تزايدت محاولات النصب عبر عروض عمل وهمية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب تداعيات فيروس كورونا على سوق العمل في الجزائر، إذ يقع عاطلون ضحايا لمحتالين يسلبونهم مبالغ مالية مقابل وعود بالتدريب من أجل التوظيف.
- نجا الثلاثيني الجزائري عصام مبخوت من محاولة احتيال بعد تفاعله مع إعلان توظيف بموقع "واد كنيس" الإلكتروني، في 19 أغسطس/آب الماضي، إذ ادعى المعلن أن شركة طيران "طاسيلي" الحكومية المملوكة للمجمع النفطي سوناطراك تبحث عن مضيفين.
سريعا أرسل مبخوت طلب توظيف وسيرته الذاتية إلى البريد الإلكتروني المنشور أسفل الإعلان، وجاء الرد مباشرة في اليوم التالي بعد أقل من 24 ساعة من إيداع الطلب، وتلقى اتصالا هاتفيا يعده بتوظيفه دون إجراء مسابقة أو مقابلة بعد تلقي تدريب لمدة 21 يوما في مدرسة خاصة بالشركة في منطقة حيدرة أعالي العاصمة، ما أثار اندهاشه.
لكن تفاؤله ودهشته سرعان ما انتهيا بعدما طلب صاحب الإعلان تحويل مبلغ 30 ألف دينار(214 دولارأميركي) إلى حساب بريدي باعتبارها أجور التكوين، ما دفعه للاتصال بالشركة وبالفعل تأكدت شكوكه، إذ نفت موظفة الاستعلام وجود أي مسابقة للتوظيف أو برنامج للتكوين، ليتجه إلى جمعية حماية المستهلك ويبلغها بمحاولة الاحتيال، واستطرد بالقول: "لم أبلغ الأمن لأني لم أدفع دينارا واحدا للمعني".
وإلى جانب قضية مبخوت تلقت الجمعية 48 شكوى مشابهة خلال العام الماضي كما يقول رئيسها مصطفى زبدي لـ"العربي الجديد"، كما تلقت خلية الاتصال على مستوى المديرية العامة للأمن الوطني شكوى تتعلق بقضية تكوين جامعي في الخارج راح ضحيتها طلبة جزائريين، وتورط فيها 13 شخصا وتمت إحالتها إلى القضاء، في حين يتم حاليا التحقيق في 5 قضايا أخرى تتعلق بالتوظيف الوهمي، بينما يكشف رياض طنكة، رئيس الاتحاد الوطني للمستثمرين الشباب (منظمة مستقلة)، عن تسجيل 5 تجاوزات من هذا النوع خلال العام الماضي، إذ أجر أشخاص عتاد مقاولين من أعضاء الاتحاد، وتبين أنهم يستغلونه في ادعاء تأسيس شركة وتوظيف شباب فيها، ومن ثم ينهبون أموال الباحثين عن عمل، كما نهب بعضهم العتاد، ولم يعده للمقاول الأمر الذي أدى بهم إلى إيداع شكوى لدى مصالح الأمن.
الفئات المستهدفة بالاحتيال
يؤكد زبدي أن معظم ضحايا التوظيف الوهمي لا يبلغون الأمن بسبب عدم وجود إثبات يمكنهم من استرجاع حقوقهم، أي المبالغ المالية التي يودعونها للحصول على التكوين أو التوظيف الوهميين.
وتعد قطاعات الخدمات والتجارة والصناعة والبناء والأشغال العمومية، الأكثر استهدافا من قبل المحتالين كما يقول لؤي جعفر مؤسس ومدير موقع أمبلواتيك Emploitic للتوظيف عبر الإنترنت (معتمد من الدولة)، ويتعلق الأمر بكون هذه القطاعات توفر أكبر عدد من فرص العمل في الجزائر.
تداعيات كورونا على سوق العمل زادت محاولات الاحتيال على العاطلين
ويؤيد طنكة ما قاله جعفر مشيرا إلى انتشار إعلانات الوظائف في ظل غياب الرقابة، بالتوازي مع تزايد أعداد الباحثين عن عمل إذ بلغت نسبة البطالة 12 بالمائة خلال عام 2021 خاصة بين خريجي الجامعات والمعاهد أو المهتمين بالأعمال التجارية الحرة، وهي الفئات الأكثر استهدافا من قبل "الشركات الوهمية".
وتبدو خطورة المشكلة التي تفاعلت معها لجنة الصحة والعمل بالمجلس الشعبي الوطني "الغرفة السفلى للبرلمان"، وفقا لرئيسها علي ربيج، إذ رصدت 20 صفحة وموقعا إلكترونيا تنشر إعلانات توظيف كاذبة تم التبليغ عنها وأغلقت، مرجعا ارتفاع نسبة الاحتيال إلى قلة إبلاغ الضحايا مصالح الأمن أو حتى وزارة العمل.
ويضيف في إفادة لـ"العربي الجديد": "باشرنا مع ممثلين عن لجنة العمل، حملة توعية وتحذير في خرجات ميدانية للولايات وفتحنا حديثا مباشرا مع الباحثين عن عمل وحذرنا من اللجوء إلى مواقع أو جهات غير رسمية"، وتابع قائلا: "على الجميع الحيطة والحذر والابتعاد عن عروض العمل غير واضحة المصدر".
كيف يقع التحايل؟
يستغل المحتالون أسماء شركات كبرى لاستقطاب الشباب مثل سوناطراك ومؤسسات وطنية معروفة وحتى شركات تنشط في الخارج ذات سمعة عالمية للإيقاع بضحاياهم كما يقول المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا إبراهيم بهلولي، والذي سبق أن ترافع في 5 قضايا متعلقة بالتوظيف الوهمي بين أعوام 2019 و2022.
ووثقت معدة التحقيق 5 محاولات نصب عبر إعلانات تدريب وتوظيف وهمية منشورة في موقع إلكتروني غير رسمي وصفحة تواصل اجتماعي غير موثقة، ومن بين الضحايا الثلاثيني عبد الرحيم بوشجيرة والذي تعرض لاحتيال من وكالة توظيف مقرها شقة في مركز تجاري يقع شرق العاصمة، إذ اطلع على إعلان منشور على موقع فيسبوك لوكالة تدعي توفير فرص عمل في الخارج لحاملي الشهادات الجامعية العليا، وعقب التواصل معهم أخبروه أنه سيحصل على تدريب في الهندسة الكهربائية بالصين مع ضمان عمل مستقر، في مقابل دفع مبلغ 240 ألف دينار (1422 دولارا)، وبعد تسديد المبلغ تم إبلاغه بأن تفشي كورونا يضطرهم إلى تأجيل التكوين، ليتم غلق المكتب وأبلغه الجيران أنهم انتقلوا إلى مقر جديد بمنطقة برج الكيفان شرق العاصمة، لكنه لم يتمكن من العثور عليهم، حينها أدرك أنه ضحية احتيال، ليقررمقاضاة المعنيين، حيث يتواجد الملف اليوم على طاولة العدالة كما يقول.
يستغل المحتالون أسماء شركات كبرى لاستقطاب الباحثين عن عمل
وتتعلق الحالة الثالثة بذات الوكالة التي وعدت العشريني الجامعي سمير مخربش بتلقي دروس في اللغة الصينية ثم العمل في شركة صينية تستثمر في الجزائر مقابل دفع مبلغ 30 ألف دينار (213 دولارا)، وفعلا حصل على دورة لمدة شهر لكن بعدها لم يتحصل على أي شهادة، كما لم يتم توظيفه حتى أغلقت الوكالة أبوابها، وتابع: "لم أودع شكوى لدى مصالح الأمن لأني لا يتوفر لدي مستحقات المحامي".
أما ياسين حوامد فتعرض للاحتيال بعد أن تواصل مع إعلان منشور على صفحة على فيسبوك باسم "توظيف ومناصب عمل بالجنوب في شركات بترولية"، جاء فيه "للراغبين في الحصول على منصب عمل، أعوان حماية، طباخين، سائقين في شركة سوناطراك التواصل معنا عبر رقم الهاتف الخاص".
وتواصل حوامد مع صاحب الإعلان، خاصة أنه يعاني من البطالة وأب لطفلين، وكان الرد سريعا من طرف شخص حدثه عبر فيسبوك وطلب منه إرسال ملف كامل يضم وثائق شخصية عبر البريد الإلكتروني، وبعد إرسال الملف عاود الاتصال به وطلب منه تحويل مبلغ 35 ألف دينار (248 دولارا)، ثمن تذكرة التنقل والمبيت إلى غاية استكمال عملية التوظيف، وهو ما أثار شكوك الضحية الذي أبلغ مصالح الأمن خوفا من استغلال وثائقه الشخصية لأغراض إجرامية.
بينما أبلغت الثلاثينية أمينة زدام من ولاية قسنطينة شرق البلاد، مصالح الأمن عن زوجها الذي يحتال على أصحاب الشهادات الجامعية الباحثين عن عمل، إذ كان يقنع الضحايا بأنه يؤسس شركة جديدة، وبحاجة إلى موظفين ويطلب منهم إحضار كافة الوثائق الإدارية إضافة إلى الشهادة وتسديد مبلغ التكوين بقيمة 20 ألف دينار (142 دولارا)، ليختفي بمجرد تحويل المال من الصورة ويغير رقم هاتفه.
الفرق بين العروض الحقيقية والوهمية
تزايدت العروض الوهمية حسب مدير موقع "أمبلواتيك" خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أي فترة كورونا في ظل ارتفاع نسبة البطالة وقلة عروض العمل في الجزائر، ما يدفع بالكثيرين إلى الانسياق وراء إعلانات وصفحات التواصل الاجتماعي دون التيقن من مصداقيتها، ويضيف: "على مستوى موقعنا نطلب بيانات ووثائق صاحب إعلان التوظيف ونتحرى عنها قبل النشر"، مضيفا: "خلال النصف الأول من العام الماضي نشرنا 19 ألف عرض عمل تم إدراجها في الموقع، وكلها حقيقية، وأبرمنا عقد شراكة مع الوكالة الوطنية للتشغيل".
و"يمكن التمييز بين العرض الحقيقي والوهمي من خلال البحث عن مصداقية المواقع الإلكترونية المنشورة فيها، أو صفحة موقع التواصل التي نشرت الإعلان" كما يقول المحامي بهلولي ومدير موقع "أمبلواتيك" جعفر والذي لفت إلى أن كل المؤسسات التي تنشر عروض عمل ملزمة بتقديم إثباتات منها معلومات رسمية حول نشاطها، وعنوان مقرها، ودفتر النشاط التجاري، وأوراق إدارية تثبت أن النشاط الذي تقوم به المؤسسة أو الشركة معتمد من طرف الدولة إضافة إلى مبلغ مالي لنشر العرض يبدأ من 200 ألف دينار (1422 دولارا).
وجرى تسجيل محاولتين لاستغلال اسم الوكالة الوطنية للتشغيل المنضوية تحت وزارة العمل، ما دفعها إلى التحذير من الأمر، وتقول ليلى مراد، المكلفة بالإعلام في الوكالة: "لدينا موقع خاص وأي إعلان يخص التوظيف تنشره الوكالة عبر موقعها الرسمي، وما عدا ذلك فهو تحايل ويتم متابعة المتورطين قضائيا".
ثغرة قانونية
يتحدث المحامي بهلولي عن ثغرة قانونية في متابعة إعلانات التوظيف الوهمية التي صنفها في خانة الجريمة الالكترونية بسبب غياب آليات الرقابة، ويتعلق الأمر بضعف مراقبة المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، التي تظل بحاجة لقانون ينظم عملها ويؤطر الإشهار على مستواها.
أما بالنسبة للأحكام القانونية في حال إثبات الاحتيال، فإن هذه القضايا تصنف في خانة النصب والاحتيال على الأفراد واستعمال طرق احتيالية لسلب مال الغير جزئيا أو كليا ومن الأساليب المعتمدة إيهام أشخاص بوظيفة أو سفر أو مبلغ مالي أو أرباح أو جائزة، وتطبق في هذه الحالة، وفق المحامي بهلولي، المادة 372 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص على "السجن من عام حتى 5 أعوام لأي شخص حصل على أوراق أو مستندات أو أموال بطريقة النصب والاحتيال وغرامة مالية تتراوح بين 5000 (36 دولارا) و20000 دينار (142 دولارا)".