تودي خمور مغشوشة جرى تصنيعها محلياً في الكويت بحياة بعض من يشربونها، إذ يجري استخدام مواد سامة مثل الميثانول والإيثيلين جلايكول وأيزو بروبايل الكحول، وتعبئة زجاجات مقلدة باعتبارها أصلية مهربة، تحايلاً على حظر قانوني.
- يرصد الطبيب الكويتي عبد اللطيف العومي، أخصائي طب الطوارئ في المستشفى الأميري الحكومي، خلال فترة مناوبته توافد حالات مصابة بأعراض التسمم الكحولي نتيجة تعاطي خمور مغشوشة تصنع محليا بالكويت، قد تحتوي على مواد سامة مثل الميثانول والإيثيلين جلايكول وإيزو بروبايل الكحول غير الصالحة للاستخدام الآدمي، كما يوضح العومي.
ويعد الميثانول (مركب هيدروكربوني يتألف من الكربون والهيدروجين والأكسجين)، أخطر تلك المواد، كما يشرح العومي، موضحا أن الجهاز الهضمي يمتصه بسرعة، ويؤدي إلى نتائج خطيرة كونه مادة سامة للجهاز العصبي، ما يؤدي إلى عمى تدريجي مؤقت قد يتحول إلى دائم في حال عدم إسعاف المتعاطي في الوقت اللازم نتيجة تراكم حمض الفورميك الذي يسبب تلف شبكية العين، كما يؤدي إلى تلف الدماغ وفشل الدورة الدموية نتيجة ارتفاع نسبة الأحماض في الدم، وصولا إلى الفشل الكلوي في حال عدم معالجة المصاب خلال فترة ما بين 3 أو 4 ساعات.
ويكفي ما بين 20 إلى 30 مليلترا لإحداث الأضرار السابقة، كما قد تتسبب 100 مليلتر بقتل شاربها، كما يوضح الطبيب العومي، الذي رأس اللجنة المنظمة لمؤتمر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لطب السموم في عام 2019.
زجاجات قاتلة
أصابت بعض الأعراض السابقة والتي شرحها الطبيب العومي الكويتي أحمد فيصل (اسم مستعار للحفاظ على خصوصيته)، إذ عانى في يونيو/ حزيران 2021 من العمى المؤقت والفشل الكلوي، بعدما شرب كحولا مغشوشا تم وضعه في عبوة تشبه الأصلية، كما قال لـ"العربي الجديد".
وحصل فيصل ورفاقه على المشروبات من تاجر يتعامل مع معمل بدائي للتصنيع في الصليبية بمحافظة الجهراء، شمال غربي الكويت، وخلال عام 2021 ضبطت أجهزة الأمن الكويتية 48 معملا بدائيا لتصنيع الخمور المغشوشة، كما يقول لواء في قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية الكويتية (فضل عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث في الإعلام)، مضيفا في إفادته لـ"العربي الجديد": "ضبطنا وافدين من العمالة الآسيوية في أماكن التصنيع واحتوت على كميات خمور مغشوشة ومقلدة، وأدوات تصنيع وتعبئة، عبارة عن أغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي وكميات كبيرة من مواد كيميائية مسكرة".
ويقول الدكتور العومي إن المواد المستخدمة في عمليات التصنيع تكون بالغالب رديئة جدا وشديدة السمية، وهو ما تؤكده الدكتورة ماجدة الصالح، التي تعمل في قسم الباطنية في مستشفى مبارك الكبير، موضحة أن خطورة هذه المواد تتمثل في أنها تفتك بالمتعاطين بسرعة قد تجعل إنقاذهم صعبا، خاصة أن بعض المشروبات الكحولية المغشوشة التي تم ضبطها تبين بعد تحليلها وجود نسب أكبر بـ400 مرة من المسموح بها للميثانول.
وبينما كان فيصل محظوظا بسرعة نقله إلى المشفى وإسعافه، لكن 5 كويتيين آخرين فقدوا حياتهم بمحافظة الجهراء، شمال الكويت، في منتصف يوليو/ تموز 2020، وأصيب 5 من رفاقهم بتداعيات متنوعة نتيجة التسمم الكحولي، حتى أن أحدهم صار يعاني من العمى التام، وكشفت محاضر التحقيق أنهم اشتروا خمورا من تاجر صنعها عبر شراء الميثانول من محلات العطور، وخلطه مع الماء، مع إضافة نكهة صناعية، ما حدا بالنيابة العامة إلى توجيه تهمة القتل بالخطأ والاتجار بالخمور له.
حظر قانوني
يقر بائع خمور محلية في منطقة الصليبية (طلب إخفاء هويته للموافقة على الحديث)، بأن الزجاجات التي يحصل عليها تأتي من معامل صغيرة، تقام في بعض المناطق العشوائية، مثل جليب الشيوخ، وبإشراف عمال مقيمين، وتابع بقوله: "لا أعرف ماذا يجري خلال عملية التصنيع ولست مسؤولا عنه".
ويحظر القانون الكويتي في المادة 206 من القانون 46 لعام 1964 استيراد المواد المسكرة وتوريدها، وتنص أحكام المادة 206 من القانون 46 لعام 1964 على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 10 سنوات كل شخص جلب أو استورد أو صنع بقصد الاتجار خمراً أو شراباً مسكراً، كذلك فإن الخروج في مكان عام في وضع "سُكْر بيِّن" يعد جريمة يعاقب عليها القانون، لكن في حال أدت تلك المواد إلى وفاة المتعاطي توجه النيابة العامة تهمة القتل الخطأ لمن يروجها ويصنعها.
يحظر القانون الكويتي استيراد المواد المسكرة وتصنيعها
وتواجه الكويت خطرا آخر، بحسب مصادر التحقيق الأمنية، إذ تهرب الخمور عبر طرق مختلفة، من بينها على سبيل المثال ما جرى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي داخل حاوية في ميناء الشويخ احتوت على أجهزة حاسب آلي، بقيت مدة تجاوزت الـ90 يوماً دون أن يتقدم أحد لتسلمها، فاتخذت الإدارة العامة للجمارك الإجراءات القانونية لفضها، وبعد إخضاعها للتفتيش تبين إخفاء 6 زجاجات خمر داخل كل جهاز، وبحصر الكمية المهربة، تبين أنها تبلغ 3600 زجاجة، كما ضبطت حاوية أوان منزلية في إبريل/ نيسان الماضي، احتوت على 14720 زجاجة خمر.
358 قضية تصنيع خمور في الكويت خلال عام 2021
في المقابل، كشف الأمن الكويتي 358 قضية تصنيع خمور محليا في عام 2021، بحسب ما يؤكده اللواء في قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية، قائلا إن "الأجهزة الأمنية تلاحق باستمرار عصابات تصنيع الخمور وترويجها، رغم محاولاتهم الهروب من الشبهات عبر استئجار منازل سكنية في مناطق بعيدة لتحويلها إلى معامل تصنيع، لكن قوات الأمن وأجهزة وزارة الداخلية تعتمد على مصادر سرية للوصول إليهم ومنعهم من تصنيع وبيع منتجهم السام"، ومن بين أكبر القضايا مصادرة 4 آلاف جركل خمر (يحتوي الواحد على 50 لترا)، حسب إفادة مصدر أمني آخر (رفض الكشف عن هويته)، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أحد المصانع الذي داهمته الأجهزة الأمنية في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021 في منطقة الصليبية، بإداره عسكري كان يعمل في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، ويعاونه عاملان من الجنسية النيبالية، وتمت إحالتهم إلى المحاكمة.
ما هي أعراض التسمم الكحولي؟
تبدأ أعراض التسمم الكحولي بالظهور على شكل صداع ودوار وغثيان وقيء وتسارع ضربات القلب ويتوقف الأمر على كمية ونسبة الميثانول التي تدخل إلى الدم، حسبما يقول الدكتور العومي لـ"العربي الجديد"، وتسجل عيادات الطوارئ العامة في مستشفيات الكويت حالات عمى متفاوتة الشدة، نتيجة تعاطي الخمور المغشوشة، وفق ما لاحظته الدكتورة فاطمة المطيري، طبيبة الطوارئ في مستشفى مبارك الكبير الحكومي، والذي استقبل في احتفالات رأس السنة للعام الجاري 15 حالة تسمم بالخمور المغشوشة، جلهم من الجنسيتين الفيليبينية والهندية، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن مستشفى الفروانية الحكومي والذي عملت فيه خلال عام 2020، كان يستقبل حوالي 7 حالات أسبوعيا، أغلبهم عمال من جنسيات آسيوية، وبعض المراهقين الكويتيين أو البدون.
وتابعت أنه "يتم إحضار متعاطي الكحول المغشوش إلى الطوارئ وهم في حالة اضطراب الوعي وعندما تجري لهم الفحوصات اللازمة، يجد الأطباء درجة حموضة الدم زائدة عن النسبة الطبيعية وهي (7.35 – 7.45 درجة)".
بشكل عام، فإن "أي شخص يستهلك مقادير تقدر بخمسة كؤوس من الكحول للرجال وأربعة للمرأة (ما بين 45 مليلترا و150 مليلترا حسب نوع المشروبات) بسرعة عالية يكون عرضة لخطر التسمم الكحولي على الأرجح، بسبب ارتفاع تركيز الكحول في الدم (BAC,Blood alcohol content) إلى 08.0% أو أكثر، وفق ما جاء على موقع المعهد الوطني الأميركي لمعاقرة الكحول وإدمانه، والذي يؤكد أن الحالة المهددة بالموت تراوح زيادة تركيز الكحول في دمها بين 0.31 و0.45%، نتيجة لتثبيط وظائف الحياة الأساسية، بينما يؤدي تركيز ما بين 0.16 و0.30% إلى اعتلال في النطق وفقدان الذاكرة المؤقت والقيء وغيره من علامات التسمم الكحولي الشائعة وصولا إلى فقدان الوعي.
الحاجة إلى مركز لطب السموم
من أخطار التسمم الكحولي المحتملة اختناق الشخص بالقيء، إذ قد تعطّل مستویات الكحول المرتفعة جدا إشارات المخ التي تتحكم في الاستجابات التلقائیة مثل ردّ فعل التھوّع (انقباض عضلات البطن المتكررة والتي تتسبب في تفريغ محتوى المعدة) وفي غیاب ردّ الفعل هذا، يتعرض من یشرب لدرجة فقدان الوعي إلى خطر الاختناق بالقيء والموت نتیجة لنقص الأكسجین (أي انعدام التنفس)، وحتى لو بقي الشخص على قید الحیاة، فمن المحتمل أن یؤدي التسمم الكحولي إلى ضرر دائم في المخ، بحسب ما يوضحه موقع المعهد الوطني الأميركي لمعاقرة الكحول وإدمانه.
ويتحول الميثانول إلى حمض الفورميك، وهي المادة الموجودة في سم النمل، ويصل إلى أعلى معدل له في الدم بعد نصف ساعة، ويعتمد ذلك على وجود الطعام في المعدة من عدمه، وقد يحدث التسمم في فترة تراوح ما بين 6 ساعات وحتى 3 أيام، وخلال هذه الفترة قد لا يشتكي الشخص من أي أعراض سمية، ويكمن علاج الأضرار الصحية الناتجة عن الكحول المغشوش في غسيل الكلى بأسرع وقت ممكن شرط أن يتم الأمر في وقت قريب من الاستهلاك، وأثناء انتظار عملية الغسيل، يتم إعطاء المريض مادة الإيثانول، كما تقول الدكتورة المطيري.
لكن عدم وجود مراكز متخصصة لمعالجة المتضررين يؤدي إلى تفاقم المشكلة، بحسب مصادر التحقيق، بينما يقول الدكتور العومي إن البلاد على وشك افتتاح مركز لطب السموم في الكويت، وسيعمل على معالجة الحالات المستعصية التي تدمرت حياتها بسبب تناول المشروبات الكحولية، وتابع: "سيعمل مركز السموم على إعطاء الإرشادات للأطباء في التعامل مع حالات التسمم الكحولي وتوفير العقارات المضادة ومن ثم متابعة هذه الحالات، وفي المستقبل سيعد إحصائيات حول القضية تتناول مختلف تطوراتها".