"اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو: ميت". هكذا كان يقول ناجي العلي (1937-1987)، وهكذا كان يرسم، وعلى هذا مات. ومع لسانه الحاد ورسوماته اللاذعة، عاش حياته القصيرة ذات الوجه الواحد.
أما صديقه "حنظلة"، ذلك التوقيع الفلسطيني المقاوم الذي ملأ الدنيا تساؤلاً ودهشة وخجلاً فلم يمت، ولم يكبر، ولم يرِنا وجهه حتى الآن. صار حنظلة أيقونة ثورية استمدت حياتها من دماء صاحبها. حنظلة ذو العشرة أعوام هو نفسه ناجي ذو العشرة أعوام حين غادر فلسطين مع أهله إلى مخيم عين الحلوة بعد وقوع فلسطين في قبضة الاحتلال. وقد صار حنظلة جرحاً باتساع الوطن العربي كله، حين عرّف نفسه ذات مرة: "أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش لبناني، مش مصري مش حدا... إلخ، باختصار: معيش هوية، ولا ناوي أتجنّس. محسوبك إنسان عربي وبس".
رصاصة الغدر
في 22 يوليو/ تموز 1987، اقترب منه القاتل في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن، وأطلق على رأسه الرصاص من مسدس كاتم للصوت. وفي 29 أغسطس/ آب 1987، لفظ ناجي العلي أنفاسه الأخيرة، ولم يدفن، كما أوصى، في مخيم "عين الحلوة" الذي نشأ فيه. كانت الحياة قد أجبرته على التنقل كأي فلسطيني مهجّر في أراضي الله، فعاش في الكويت وبيروت ولندن.
كان أول ظهور لحنظلة، ذلك الطفل التائه الذي أدار وجهه وعقد يديه مدهوشاً أو مبهوتاً خلف ظهره على صفحات جريدة السياسة الكويتية سنة 1969، حيث كان يعمل ناجي العلي محرراً ورساماً، بينما يعود ميلاده، كما يقول ناجي، إلى 5 يونيو/ حزيران 1967. وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة، أجاب بأن ذلك سيحدث عندما تصبح الكرامة العربية غير مهدّدة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
وفقاً لناجي العلي؛ فإن حنظلة ولد في العاشرة في عمره، وسيظل دائماً في العاشرة من عمره. ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة، ثم يبدأ في الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء. وأما عن سبب عقد يديه خلف ظهره، يقول: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعاً".
القاتل المجهول
لا يزال القاتل مجهولاً، وإن كانت أصابع الاتهام الأولى تشير إلى الموساد، وليس ثمة فرق كبير إن كانَ إسرائيلياً أصيلاً أم عميلاً، فالنتيجة واحدة. لكن مشاكسات ناجي العلي ومواقفه الصارمة وخصوماته أدخلت جهات أخرى وشخصيات فلسطينية وعربية في دائرة الاتهام؛ فاتهام شاب كان ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، يدعى بشار سمارة، وذِكر اسم رشيدة مهران، المستشارة الثقافية لياسر عرفات، ونقده المستمر لمنظمة التحرير؛ دفع باسم عرفات ليوضع بين قائمة المتهمين. كما ورد اسم المخابرات العراقية في سياق الاتهامات. أيضاً شغل الخلاف بين محمود درويش وناجي العلي، قبيل اغتياله، مساحة في أذهان كثيرين بعدما انتقده الأخير لموقفه الإيجابي من اليسار الإسرائيلي، حتى وصفه ناجي بقوله: "محمود خيبتنا الأخيرة"، إذ لم يقنع ناجي بمبررات صديقه درويش.
اقــرأ أيضاً
أما صديقه "حنظلة"، ذلك التوقيع الفلسطيني المقاوم الذي ملأ الدنيا تساؤلاً ودهشة وخجلاً فلم يمت، ولم يكبر، ولم يرِنا وجهه حتى الآن. صار حنظلة أيقونة ثورية استمدت حياتها من دماء صاحبها. حنظلة ذو العشرة أعوام هو نفسه ناجي ذو العشرة أعوام حين غادر فلسطين مع أهله إلى مخيم عين الحلوة بعد وقوع فلسطين في قبضة الاحتلال. وقد صار حنظلة جرحاً باتساع الوطن العربي كله، حين عرّف نفسه ذات مرة: "أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش لبناني، مش مصري مش حدا... إلخ، باختصار: معيش هوية، ولا ناوي أتجنّس. محسوبك إنسان عربي وبس".
رصاصة الغدر
في 22 يوليو/ تموز 1987، اقترب منه القاتل في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن، وأطلق على رأسه الرصاص من مسدس كاتم للصوت. وفي 29 أغسطس/ آب 1987، لفظ ناجي العلي أنفاسه الأخيرة، ولم يدفن، كما أوصى، في مخيم "عين الحلوة" الذي نشأ فيه. كانت الحياة قد أجبرته على التنقل كأي فلسطيني مهجّر في أراضي الله، فعاش في الكويت وبيروت ولندن.
كان أول ظهور لحنظلة، ذلك الطفل التائه الذي أدار وجهه وعقد يديه مدهوشاً أو مبهوتاً خلف ظهره على صفحات جريدة السياسة الكويتية سنة 1969، حيث كان يعمل ناجي العلي محرراً ورساماً، بينما يعود ميلاده، كما يقول ناجي، إلى 5 يونيو/ حزيران 1967. وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة، أجاب بأن ذلك سيحدث عندما تصبح الكرامة العربية غير مهدّدة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
وفقاً لناجي العلي؛ فإن حنظلة ولد في العاشرة في عمره، وسيظل دائماً في العاشرة من عمره. ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة، ثم يبدأ في الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء. وأما عن سبب عقد يديه خلف ظهره، يقول: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعاً".
القاتل المجهول
لا يزال القاتل مجهولاً، وإن كانت أصابع الاتهام الأولى تشير إلى الموساد، وليس ثمة فرق كبير إن كانَ إسرائيلياً أصيلاً أم عميلاً، فالنتيجة واحدة. لكن مشاكسات ناجي العلي ومواقفه الصارمة وخصوماته أدخلت جهات أخرى وشخصيات فلسطينية وعربية في دائرة الاتهام؛ فاتهام شاب كان ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، يدعى بشار سمارة، وذِكر اسم رشيدة مهران، المستشارة الثقافية لياسر عرفات، ونقده المستمر لمنظمة التحرير؛ دفع باسم عرفات ليوضع بين قائمة المتهمين. كما ورد اسم المخابرات العراقية في سياق الاتهامات. أيضاً شغل الخلاف بين محمود درويش وناجي العلي، قبيل اغتياله، مساحة في أذهان كثيرين بعدما انتقده الأخير لموقفه الإيجابي من اليسار الإسرائيلي، حتى وصفه ناجي بقوله: "محمود خيبتنا الأخيرة"، إذ لم يقنع ناجي بمبررات صديقه درويش.
خصومة بعد الموت
امتدت خصومات ناجي العلي إلى ما بعد موته، لتطاول النظام المصري الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد، وحين صدر فيلم "ناجي العلي" من إخراج عاطف الطيب وبطولة وإنتاج نور الشريف؛ شن عدد من الصحف المصرية حملة منظمة ضد الفيلم، وأوقفت عرضه. وبسبب هذه الحملة عاش نور الشريف أسوأ أيام حياته على حد تعبيره، إذ اتُهم بالخيانة لأنه قام بعمل فيلم عن الرجل الذي يشتم مصر. وقد أوضح نور الشريف حقيقة الحملة حين قال إن ناجي العلي كان يعشق مصر لأبعد الحدود، وهذا ما توضحه رسوماته، ولكن المشكلة تكمن في أنه هاجم السادات عند زيارته القدس، وهاجم اتفاقية كامب ديفيد. يقول ناجي العلي: "لا أفهم هذه المناورات. لا أفهم السياسة. لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية".