ستار المخيم: مواهب فنية فلسطينية عبر فيسبوك

14 يناير 2019
فرقة "47 سول" الفلسطينية (Getty)
+ الخط -
جملة من التحديات والعقبات فرضت على الفلسطينيين بعد نزوحهم ولجوئهم إلى البلدان العربية والغربية، كانت كفيلة بجعلهم قادرين على خطف موطئ قدم لهم من خلال مواهبهم وقدراتهم الفنية والثقافية، بما يخدم قضيتهم ورسالتهم المشبّعة بثقافة شعب لا تسقط ثقافته وبنيته الفنية بفعل التقادم. 

ومع انتشار خدمات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي فسحت المجال لظهور عديد من الأسماء والفرق من الداخل الفلسطيني ومن الخارج، تحمل في جعبتها روحاً فنية متأصلة من حيث ذاكرته ونضاله وتراثه من جهة، ومتجددة وعصرية تواكب الركب الحديث من حيث الصيغة والأسلوب والأداء جعلت منه محط أنظار العالم أجمعه، أمثال: أحمد دحبور، سميح القاسم، محمود درويش، سناء موسى، محمد عساف، فرقة "الأصايل"، فرقة "47 سول"، ثلاثي جبران، فرقة "درج تيم" وفرقة "دمار (راب)"، و"تر باند"، من جهة أخرى.

إلا أن حدثًا فنيًا فريداً من نوعه، ولو كان مستهلكًا من الناحية الشكلية، ظهر مؤخرًا في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، وعلى وجه التحديد مخيم شاتيلا وسط العاصمة اللبنانية بيروت، حيث انطلق منذ ما يربو على ثلاثة أشهر برنامج مسابقات تحت عنوان "ستار المخيم"، وهو أول برنامج فني للمواهب الفلسطينية، غير متلفز، يعتمد في دعايته على صفحة فيسبوك وقناة يوتيوب خاصتين، وهو مدعوم من قبل مشروع الشباب الفلسطيني، وفرقة "ناي" للفنون بالتعاون مع جمعية "أحلام لاجئ".

وإن كان البرنامج يشبه في مضمونه بعض البرامج والمسابقات الفنية المستوردة على شاشات التلفاز، مثل "ستار العرب" و"ذا فويس" و"أرب غوت تالنت" و"أرب أيدول" و"ذا فويس كيدز"، إلا أنه يمكن اعتباره باكورة فنية عصرية استهدفت بداية أبناء مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، على أمل حصد النتائج المرجوة لمشتركيه، وتحقيق النجاح الذي يخدم توقعاته، في استمرار التقدم نحو مواسم أخرى، يحقق من خلالها هدفه الثاني في الانتشار، ليطاول مواهب أبناء بقية المخيمات الفلسطينية الأخرى الموجودة في لبنان. لم يكون متوقعًا في البداية أن يتجاوز عدد المتقدمين للبرنامج أكثر من عشرة أشخاص، إلا أن الأمر فاق التوقعات وقد تقدم للمشاركة أكثر من مائة مشترك من كلا الجنسين من مخيم واحد. اختارت لجنة التحكيم من بينهم 36 موهبة مختلفة موزعة ما بين غناء وشعر وعزف ورقص بعد المراحل التمهيدية، ليتأهل منهم 25 مشتركًا للعروض المباشرة. فيما ستحدد أسماء الفائزين بالمسابقة عبر حفل ختامي، سيُعْرَض خلال الأيام المقبلة من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري على أحد مسارح بيروت.

يسعى "ستار المخيم"، عبر بيئة صغيرة مهمّشة لا تتمتع حتى بدرجة متوسطة من درجات العيش والحياة الخدماتية، إلى إيجاد مشهد فني حضاري، ضمن إمكانات محدودة وضئيلة، تتفاوت فيه درجة الخدمات اللوجستية المقدمة بشكل كبير وملحوظ، إذا ما قورن ببقية البرامج الشهيرة الفاخرة، حيث الإقامة الفنية الشاملة في المأكل والمكان، والرعاية الفنية الممتازة التي تقدم لمشتركيها، فضلًا عن الكثير من المزايا التي تقدمها الجهات الراعية لتلك البرامج بالتعاون مع أسماء كبيرة من منتجين وشركات إنتاج في تبنّي الأسماء الرابحة. إضافة للحفلات والجوائز والمهرجانات التي تدعم مسيرة المشتركين في حياتهم الفنية اللاحقة. فبرنامج كهذا قد ولد من رحم المعاناة، بسيط في أدواته وخدماته، غنيٌ بفكرته وموهبة مشتركيه، ويزرع، ولا بد، بصمة أمل كبيرة ستثمر لاحقًا، شأنه شأن العديد من الأسماء الفلسطينية التي لمعت أضواؤها في الأوساط الفنية المحلية أو العالمية حتى، أمثال جهاد عقل، رواد رعد، أشرف الشولي، مصطفى زمزم وغيرهم، ويؤكد في مضمونه "على كسر الصورة النمطية المتعارف عليها لدى الكثيرين، حول ماهية المخيمات الفلسطينية، لما يرون فيها من بؤرة للفساد والقتل والترهيب"، بحسب ما أورد، وليد معروف، نائب مدير المشروع، وأحد أعضاء لجنة التحكيم في البرنامج، في أحد التصريحات الصحافية. وهي رغبة القيمين على البرنامج كذلك في إيصال الصورة الصحيحة والسليمة عن أهالي وأبناء المخيمات الفلسطينية من الناحية الاجتماعية والثقافية، وتشجيعهم في استغلال مواهبهم، وإخراجها خارج حدود المخيمات التي تعاني الحصار والوضع المعيشي الصعب.

يشرف البرنامج في موسمه الأول على النهاية، ولذلك وجب إلقاء الضوء على بعض الأسئلة التي لا بد أنها ستثير في الأيام المقبلة بعض البلبلة، نظرًا لما اعتاد عليه المشهد الفني والثقافي الفلسطيني من ضغوطات وصعوبات تواجهها عادة أمام ضعف إمكانات المؤسسات الريعية الصغيرة بسبب ضخامة المنتجات الفنية المطروحة من ناحية، وعدم تمتع الفنانين بوضع مهني حقيقي، ولا بضمانات اجتماعية قانونية تخولهم ممارسة مهنتهم بكامل الحرية من ناحية أخرى. فما هو مصير القادمين من الفنانين الشباب في رحلتهم الفنية المقبلة؟. ربما قد يشكل "ستار المخيم" حالة تنافسية في المواسم المقبلة، ما قد يثير حالة من القلق بين الأوساط المهيمنة على الساحة الفنية اللبنانية، فهل سيبقى البرنامج في حالة من الثبات في حال نجاحه وحصده النتائج المرضية في المواسم المقبلة؟

لا يعد "ستار المخيم" مجرد برنامج يتيح فرصة كبيرة لأطفال وشباب المخيمات الفلسطينية وحسب، بل هو صوت مقبل سيتردد صداه في جميع أنحاء لبنان والعالم العربي في حال لقي المشاركة والدعم المناسبين، خصوصاً من الجهات الثقافية والسياسية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.







المساهمون