"أميريكان مايد"... خليط ناجح من شخصيات توم كروز

17 سبتمبر 2017
يؤدي كروز شخصية باري سيل (يوتيوب)
+ الخط -
طوال السنوات العشر الماضية، حاول الممثل توم كروز أن يخلق خلطة سينمائية تعيد له شيئاً من بريق نجوميته الآفلة، فعاود مراراً تكرار ما سبق أن أحبه فيه الجمهور، ما جعله النجم الأميركي الأنجح خلال التسعينيات. ولا شيء أدل على ذلك من تمسكه بسلسلة "مهمة مستحيلة" التي يُنتج جزأها السادس حالياً، أو في طبيعة المشاريع التي يُقبل عليها وتبدو دائماً كأنها نسخة عن عملٍ أو شخصية سبق أن قدمها. يفشل كروز أغلب الوقت في ملامسة النجاح الذي يريده، ولكنه كان واحداً من الاستثناءات القليلة الناجحة خلال تلك الفترة هو فيلم Edge of Tomorrow عام 2014 مع المخرج دوغ ليمان، ولذلك لم يكن غريباً أن يعاود التعاون معه مرة أخرى في فيلمه الجديد "أميريكان مايد" American Made، الذي يمكن اعتباره هو الآخر استثناءً ناجحاً. 

الفيلم مقتبس من قصة حقيقية جرت بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويقدم معالجة مختلفة ومميزة لقصة باري سيل، الطيار الأميركي في شركة "تي دبليو إيه"، والذي تنجح الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" في تجنيده من أجل بعض المهمات الخاصة في أميركا اللاتينية، استغلالاً لمهارته الفائقة كطيار قادر على تصوير بعض الأهداف السياسية، وأثناء ذلك تتعقد الأمور أكثر حين تتواصل معه إحدى عصابات المخدرات الكولومبية. وبسبب طموحات سيل غير المحدودة، يقبل بالفعل التعاون معها في تهريب الكوكايين إلى داخل أميركا. ووسط عالمين جنونيين وأطراف عديدة متصارعة يحاول النجاة وتضخيم ثروته.

لا يمر الكثير من الوقت قبل أن يكتشف المتفرج عوامل جذب شخصية باري سيل بالنسبة لكروز، وخليط شخصياته السابقة التي يجمعها داخله. فهو طيار ماهر جداً، كشخصية "مافريك" الأثيرة التي أطلقت شهرة كروز في Top Gun والتي سيعيد تقديمها في جزءٍ ثانٍ من الفيلم نفسه (كتأكيد على فكرة التاجر الذي يحاول العودة للدفاتر القديمة). ويحمل سيل هنا بعضاً من خصائصها، سواء في التمكن أو الغرور، كذلك يستخدم تلك الطاقة المتحمسة والقدرة على المفاوضة والتلاعب مثلما كان "جيري مجواير" في فيلمه الناجح الذي حمل الاسم نفسه ورشح عنه للأوسكار، مع بعض لحظات الحركة والركض والرصاص والصراع والأجواء المخابراتية، حتى لو بشكل ساخر، مثل "إيثان هانت" في "مهمة مستحيلة". وما يجعل تلك الخلطة ناجحة وفعالة بل ومألوفة ومفيدة بالنسبة للفيلم على عكس تجارب أخرى له، هو وجود مخرج يجيد استغلال بطله من وراء الكاميرا كما يفعل دوغ ليمان هنا، والذي يضع كروز في بؤرة الصورة ويجعله في أكثر أوقاته توهجاً منذ وقت طويل.

ليمان هنا يظهر متأثراً بمارتن سكورسيزي في فيلم The Wolf of Wall Street الذي أخرجه عام 2013. كِلا الفيلمين عن قصة حقيقية لرجلين طموحين في عالمٍ خطير، وكلا المخرجين يستخدم إيقاعاً لاهثاً ومونتاجاً مجنوناً و"كاريزما" نجم جماهيري لتقديم بطل غير أخلاقي ولكنه قادر على جذب تعاطف المشاهد. ويستفيد من هذا التأثر لخلق معالجة ذكية ومختلفة لفيلمه، في الوقت الذي تحتمل فيه قصة American Made أن تقدم بشكل درامي، بل وربما مأساوي.

وفي الوقت الذي تحتمل أيضاً أن تكون قصة مخابرات غامضة، أو حتى تستنسخ مسلسل "ناركوس" الناجح لتقديم الأجواء المكانية والزمانية نفسها في فيلم سينمائي، فإن ليمان يسلك خيار المعالجة الكوميدية الخفيفة، صانعاً رؤية ساخرة جداً تقوم في جوهرها على أن كل أبطال القصة، ورغم خطورتهم وقدراتهم، هم مجموعة من الحمقى. ولذلك فإنّ رجلاً طامعاً محدوداً ذو حياة أسرية ثمانينية تقليدية كباري سيل استطاع خداعهم جميعاً والخروج سالماً. وهذا التناقض بين "خطورة العالم" و"حماقة القائمين عليه" تم تقديمه بذكاء شديد، ومعالجته إخراجياً بموهبة واضحة من ليمان، بحيث لا يفقد الأحداث الحقيقية جديتها، ولا يحول الأمر كاملاً لشيء هزلي لا يمس المشاهد. لتكون النتيجة هي فيلم جيد وخفيف الظل بشدة، يظهر فيه كروز بأفضل صورة سينمائية له منذ زمن، وتنجح أخيراً الخلطة التي يحاول بها إعادة شخصياته الناجحة، لأن المعالجة والمخرج سانداه إلى أقصى مدى في تلك المرة.



دلالات
المساهمون