب العديد من الالتهابات للماشية)، بحسب ما كشفته نتائج الفحص الذي حصل عليه "العربي الجديد".

الصورة
تحقيق الماشية 1
نتيجة التحليل المخبري تثبت إصابة الأبقار المستوردة بفيروس الهربس البقري (العربي الجديد)

وتسبب المرض في نفوق الأبقار بعد إسهال وتقرحات وإفرازات مخاطية من الأنف والتهابات رئوية، ونفوق العجول حديثة الولادة في أسبوعها الأول، بحسب ما جاء في تقرير فريق المتخصصين من معهد بحوث التناسليات الحيوانية (حكومي) بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، والذي فحص مزرعة عبد الوهاب وأربعة مستفيدين آخرين من المبادرة بعد شكوى تقدموا بها بسبب ظهور المرض بين أبقارهم وفتكه بها، إلى جانب شحّ ما يحصلون عليه من حليب.

وبحسب شريف، فإنّ 18 مربياً آخرين يعرفهم ظهرت أعراض مرضية مشابهة على الأبقار المستوردة التي تسلموها ضمن المبادرة، وبالتالي نفقت مع تكبدهم خسائر باهظة.

 

خسائر ضخمة للمربين

تتشابه تفاصيل خسارة عبد الوهاب مع ما تعرض له الثلاثيني موسى عيد، الذي خسر 15 بقرة من أصل 140 من سلالة هولشتاين (موطنها شمال غربي ألمانيا) رغم أنه، وبحسب وصفه، ورث مهنة تربية الماشية "أباً عن جد"، قائلا لـ"العربي الجديد": "تسلمت الأبقار في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022 من مزرعة الشركة المستوردة، ونفقت أول واحدة عقب 20 يوماً، بعد إصابتها بمرض حمى الثلاثة أيام (فيروسي حاد)، علاوة على إصابة الأبقار المولودة بعد أربعة أشهر من تسلم أمهاتها بمشاكل تنفسية، كما أصيبت 8 بقرات بتليف الضرع".

الصورة
تحقيق الماشية 3
إصابة الأبقار المستوردة بالأمراض يؤدي إلى تناقص اللبن تدريجيا حتى توقفه تماما (العربي الجديد)

ويقدر عيد خسارته بمليون و950 ألف جنيه، تشمل ثمن الأبقار البالغ 60 ألف جنيه للواحدة (الدولار وقتها احتسب بـ24.40 جنيهاً)، وكذلك قيمة معدات للمزرعة، فضلاً عن أدوية كلفته 300 ألف جنيه (يتغير ثمن الجنيه مقابل الدولار على فترات متقاربة)، وهي مبالغ اقترضها من البنك الزراعي المصري، وما يزيد الطين بلة أن العقد الموقع بين المربين والشركة المستوردة لم يتضمن أي بنود تضمن لهم تعويضا، بحسب ما يؤكده عيد والمهندس عبد الوهاب.

لكن خسارة الأربعيني المقيم في محافظة بني سويف في صعيد مصر أحمد عوض أفدح، إذ فُجع بنفوق 80 بقرة من أصل 100 من سلالة هولشتاين بعد ثلاثة أشهر من تسلمها من الشركة المستوردة، وبدأ الأمر بتكرار حالات الإجهاض أو ولادة أجنة مشوهة وميتة، فضلا عن تكرار إصابات التورم وعرج القدمين وتليف الضرع وتناقص إنتاج الألبان تدريجيا وحتى توقفها تماما، ما استدعى تدخل لجنة من معهد بحوث الصحة الحيوانية في القاهرة وإجراء مسح شامل للمزرعة على مدار ثلاثة أيام، وعلى أثره، اكتشفت إصابة الأبقار ببكتيريا الميكوبلازما التي تؤدي إلى تكسير كريات الدم الحمراء وتتطور إلى أنيميا مميتة، وهو ما أثار مخاوف ودهشة عوض لأن هذا المرض لم يرصده في مزرعته قبل قدوم الأبقار المستوردة.

ولم تطاول الخسائر المربين الذين ابتاعوا الأبقار المستوردة ضمن المبادرة الحكومية فقط، بل شملت آخرين اشتروها عبر شركات أخرى، ومن بينهم صلاح حمودة، الذي اشترى 25 بقرة من سلالة هولشتاين في نوفمبر/تشرين الأول عام 2022 عبر إحدى شركات الاستيراد المصرية، بسعر 60 ألف جنيه لكل واحدة. إذ يملك حمودة مزرعة ماشية كبيرة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية شمال القاهرة، وكان يسعى إلى رفع معدلات إنتاج مزرعته من الألبان وتطوير مشروعه وفق روايته لـ"العربي الجديد"، وفي البداية، استبشر خيرًا بتحقيق بعض المكاسب لكن الحال لم تدم، إذ توالت الخسائر وبلغت 275 ألف جنيه (الدولار كان يعادل وقتها 30.39 جنيها) خلال 6 أشهر، ما دفعه للتراجع عن تطوير مشروعه وبيع أبقاره الـ 25 مقابل 65 ألف جنيه للرأس الواحدة في يوليو/تموز عام 2023. ويفنّد حمودة خسائره قائلا إنها تمثلت في تكاليف التغذية خلال الأشهر الستة والعلاج لمدة شهرين بعد إصابة إحدى الأبقار بخراج في الضرع، رغم حرصه على تحصين رؤوس الماشية بكافة التحصينات المقررة وتوفير بيئة مناسبة للتربية بتركيب المراوح في المزارع واستخدام رذاذ المياه لتلطيف الأجواء، إلى جانب ارتفاع أسعار الأعلاف التي تخطت 22 ألف جنيه للطن الواحد، علاوة على قلة المردود المادي لبيع الألبان (10 إلى 11 جنيهًا لليتر الواحد)، ما دفعه للتوقف عن استيراد رؤوس الماشية.
 

 

لماذا فشل حلم المربين بمضاعفة الإنتاج؟ 

يُجمع سبعة من المربين وأصحاب المزارع الذين خاضوا تجربة شراء الأبقار المستوردة، والتقاهم "العربي الجديد"، على أن هدفهم كان مضاعفة إنتاجهم، إذ تحدثت الدعاية الحكومية على أن الإنتاج اليومي للبقرة المستوردة من سلالة هولشتاين على سبيل المثال يترواح من 30 إلى 40 ليتراً، بينما لا يتخطى إنتاج البقرة المحلية عشرة ليترات يومياً، لكن مربي الماشية وجدوا، بعد التجربة، أن مضاعفة الإنتاج يترتب عليه استهلاك كميات أكبر من العلف تصل إلى 15 كيلوغراماً يومياً، مقابل خمسة كيلوغرامات تستهلكها السلالة المحلية، في وقت كان سعر طن العلف فيه بين 14 و20 ألف جنيه (سعر الجنيه مقابل الدولار تغير مرات عدة) حسب النوع، وهو ما يعني تكاليف أكبر.

علاوة على ذلك، فإن الأبقار المستوردة عرضة للإصابة بالأمراض التي تؤدي إلى نفوقها بشكل أكبر مقارنة بالسلالة المحلية، وعلى رأسها الميكوبلازما وفيروس الهربس البقري، وهو ما يرجعه الطبيب البيطري محمد جلال، مدير معهد بحوث الصحة الحيوانية الأسبق (يتبع وزارة الزراعة)، إلى ضعف مناعة الأبقار المستوردة والعوامل البيئية التي تؤثر عليها، إذ تتمتع الرؤوس المحلية بجينات مقاومة للأمراض ولا تتوفر لمثيلتها المستوردة والتي قد تنقل العدوى إلى الأبقار غير المصابة.

تتمتع الأبقار المحلية بجينات مقاوِمة للمرض لا تتوفر في المستوردة

ما سبق تثبته دراسة أجراها المعهد بعنوان مدى وجود الميكوبلازما في حالات التهاب الضرع فى الأبقار والجاموس فى مصر، ونشرت عام 1991، شملت العينة سبعة قطعان من البقر الفريزيان الحلاب (هولشتاين) و301 جاموسة، وكانت نسبة انتشار الميكوبلازما في أبقار الفريزيان 17.75%، بينما بلغت 3.04% في الجاموس البلدي.

الصورة
تحقيق الماشية 5
تعجز الأبقار المستوردة عن التأقلم في البيئة المصرية ومواجهة أمراض متوطنة (العربي الجديد)

ومن واقع معايشته يؤكد المختص وليد أبو العمايم، والذي يعمل طبيبا في مديرية حكومية بيطرية (فضل عدم ذكرها حتى يتمكن من الإدلاء بمشاهداته) دقة ما ذكره جلال وأكدته الدراسة، موضحا لـ"العربي الجديد" أنه رصد في زيارات ميدانية إلى مزارع الماشية أن الأبقار المستوردة تعجز عن مواجهة أمراض متوطنة تصيب الماشية في مصر مثل طفيليات الدم والحمى القلاعية والدودة الكبدية، كما أن وسيلة نقل الأبقار ذاتها إلى مصر تعد عاملا مساعدا في نقل أمراض تؤثر على إنتاجها. إضافة إلى ذلك، فإن الأبقار المستوردة تتأثر بالمناخ المختلف عن بلدانها الأصلية، مبيناً أنها "لا تتأقلم بسهولة في مصر، ومن أهم العوامل التي تؤثر عليها درجات الحرارة المرتفعة ومعدلات الرطوبة ونوع التربة".

وهو ما يؤكده اللواء الدكتور إيهاب صابر، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للخدمات البيطرية في وزارة الزرعة واستصلاح الأراضي، ويوضح أن عدد ما تستورده مصر سنوياً من أبقار يتراوح بين 15 ألفا إلى 20 ألف بقرة، 95% منها تنحدر من سلالة هولشتاين، إلا أن مربِّين اشتكوا عدم تكيفها مع التغيرات المناخية ممثلة في ارتفاع درجات الحرارة عن مواطنها الأصلية، علاوة على ضعف مناعتها وارتفاع تكاليف علاجها مقارنة بالمحلية، ما دفع كثيرًا منهم وخاصة صغار المربين إلى التخلص من رؤوس ماشيتهم وبيعها.

بينما يرفض طارق سليمان، رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة والمعنى بملف المبادرة، اعتبار الأبقار المستوردة سببا في إدخال أمراض جديدة، مؤكدا في حديثه لـ"العربي الجديد" التزام الشركات الموردة بشروط الاستيراد التي وضعتها الوزارة والمتمثلة في سماح الموقف الوبائي لبلد المنشأ بالاستيراد والخلو التام من أي عيوب ظاهرية أو باطنية، مشددا على تميز السلالات المستوردة بمعدلات أداء تفوق معدلات أداء وإنتاجية المحلية، نافيا بشكل قاطع استيراد أبقار مصابة بأية أمراض وبائية أو فيروسية أو عدم تطبيق الاشتراطات الخاصة بالحجر، ويضيف: "راعينا استيراد سلالات تتكيف مع ظروفنا المناخية".
 

الأبقار المستوردة تسهم في تزايد بؤر الأمراض

أوصى تقرير معهد بحوث التناسليات، عقب الكشف على مزرعة شريف عبد الوهاب و4 مزارع أخرى، بأخذ عينات دم لتحليل مرض البروسيلات (عدوى بكتيرية) والإسهال البقري الفيروسي ومرض الهربس البقري والميكوبلازما، بعد ملاحظة أعراض على الأبقار المستوردة المتبقية لديهم إلى جانب انخفاض إدرارها من الحليب بمقدار 4 إلى 5 ليترات يوميا، مشددا على ضرورة التخلص منها تجنبا لنقل العدوى إلى الأبقار الأخرى السليمة في المزرعة.

الصورة
تحقيق الماشية 2
تسببت الأمراض في نفوق الأبقار وفق تقرير معهد بحوث التناسليات الحيوانية عقب الكشف على أبقار مربين منتفعين بالمبادرة (العربي الجديد)

ولا يستبعد الطبيب البيطري وأستاذ الأمراض المعدية بكلية الطب البيطري في جامعة القاهرة والمدير الفني لشركة زويتس للأدوية البيطرية سليمان محمد سليمان أن تكون هذه الأمراض الفيروسية قد نقلتها الأبقار المستوردة من الخارج.

ويتفق البيطري جلال مع الرأي السابق، مشيرا إلى دور الأبقار المستوردة في زيادة الأمراض الحيوانية بمصر، إذ لاحظ تزايدا في أعداد بؤر الحمى القلاعية عاما تلو الآخر بسبب دخول 3 عترات (أنواع مرضية) جديدة إلى مصر، منها 2 SAT التي سجلت لأول مرة في عام 2012، نتيجة تهريب الحيوانات عبر الحدود الغربية عقب أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني، لذلك تحتاج اللقاحات المستخدمة إلى تحديث مستمر بما يتناسب مع التغير الجيني للفيروسات".

الصورة
تحقيق الماشية 6
اقترن دخول أمراض جديدة إلى المزارع بوصول الأبقار المستوردة (العربي الجديد)

وهذا التزايد في بؤر الأمراض تثبته بيانات النشرة السنوية لإحصاءات أمراض الحيوان والدواجن لعام 2021 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مؤكدة أن عدد بؤر الإصابة بالأمراض المعدية والوبائية للماشية والحيوانات كان 32 بؤرة عام 2020 وارتفع إلى 54 بؤرة عام 2021. وهو ما لاحظه مربو الماشية والأطباء البيطريون الذين قابلتهم معدة التحقيق، مؤكدين أن دخول أمراض جديدة إلى المزارع اقترن بوصول الأبقار المستوردة التي كانت مصابة بأمراض معدية انتقلت إلى غيرها.

 

تراخٍ رقابي

يرجع ثابت البقري، مالك شركة ماس للتجارة والاستثمار الحيواني المدرجة ضمن قائمة الشركات العشر المعتمدة لاستيراد السلالات ثنائية الغرض، الإخفاق في تحقيق الأهداف المرجوة من استيراد الأبقار إلى عدم مراقبة الوزارة تنفيذ المشروع والبيع لصغار المربين الذين لا يمتلكون الخبرة في التعامل معها، فضلاً عن إدراج شركات لا تمتلك خبرة سابقة ضمن المصرح لهم بالاستيراد.

إدراج شركات لا تمتلك خبرة سابقة في مبادرة استيراد الأبقار الأوروبية

الأمر ذاته يؤكده مصدر مسؤول بالجمعية العامة للثروة الحيوانية ومنتجاتها (تعنى بتوفير مقومات تنمية الثروة الحيوانية) التي شاركت في المبادرة واستوردت أبقارا من الخارج، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، قائلاً: "شاركت شركات دون خبرة سابقة في المبادرة الحكومية بعد تقديمها فاتورة استيرادية للجهات المعنية (مستند يثبت أن الشركة قادرة على تحمل اي مطالبات أو نزاعات تترتب على الاستيراد) وهذه جهات تعمل على تحقيق مصالحها الخاصة، في وقت كان يفترض أن تتولى هذا الملف جهة حكومية دون ترسية أمر الاستيراد على شركات خاصة لتحقيق الهدف المرجو منها".

ويكشف اثنان من أصحاب شركات الاستثمار الحيواني لـ"العربي الجديد"، فضلوا عدم ذكر أسمائهم حتى لا تتضرر مصالحهم، "أن الشركات والهيئة العامة للخدمات البيطرية لم تحصن المواشي ضد الأمراض التي يوثق التحقيق ظهورها في الأبقار المستوردة".

وهو ما يتطابق مع ثلاثة تقارير لإفراج عن "عجلات" (أبقار) من محاجر بيطرية تتبع الهيئة حصل عليها "العربي الجديد"، وتبين جميعها أنه تم تحصين الحيوانات بلقاح الحمى القلاعية وحمى الوادي المتصدع والتسمم الدموي، ولقاح الجلد العقدي، فيما أجريت لها فحوص للكشف عن الأمراض الفيروسية كالبروسيلات، والليكوزيس واللسان الأزرق، والسل البقري، بينما لم تحصن ضد الأمراض التي ثبتت إصابة الأبقار الواصلة إلى مصر بها.

الصورة
تحقيق الماشية 7
لم تحصن الأبقار المستوردة ضد الأمراض التي ثبتت إصابة الرؤوس الواصلة إلى مصر بها (العربي الجديد)

 

استمرار الحال على ما هو عليه رغم الخسائر

تراجع عدد عدد رؤوس الماشية من 18.7 مليوناً عام 2017 ليسجل 8.1 ملايين عام 2021 على مستوى الدولة، بحسب البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء .

وفي عام 2021، بلغت أعداد رؤوس الأبقار 2.812 مليون رأس، منها 2.597 مليون من سلالة البلدي-خليط، فيما بلغ عدد رؤوس الأبقار من سلالات أجنبية 214 ألفاً و676 رأسا. وبلغت أعداد رؤوس الماشية المذبوحة 4.2 ملايين رأس عام 2021 مقابل 3.9 ملايين رأس عام 2020، بزيادة قدرها 8.5%، وبلغت نسبة الأبقار من إجمالي الماشية المذبوحة 31.1% و الجاموس 14.7% ، بينما كانت نسبة الأغنام والماعز 51.3% والجمال 2.9% . بحسب النشرة السنوية لإحصاءات الثروة الحيوانية عام 2021، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو/أيار 2023، والتي تكشف عن ذبح 89 ألفاً و115 بقرة مستوردة في المجازر الحكومية فقط عام 2021.

ويفسر المصدر المسؤول بالجمعية العامة للثروة الحيوانية سابق الذكر ارتفاع أعداد ذبائح البقر إلى لجوء الكثير من المربين لذبحها لارتفاع تكاليف تربيتها، فضلا عن دخول الأمراض الوافدة العابرة والتي تأتي مع الرؤوس المستوردة من دون أن تحصل على التحصين المناسب للعترة الواردة نتيجة التحور الجيني للفيروسات. وهو ما يؤكده أصحاب المزارع والمربين الذين التقاهم "العربي الجديد"، مشيرين إلى قيام الكثير من المربين بالتخلص من رؤوس ماشيتهم بالبيع والذبح نتيجة خسائرهم عقب شراء الأبقار المستوردة.

 ورغم ما تعكسه الأرقام السابقة من انخفاض في أعداد رؤوس الماشية وارتفاع في معدل ذبح الأبقار بخاصة المستوردة منها، غير أن صابر يصرّ  في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن الاستيراد يسير وفق خطة معينة بهدف العمل وفق دورة إنتاجية تستمر 7 سنوات من دون ذبحها، وبناء على هذه الخطة، افتُتح عدد من مجمعات الإنتاج الحيواني الحكومية، إذ وصل عددها إلى عشرة مجمعات جديدة خلال الفترة بين عامي 2017 و2021.

وبينما تكشف وثيقة حصل عليها "العربي الجديد"، صادرة بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن منسق المشروع القومي لتطوير مراكز تجميع الألبان في وزارة الزراعة، وموجهة إلى رئيس قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبنك الأهلي المصري، أن 10 شركات معتمدة لدى الوزارة في استيراد السلالات ثنائية الغرض ضمن مبادرة تحسين سلالات الماشية، وما زالت ملتزمة بالتعاقد والتوريد وفاءً لشروط الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الجهات المعنية في الدولة، يتكبد المزارعون ومربو الماشية الخسائر دون أي تعويضات، وهو ما عبر عنه عيد بقوله "طلبت العوض من الله في خسائري، الحال مستمر على ما هو عليه، الكل رفع إيده عنا".