11 عاماً بين بولا شفيق ونادية لطفي

04 فبراير 2020
"سلطان" كان فيلمها الأول (فيسبوك)
+ الخط -
حتى منتصف الخمسينيات كانت بولا شفيق مجرد مراهقة مصرية بملامح أجنبية شقراء. أحبت الفتاة الجميلة السينما، والموسيقى، والأدب، والرسم من دون أي طموح كبير بدخول عالم الفن، فتزوّجت باكراً في العشرين من عمرها بهدف تكوين أسرة.

الصدفة وحدها جعلتها تقابل المنتج رمسيس نجيب في أحد نوادي القاهرة. انجذب هذا الأخير لملامحها منذ الوهلة الأولى، فعرض عليها أن تشارك في فيلمه الجديد "سلطان" (1958) من بطولة فريد شوقي، ووافقت من باب التجربة. ومع اقتراب عرض الفيلم، رأى نجيب أن اسم بولا شفيق سيكون غريباً على اللسان، فاقترح عليها أن يمنحها اسم بطلة روايتها المفضلة "لا أنام" للكاتب إحسان عبد القدوس، منذ تلك اللحظة خرجت نادية لطفي إلى العالم.



نجح فيلم "سلطان"، ونجحت معه لطفي، التي كانت حينها وجهاً جديداً على الجمهور. ملامحها الشابة والبريئة قادتها إلى أدوار كثيرة أمام وجوه أخرى شابة مثل أحمد رمزي، وعمر الشريف، وشكري سرحان، لتجسد دور الحبيبة أو الابنة في أفلام ناجحة مثل "حب إلى الأبد" مع يوسف شاهين (1958)، و"السبع بنات" أمام زميلتها الشابة سعاد حسني (1961)، و"لا تطفئ الشمس" مع صلاح أبو سيف (1961)، وصولاً لنجاحٍ أكبر في فيلم "الخطايا" (1962) من إخراج حسن الإمام، وأمام عبد الحليم حافظ في ذروة نجاحه السينمائي.

بعد تلك المرحلة بدأت لطفي، الفتاة المثقفة التي تحمل وجهة نظر في الفن والسينما، مرحلة أكثر ثقلاً من مسيرتها. تبنّت في بعضها روايات من أجل تحويلها إلى أعمالٍ سينمائية وأهمها دورها الفارق في فيلم "النظارة السوداء" (1963) عن رواية إحسان عبد القدوس، أو حتى أدوار أصغر في فيلمي "قصر الشوق" (1966)، و"السمان والخريف" (1967) نظراً لإيمانها بأهمية روايتي نجيب محفوظ.

مقابل النجاح الجماهيري، بقيت لطفي مصرة على المشاركة في أفلام آمنت بأهميتها الفنية، رغم عدم شعبيتها عند الجمهور.
نذكر على سبيل المثال فيلم "الناصر صلاح الدين" مع يوسف شاهين من جديد (1963)، أو "الخائنة" مع المخرج الكبير كمال الشيخ (1965)، وفيلم "المستحيل" (1965) للمخرج الشاب حينها حسين كمال.

ومع نهاية الستينيات قدمت لطفي فيلمين مختلفين تماماً عام 1969؛ الأول فيلم هو "أبي فوق الشجرة" أمام عبد الحليم حافظ وإخراج حسين كمال الذي قرر تقديم فيلم جماهيري أصبح الأكثر نجاحاً في تاريخ السينما المصرية وقت عرضه. أما الفيلم الثاني فهو دورها الصغير والأيقوني في فيلم "المومياء"، العمل الوحيد الطويل للمخرج شادي عبد السلام، الذي يوضع دائماً في المراكز الأولى في قوائم أفضل أفلام السينما المصرية أو العربية. ورغم أن دورها فيه كان صامتاً، ولم تظهر إلا في مشاهد قليلة، إلا أنه يعد من أهم أدوارها على الإطلاق.


من الغريب تماماً أن كل تاريخ وأيقونية نادية لطفي وبصمتها الباقية في السينما المصرية صنعت في 11 عاماً فقط، أي منذ أول أدوارها في "سلطان" حتى عام 1969.

بعد ذلك، ومع وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وسحب الدولة يدها من عملية الإنتاج السينمائي، ومرور الصناعة في مصر بتراجع وترنّح حاد أدّيا لسفر أو بطالة أغلب المخرجين والممثلين الكبار، تأثرت أدوار نادية لطفي أيضاً ولم تقدم أي أفلام مهمة أو ناجحة في تلك المرحلة. بل وتغيرت نوعية أدوارها (تأثراً بنجاح "أبي فوق الشجرة" تحديداً) إلى الميل للإغراء كما في "الأخوة الأعداء" (1974) أو "على ورق سيلوفان" (1975)، بشكل أقل كثيراً من إمكانياتها الفنية.

هذا المناخ جعلها تبتعد ببطء عن السينما، وتنشغل في أمور أخرى، بعضها عملي مثل بعض النشاطات السياسية، وبعضها عائلي، لتكتفي بـ4 أفلام فقط خلال الثمانينيات من دون بصمة كبرى تذكر في أي منها، قبل أن يكون آخر أعمالها هو مسلسل "ناس ولاد ناس" (1993)، الذي لم يحقق أي نجاح أو مشاهدة،. وهو ما ساعدها على قرار اعتزال، ظلت عليه حتى رحيلها الهادئ يوم أمس.

المساهمون