احتفالات في طهران بالرد الإيراني على إسرائيل (وحيد سالمي/أسوشييتد برس)
03 أكتوبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- برامج الكاميرا الخفية أثرت على عقلية المتفرجين العرب، مما جعلهم يرون الأحداث السياسية كأنها مسرحية، معتمدين على "خبراء بلا خبرة" يستخفون بأهمية الأحداث الجارية.
- النظام السوري بقيادة بشار الأسد يظهر كمتفرج غير فعّال في الصراعات الإقليمية، رغم دعمه من إيران وحزب الله، مما يثير التساؤلات حول دوره في "محور المقاومة".
- إيران أنفقت مليارات لدعم النظام السوري رغم العقوبات، بينما يسعى الأسد لإعادة تأهيل نظامه دولياً، مما يثير الشكوك حول استمرارية التحالف.

يبدو أن أعواماً من مشاهدة برامج الكاميرا الخفية المعدة مسبقاً فعلت أفعالها في عقل ومخيال المتفرجين العرب، فأصبح كل ما يجري حولهم متفقاً عليه وفصلاً من مسرحية أو جزءاً ثانياً من فيلم لا ينتهي ودورهم المشاهدة والفرجة فقط، مع دعم تصوراتهم تلك بأقوال "خبراء بلا خبرة" يفتون في كل مناحي الحياة حتى العلوم العسكرية، ومن ذلك أنواع الصواريخ الإيرانية وكونها بلا فائدة، وكأن القوم في طهران والمحتل في تل أبيب جزء من فريق البرنامج الكوميدي الشهير، ولم يجدوا غيرنا وليس لديهم سوانا لكي يمثلوا علينا حالة الصراع الجارية.

غني عن القول إن كاتب هذه السطور ليس معجباً بالنظام الإيراني وجرائم حلفائه في اليمن ولبنان والعراق وقبلهم سورية، لكن ليس من المعقول أن يرضى المتفرجون بدورهم على هامش الإبادة الجارية في غزة واليوم في لبنان، ويكتفون في كل مرة بالتأكيد أن الرد لن يحدث، وما إن تنطلق الصواريخ والمسيّرات حتى يقابلوها بالسخرية والضحك، وكأنها حلقة من هذه البرامج التي ظهرت لأول مرة عام 1948 (من وقت نكبتنا التي لم تتوقف)، عندما بثّت قناة سي بي أس الأميركية برنامج Candid Camera، لكن سياسات الدول بالتأكيد ليست قائمة على المقالب المسلية للجماهير. كل خطوة تقوم بها لها ثمن تكتيكي واستراتيجي، وهكذا الرد الإيراني الذي تبحث طهران عبره عن مصالحها وتؤكد حضورها في الإقليم، في مقابل غياب أنظمتنا عن الساحة وعن مصالحها ومصالحنا، فقد صار القتل في غزة أمراً عادياً، بالعشرات كل يوم، كما في لبنان الآن. ولم يعد ما يجري يستوجب ولو تعليقاً شاجباً من خارجيات تعبر عن الأنظمة وليس عن الشعوب، لذا لم تعد تعمل إلا في المناسبات أو كما يقول العرب في "الشديد القوي"، حتى إنها تتجاهل تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي وأركان حكمه، بأنهم بصدد تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وكأن أهل الحكم من الأدنى أو الأقصى ولا شأن لهم.

في ظل هذه المعمعة ثمة موقف لافت لسيد المتفرجين الممني نفسه بأن يكون أبرز الرابحين، رئيس الدولة العربية الوحيدة في ما يسمى بـ"محور المقاومة"، والتي لا تربطها اتفاقية سلام بإسرائيل المحتلة لأرضها ويفترض أنها في حالة عداء معها، لكن حتى اليوم ومنذ طوفان الأقصى لم يطلق نظام بشار الأسد طلقة واحدة دفاعاً عن حليفيه اللذين أنقذاه من الزوال، إيران وحزب الله ، فالأولى تتعرض إلى عشرات الضربات داخل سورية ويجري قتل كبار قادتها وتدمير أصولها ويصمت الرجل ونظامه، وفق طريقة "ودن من طين وأخرى من عجين"، كما يقول المثل الشعبي المعبر عن التجاهل بادعاء عدم السمع والخرس. كذلك حزب الله الذي دفع ثمناً كبيراً جراء تثبيته أركان حكم الأسد، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الزوال.

وكل هذا رغم أن "المحور" لم يدخر المال ولا الرجال دفاعاً عن الأسد الذي يجب السؤال عن دوره المرسوم له ضمن "محور المقاومة"، هل هو مجرد أرض يحكمها شرطي تستخدم مخرناً للسلاح والقوات، ضمن ما يعرف بنظرية الدفاع الإيراني المتقدم؟ إذا كان كذلك، هل كان الأمر يستدعي كل هذه الخسائر البشرية والمالية التي لم تعوضها طهران ولا حزب الله حتى اليوم؟ بعد إنفاق المليارات على نظام "كل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير"، لا بل أدى تدخلهما إلى تأجيج الطائفية وخسائر كبيرة في ما يسميه الخبراء رأسمالهما الرمزي، أو ما تصفه الأدبيات الإعلامية بالصورة الذهنية السلبية التي أدت إلى عداوة لم تعد مع الأنظمة الحاكمة، وإنما أصبحت مع الشعوب حتى شمت البعض في فقدان طائرة الرئيس الإيراني ومن ثم موته، كما فرحوا في نجاح اغتيال إسرائيل لقادة الحزب أثناء حربه مع الاحتلال، فهل كان ربح الأسد يستحق خسارة نسيج الأمة وتكريس الانفصال والتمايز المذهبي معها بدلاً من الاحتماء بها؟

ما الذي يضمن للمحور ألا يبيعه الأسد بالمفرق والجملة؟ (كل يوم يغتال قيادي في سورية، كيف تصل إليهم دولة الاحتلال؟ لسنا أمام حادث أو اثنين)، وصولاً إلى حالة الخلاص الكامل من الطرفين والعودة إلى الدور الوظيفي القديم للنظام السوري أباً وابناً، كانت ولا تزال حدود إسرائيل في عهديهما آمنة مطمئنة للصهاينة. أين حجافل المقاتلين السوريين الذين مولتهم وأنفقت عليهم إيران بينما يعاني شعبها من العقوبات؟ لقد وصلت تقديرات الأموال التي أنفقتها طهران في سورية حتى عام 2020 إلى 30 مليار دولار، بحسب موقع ومجلة السياسة الخارجية، بالإضافة إلى خط ائتماني غطى الإمدادات الغذائية والطبية، التي حددها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف بنحو 2.5 مليار دولار في السنة، بينما وفرت إيران النفط ضمن حد ائتماني يتراوح حسب وسائل الإعلام الإيرانية بين 2-3 مليارات دولار في السنة، مع منح حد ائتماني إجمالي يصل إلى 6 مليارات دولار في السنة.

هذه الأموال بالتأكيد لم يحصل على مثلها أو حتى بأرقام قريبة منها بقية أعضاء المحور، فما هو المقابل الذي حصلت عليه طهران وباقي الأعضاء المنخرطين في المقتلة السورية بعد إنقاذ الأسد؟ لا أجد سوى أن دمشق تحولت إلى كيس ملاكمة يتلقى بعض الضربات المتقدمة، وبدلاً من أن تقع في طهران أكثر من مائتي عملية استهداف تسرع من استنزاف الهيبة الإيرانية داخلياً وخارجياً، جرت وقائعها في سورية البعيدة، لكن في النهاية من يدفع ثمنها الإيرانيون وحلفاؤهم سواء وقعت في دمشق أو غيرها.

يتقن الأسد لعبة الصبر الاستراتيجي ويراهن على الخلاص من إيران وحزب الله في اللحظة الحاسمة، لذا غابت دمشق عن "وحدة الساحات" حتى تنجو بدفن رأس النظام في الرمال إلى أن تمر العاصفة، هكذا يعتقدون في دمشق، انتظاراً حتى تدمر لهم إسرائيل الطرفين، وبالمرة ربما يكون الحظ حليفهم وتنكفئ روسيا وتتراجع في الحرب الأوكرانية. وهنا ربما تسحب تلك الأطراف قواتها بعدما تكون قد أدت المهمة بتمكين الأسد من إجهاض الثورة. وفي المقابل يمضي النظام السوري رويداً رويداً في استعادة علاقاته الكاملة، وتبادل السفارات مع الدول العربية القريبة من أميركا وأوروبا التي سبقت واشنطن، فقد افتتحت إيطاليا سفارة لها في دمشق في يوليو/تموز الماضي تضاف إلى ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي هي رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص والتشيك والمجر، أي أن النظام يسير بخطوات ثابتة لإعادة تأهيله على المستوى الدولي، ووقتها سيلبي متطلبات هذا الانخراط ويدفع ثمنه الذي سيكون على حساب عضويته في "محور المقاومة"، خاصة أن الأسد ثبت وضعه متفرجاً سلبياً على كل ما يجري منذ بدء الحرب على غزة، لدرجة أنه انتظر حوالي 48 ساعة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ومن ثم أصدر بياناً ينعى من أرسل آلاف المقاتلين لهزيمة الثوار الذين كانوا يهددون حكومته قبل بضع سنوات فقط.

دور المتفرج وإن كان يليق بالأسد ونظامه، الذي وللدقة يقوم بعمل ممتاز في انتحال شخصية المقاوم، إلا أنه لا يجدر بشعوبنا وحتى حكوماتنا التي يتوعدها نتنياهو بتغييرات جذرية، بينما يروج الشقاق والسخرية بيننا وبعد فترة نهدأ وتقر أعيننا انتظاراً للحلقة المقبلة من صراع يصوغ حاضرنا ومستقبلنا بالدم والمال، وبالتأكيد ليس كتلك البرامج المعدة مسبقاً.