أفراد من الشرطة السودانية متورطون في عمليات التزوير
29 نوفمبر 2020
+ الخط -

تتلاعب شبكات إجرامية بوثائق الهوية السودانية وجوازات السفر وغيرها من الوثائق الرسمية، غير أن تورط مسؤولي النظام السابق في تلك التجاوزات وسع من نطاق عمليات البحث والتدقيق الجارية في محاولة للسيطرة على فوضى التزوير

- يقر اللواء السوداني المتقاعد عز الدين محمود بأن ظاهرة التزوير والتلاعب بوثائق الهوية السودانية تتم عبر عصابات منظمة لكنها ليست الأخطر، إذ تورط في تلك التجاوزات كبار المسؤولين في النظام السابق، في ظل تساهل الرئيس المعزول عمر البشير في منح الجنسية السودانية لأجانب، من دون الالتزام بالشروط التي يحددها القانون، وأبرزها وجود توصية من مدير الشرطة أو وزير الداخلية لترشيح من تنطبق عليهم الشروط المنظمة، وفق ما يحدده قانون الجنسية. 

ومن أهم الشروط التي جرى تجاوزها، "مدة الإقامة المحددة بعشر سنوات وشرط الأهلية والاندماج في المجتمع السوداني والكشف الطبي والفحص الأمني، واختبارات السلوك والأخلاق حتى لا يسيء المتجنس لصورة الشعب السوداني"، بحسب رصد اللواء محمود، والذي عمل مديراً عاماً للسجل المدني خلال الفترة من 2010 حتى عام 2012، مؤكدا أنه ظل في حالة اعتراض دائم ومتكرر على تلك التجاوزات القانونية إلى أن تم إبعاده من المنصب وإحالته للتقاعد كما يقول لـ"العربي الجديد".

الصورة
السودان1

وخلال المراجعات التي قامت بها السلطة الانتقالية، لحقبة نظام البشير، تأكد وجود إفراط في منح الجنسية السودانية لأجانب خلال الفترة من 2014 وحتى 2018، ما أثار شكوكا حول عمليات بيع ممنهجة حسب ما يقول عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي سليمان لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن الجنسية السودانية مُنحت لأجانب بطرق غير شرعية. 

وعقب ذلك تم تشكيل لجنة لمراجعة ملفات حاملي الجنسية، ليصدر مجلس السيادة، بموجب توصياتها في مطلع مارس/آذار الماضي، قرارا بسحب الجنسية السودانية من 13 ألف متجنس، بسبب مخالفة قانون الهجرة والجنسية. لكن المجلس قرر عدم سحب الجنسية من أبناء وبنات المتجنسين حتى لو تم حرمان آبائهم منها، وفق ما أوضحه اللواء محمود. 

اتساع نطاق الظاهرة 
يعاني السودان من ظاهرة التزوير في وثائق الهوية والمستندات الرسمية، بما في ذلك جوازات السفر وبطاقة الرقم الوطني والشهادات الجامعية وعقود البيع والشراء، ومستندات بيع الأراضي ووثائق التوكيل، بغرض الاستيلاء على أراضي وعقارات الغير، وتتطور أساليب التزوير طردياً مع تطور التقنيات في البلاد، بحسب إفادة المقدم هالة محمود، مدير قسم مكافحة التزوير والتزييف بإدارة الأدلة الجنائية. 

ويبدو خطر الظاهرة في واحدة من أحدث قضايا التزوير، إذ ضبطت دائرة شرطة مباحث الخرطوم بحري شخصاً، زور خطاباً بتاريخ 3 مايو/أيار الماضي زعم فيه أنه مفوض من رئاسة مجلس الوزراء لاستيراد 50 مليون كمامة بموجب إجراءات مكافحة فيروس كورونا، وأكمل كافة الإجراءات مثل توفير التمويل والعقود وباشر العمل حتى اكتشفته الشرطة نهاية أغسطس/آب الماضي.

الصورة
السودان2

وتصاعدت ظاهرة التزوير في المستندات الرسمية بشكل لافت في تسعينيات القرن بعدما عمل النظام السابق على مطاردة الشباب للزج بهم في حرب الجنوب ضمن الخدمة الوطنية الإلزامية، بحسب المحامي حاتم إلياس، والذي ترافع في 10 قضايا تزوير، قائلا بدأ الأمر عبر التلاعب في تواريخ الميلاد، لتكون أكبر من العمر المطلوب للخدمة الإلزامية حتى يتمكنوا من استخراج وثائق سفر تساعدهم على الهجرة إلى دول الخليج أو عبر برنامج اللوتري الأميركي (الهجرة العشوائية للولايات المتحدة). 

اتسعت ظاهرة التزوير في تسعينيات القرن الماضي هروباً من حرب الجنوب

ومن أبرز عمليات التزوير التي توضح مدى تغلغل الظاهرة، محاولة تعيين أبو بكر حمد عبد الرحيم وزيرا للعدل في عهد نظام عمر البشير، مشيرا إلى أن رئاسة الجمهورية شكت بشهادة الدكتوراه التي يحملها قبل أن يؤدي اليمين الدستورية وسحبته من القائمة الوزارية، وعينت بديلاً عنه طبقاً للمرسوم الرئاسي الصادر في 11 مايو 2017، وفق ما يقول المحامي إلياس.

وتم ضبط 21 حالة تزوير في الجواز السوداني وجوازات أجنبية، منها 8 حالات تزوير للجواز السوري، والإثيوبي 5 حالات، والمالطي 8 حالات خلال العام الماضي، وفق تقرير صادر عن الإدارة العامة للأدلة الجنائية التابعة للشرطة السودانية نهاية عام 2019، كما ضبطت الإدارة 10 محاولات لتزوير الجنسية السودانية، 8 منها بالتجنس، واثنتان بتزوير وثائق الميلاد و24 محاولة تزوير في الشهادات الجامعية والثانوية وشهادات الملكية، و26 رخصة قيادة سيارة مزورة، و96 توكيلا مزورا. فيما بلغت محاولات تزوير البطاقة القومية لذات العام 4 حالات للمواطنين، و3 حالات للأجانب و9 حالات تزوير لفواتير و9 وثائق سفر اضطرارية و30 لوحة مركبات، وفقا لذات التقرير.

الصورة
السودان3

مرشح للوزارة تورط في الحصول على شهادة دكتوراه مزورة

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضبطت الشرطة شبكة تزوير بحوزتها 38 جواز سفر إثيوبياً (تسلل) و23 جواز سفر لجنسيات مختلفة، إضافة إلى 18 ختما و 10 شهادات فحص طبي و4 شهادات فيش الى جانب 32 وثيقة مروسة ومختومة وعدد من شهادات تسجيل الشركات وماكينة طباعة كما تمكنت مباحث مرور ولاية الخرطوم من ضبط شبكة إجرامية تنشط في تزوير رخص المركبات وشهادات البحث واستيكر المركبات التي دخلت إلى البلاد بطريقة غير قانونية، وبحوزتها 372 شهادة بحث مركبة و 40 كارت رخص قيادة جديدة إضافة إلى استيكر تغليف وكاميرا ديجتال وماكينة تصوير ملون و5 أجهزة لاب توب و13 قسيمة زواج ورقم وطني. 

تورط الأجانب من دول الجوار 
تهدد الظاهرة المتفاقمة الأمن القومي السوداني، وفق ما يؤكده سليمان لافتا إلى أن قرار سحب الجنسية جاء لحماية الأمن القومي السوداني في المقام الأول، نظرا لعدم القيام بخطوة الفحص الأمني للمتقدمين قبل الموافقة على منحهم الجنسية، موضحا أن المجلس وجه بالاستمرار في التحقيقات لمعرفة المتورطين في تلك الجرائم وتقديمهم للمحاكمة.

ويتفق المحامي إلياس، مع سليمان في خطورة الظاهرة المتفاقمة، لافتا إلى حصول أفراد مصنفين دوليا باعتبارهم إرهابيين، على الجنسية لأغراض سياسية يدفع السودان ثمنها حتى اليوم، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مؤكدا من خلال القضايا التي ترافع فيها بأن أكثر الأجانب حصولاً على الجنسية السودانية عبر التزوير، من دول الجوار ذات التداخل القبلي مع السودان، والهدف هو التمتع بحقوق المواطنة. 

أفراد من الشرطة السودانية متورطون في عمليات التزوير

لكن المحامي أبوبكر عبد الرازق، والذي عمل في مكتب استشاري قانوني كان ممثلا لمصالح بعض المتجنسين، لفت إلى أن الحكومة منحت هؤلاء الجنسية باعتبارهم، لاجئين ومستثمرين في نفس الوقت ولم تكن تلك الحركات أو هؤلاء الأشخاص مصنفين إرهابيا حتى على مستوى دولهم.

وأضاف لـ"العربي الجديد"، بعض هؤلاء أسسوا شركات عملت في مشاريع كبرى، مثل استخراج البترول، معتبرا أن سحب الجنسية السودانية عن الأجانب قرار غير موفق، إذ كان ينبغي معاملة كل حالة على حدة واعتماد معيار المنفعة التي يمكن أن يقدمها الأجنبي المجنس للسودان. 

تورط رجال شرطة في التزوير 
في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، أصدر وزير الداخلية اللواء الطريفي إدريس دفع الله، قراراً بحظر مؤقت لأغراض المراجعة للأرقام الوطنية، ووقف تجديد جوازات السفر للسودانيين من أصول أجنبية الحاصلين على الجنسية السودانية بالتجنس منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2014 وحتى 11 إبريل/نيسان 2019، وفق ما جاء في حساب الوزارة على "تويتر".

وتؤكد المقدم هالة محمود، أن الأرقام الواردة في تقرير إدارة الأدلة الجنائية لعام 2019 تشمل الحالات التي تصل إليهم فقط، مؤكدة أن الظاهرة كبيرة جدا، وتقر بوجود تجاوزات من قبل أفراد في الشرطة تورطوا في عمليات التزوير، لكنها تؤكد أن الشرطة تترصدهم من خلال المراقبة المستمرة ومجالس التحقيق والمحاسبة التي قد تصل إلى الفصل من الخدمة، وهو ما حدث بالفعل كما تقول لـ"العربي الجديد".

الصورة
السودان 4

وتحاول الشرطة السودانية مواجهة الظاهرة عبر تدريب الموظفين في الجهات المختلفة وتطوير أدواتهم المستخدمة في فحص المستندات، حسب ما تقول هالة محمود، لكن جريمة تزوير الوثائق تحتاج إلى تعاون دولي وإقليمي، كونها من الجرائم العابرة للحدود. وفق ما يقوله اللواء المتقاعد محمود، مضيفا أن الشرطة السودانية تمتلك كوادر مدربة وخبرات في المعامل الجنائية وتقنيات حديثة ملقيا باللوم على عدم فعالية العقوبات القانونية المقرة في مواجهة الظاهرة. 

وتنص المادة 122 من القانون الجنائي السوداني على أنه "يعد مرتكباً جريمة التزوير في المستندات من يقوم بقصد الغش باصطناع مستند أو تقليده أو إخفائه أو إتلاف بعضه، أو إحداث تغيير جوهري فيه وذلك لاستخدامه في ترتيب آثار قانونية". ونصت المادة 123 من ذات القانون على أن "من يرتكب جريمة التزوير في المستندات أو يستخدم أو يسلم غيره مستندا مزورا بغرض استخدامه، مع علمه بتزوير المستند، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 5 سنوات. كما تجوز معاقبته بالغرامة، فإذا وقع ذلك من موظف عام في سياق وظيفته، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 7 سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة"، وهو ما يراه اللواء محمود غير كاف، محذرا من النص القانوني في المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية والذي يُسقط الجريمة بالتقادم، بعد مرور 5 سنوات من وقوعها.  

وهو ما يؤيده المحامي إلياس، داعيا إلى تشديد عقوبة التزوير ومضاعفة العقوبات المنصوص عليها في القوانين الحالية، لتصل إلى المؤبد من أجل إنهاء هذه الفوضى في المستندات الرسمية.