بهدف إجراء تعديلاتٍ في البنية التحتية لمنزله، أحضر الفلسطيني عماد أبو جورة (53 عاماً) آلية ثقيلة بدأت بحفر الأرض في قرية هندازة، على بعد بضعة كيلومترات فقط من الجنوب الشرقي لكنيسة المهد وسط مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، ليفاجأ أبو جورة في تاريخ السادس من إبريل/ نيسان الحالي، حينما وصل بالحفر إلى عمق خمسة كيلومترات وعرض ثلاثة أمتارٍ، بمقبرة أثرية تعود إلى العصر البرونزي، أي قبل حوالي 3500 عام قبل الميلاد.
حقبة مفصلية من التاريخ
"توقف توقف.."، هكذا حذّر المواطن الفلسطيني أبو جورة سائق الآلية الذي لو واصل الحفر أكثر، لقضى على تاريخ آلاف السنوات الثمينة في التاريخ الفلسطيني قبل حقبة مفصلية في التاريخ الإنساني وهي "حقبة الميلاد". يقول عماد أبو جورة لـ"العربي الجديد": "منذ صباح السادس من الشهر الحالي، والآلية تعمل قرب منزلي، وأثناء الحفر رأيت فتحة في الأرض المحفورة، أدركت وجود العديد من الفخاريات، وعظاماً بشرية، وأننا أمام اكتشاف مهم، لم أنتظر، لقد قلتها، إنه قبر، وبالفعل كانت مقبرة أثرية، أمسكت هاتفي وأعلمت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية فوراً". ويؤكد أن "تلك الفخاريات المكتشفة في القبر كانت مرتبة بشكلٍ لافت، وعددها كبيرٌ أيضاً". بهذا وصف أبو جورة لحظة الانطباع الأول لرؤية المقبرة.
حضرت شرطة السياحة والآثار ومديرية السياحة والآثار في محافظة بيت لحم إلى المكان بعد تلقيها البلاغ، وبدأت بنقل المرفقات الأثرية في القبر إلى أماكن أكثر أماناً، بعد العمل لساعات قاربت منتصف الليلة نفسها للاكتشاف، حتى يتسنى للخبراء والمختصين تقييم وضع المرفقات ودراستها، بحسب ما تقوله مديرة دائرة السياحة والآثار في محافظة بيت لحم إيمان الطيطي لـ"العربي الجديد". تضيف الطيطي: "لأول مرة في حياتي المهنية أرى مثل هذه المقبرة، وأدرك هذا التنوع والغنى الكبير في المرفقات الأثرية من معدن البرونز بمكاحل ورؤوس السهام والخناجر، وقطع الفخاريات من جِرار كبيرة وصغيرة ومزهريات وزبادي وقطع فخارية وصل عددها إلى 62 قطعة أغلبها كاملة وسليمة، لا سيما الجِرار".
تعود أقدم قطعة أثرية مُكتشفة في المقبرة الأثرية النوعية إلى 3700 عام، وهي كِسرة فُخارية من جرة فخارية، تؤكد الطيطي التي كانت أول الواصلين إلى منطقة الاكتشاف. بينما توضح أن هذا الاكتشاف سيمكن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية من دراسة تاريخ المنطقة، ومعرفة عادات الدفن المُتبعة في فترة العصر البرونزي، وما ستوجهه الدراسة المستمرة على محتويات ومرفقات المقبرة، "فكل قطعة مُكتشفة تحمل حكاية نريد الوصول إليها".
عادات الدفن التاريخية
قاد اكتشاف بعض عادات الدفن في المقبرة الأثرية إلى وضع بعض المرفقات الجنائزية مع جثمان الميت، وأكثر إثارة لانتباه الخبراء في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية كان وضع الحبوب للميت، ما يُشير إلى اعتقاد الأحياء في تلك الفترة من العصر البرونزي بالحياة بعد الموت، أي ضرورة تزويد الميّت الذي سيصحو بعد دفنه بالغذاء. أما ما تكشفه مديرة الآثار في بيت لحم إيمان الطيطي لـ"العربي الجديد"، فهو اكتشاف فريق الخبراء آثار حروق على بعض الجِرار التي توجد فيها تلك الحبوب. ويمكن التفسير الطبيعي لآثار الحرق على الجِرار باستخدام الجرار لغايات الطهي، وغلي الماء في العصر البرونزي، وفق ما يوضح خبير عمارة وشؤون القدس، أستاذ الهندسة في جامعة بيرزيت جمال عمرو في حديث لـ"العربي الجديد". لكن عمرو يدعو، وبما أن الحديث هنا عن مقبرة، إلى أن يُفكك الالتباس، بالقول: "في المقبرة الأثرية التي تم اكتشافها في منطقة هندازة في بيت لحم، أعلن عن جِرار فخارية بدون آثار حرق، وأُخرى بآثار حرق، الأولى من المرفقات الجنائزية أي يتم دفنها مع الميت لعائلة مرموقة أو ثرية". يتابع عمرو: "الأُخرى قد تعود لإحدى العائلات البسيطة التي مات أفرادها ودفنت مع الجِرار التي عليها آثار حرق، وقد تكون دُفنت دون مبالغة مع مقتنيات المنزل الذي كان كهفاً، بسبب وباء حل بالناس في تلك الفترة، كالذي يحصل مع أموات وضحايا كورونا حالياً، وفي المكان نفسه الذي دُفن فيه لاحقاً أشخاص من عائلة ثرية، ما يُفسر حالة اجتماع نوعين مختلفين في الاستخدام من الفخاريات أو الجِرار".
اقــرأ أيضاً
ثراء عوائل الموتى
تدل أغلب المرفقات الجنائزية الموجودة في المقبرة على ثراء عائلة الأشخاص الذين تم دفنهم في المقبرة على فترات زمنية متباعدة، بحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، فبين كل دفن وآخر هناك فارق زمني يقدر بحوالي 500 عام. وبحسب عمرو، يُضاف للثراء المادي، الثراء الأمني، أي أن العائلات الثرية آنذاك كانت تحمي بمستوى أمني مُتقن قبورها ومرفقاتها الجنائزية، سواء من عوامل الطبيعة وتقلباتها، أو من اللصوص بقص أو قطع الصخر ووضع الميت داخل الشِق المعمول. ومما يدل على ثراء وحرص عائلة الأموات في المقبرة على أمواتها، كما يوضح عمرو، "سلامة الجِرار المكتشفة أو العثور عليها بحالة جيدة دون نقص من أجزائها، والكم الكبير من الجِرار الموجودة، دلالة على أهمية عنصر الفخار أو الجِرار في الاستخدام المتعدد في ذاك الزمن". تقاليد الدفن وفق هذه المقبرة تدل أيضاً على تأثر الكنعانيين العرب الذين استوطنوا فلسطين في العصر البرونزي بتقاليد وطقوس دفن الموتى عند الفراعنة، لا سيما العائلات الحاكمة والأعيان.
وتنتظر وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن تنزاح تداعيات فيروس كورونا، حتى يتسنى لطواقهما توسيع العمل والدراسة على مكتشفات المقبرة الأثرية، وربما عرضها في المتحف الفلسطيني أو معارض ذات الصلة، بينما ينتظر عماد أبو جورة بفارغ الصبر أحفاده لكي يكبروا ويخبرهم حكاية الاكتشاف التي ستظل في ذاكرته العمر كله، إذ يقول: "لو استوعبت عقول أحفادي عماد (عامان) وزينة (عام ونصف العام) قصة الاكتشاف، لأخبرتهما بها الآن".
حقبة مفصلية من التاريخ
"توقف توقف.."، هكذا حذّر المواطن الفلسطيني أبو جورة سائق الآلية الذي لو واصل الحفر أكثر، لقضى على تاريخ آلاف السنوات الثمينة في التاريخ الفلسطيني قبل حقبة مفصلية في التاريخ الإنساني وهي "حقبة الميلاد". يقول عماد أبو جورة لـ"العربي الجديد": "منذ صباح السادس من الشهر الحالي، والآلية تعمل قرب منزلي، وأثناء الحفر رأيت فتحة في الأرض المحفورة، أدركت وجود العديد من الفخاريات، وعظاماً بشرية، وأننا أمام اكتشاف مهم، لم أنتظر، لقد قلتها، إنه قبر، وبالفعل كانت مقبرة أثرية، أمسكت هاتفي وأعلمت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية فوراً". ويؤكد أن "تلك الفخاريات المكتشفة في القبر كانت مرتبة بشكلٍ لافت، وعددها كبيرٌ أيضاً". بهذا وصف أبو جورة لحظة الانطباع الأول لرؤية المقبرة.
حضرت شرطة السياحة والآثار ومديرية السياحة والآثار في محافظة بيت لحم إلى المكان بعد تلقيها البلاغ، وبدأت بنقل المرفقات الأثرية في القبر إلى أماكن أكثر أماناً، بعد العمل لساعات قاربت منتصف الليلة نفسها للاكتشاف، حتى يتسنى للخبراء والمختصين تقييم وضع المرفقات ودراستها، بحسب ما تقوله مديرة دائرة السياحة والآثار في محافظة بيت لحم إيمان الطيطي لـ"العربي الجديد". تضيف الطيطي: "لأول مرة في حياتي المهنية أرى مثل هذه المقبرة، وأدرك هذا التنوع والغنى الكبير في المرفقات الأثرية من معدن البرونز بمكاحل ورؤوس السهام والخناجر، وقطع الفخاريات من جِرار كبيرة وصغيرة ومزهريات وزبادي وقطع فخارية وصل عددها إلى 62 قطعة أغلبها كاملة وسليمة، لا سيما الجِرار".
تعود أقدم قطعة أثرية مُكتشفة في المقبرة الأثرية النوعية إلى 3700 عام، وهي كِسرة فُخارية من جرة فخارية، تؤكد الطيطي التي كانت أول الواصلين إلى منطقة الاكتشاف. بينما توضح أن هذا الاكتشاف سيمكن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية من دراسة تاريخ المنطقة، ومعرفة عادات الدفن المُتبعة في فترة العصر البرونزي، وما ستوجهه الدراسة المستمرة على محتويات ومرفقات المقبرة، "فكل قطعة مُكتشفة تحمل حكاية نريد الوصول إليها".
عادات الدفن التاريخية
قاد اكتشاف بعض عادات الدفن في المقبرة الأثرية إلى وضع بعض المرفقات الجنائزية مع جثمان الميت، وأكثر إثارة لانتباه الخبراء في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية كان وضع الحبوب للميت، ما يُشير إلى اعتقاد الأحياء في تلك الفترة من العصر البرونزي بالحياة بعد الموت، أي ضرورة تزويد الميّت الذي سيصحو بعد دفنه بالغذاء. أما ما تكشفه مديرة الآثار في بيت لحم إيمان الطيطي لـ"العربي الجديد"، فهو اكتشاف فريق الخبراء آثار حروق على بعض الجِرار التي توجد فيها تلك الحبوب. ويمكن التفسير الطبيعي لآثار الحرق على الجِرار باستخدام الجرار لغايات الطهي، وغلي الماء في العصر البرونزي، وفق ما يوضح خبير عمارة وشؤون القدس، أستاذ الهندسة في جامعة بيرزيت جمال عمرو في حديث لـ"العربي الجديد". لكن عمرو يدعو، وبما أن الحديث هنا عن مقبرة، إلى أن يُفكك الالتباس، بالقول: "في المقبرة الأثرية التي تم اكتشافها في منطقة هندازة في بيت لحم، أعلن عن جِرار فخارية بدون آثار حرق، وأُخرى بآثار حرق، الأولى من المرفقات الجنائزية أي يتم دفنها مع الميت لعائلة مرموقة أو ثرية". يتابع عمرو: "الأُخرى قد تعود لإحدى العائلات البسيطة التي مات أفرادها ودفنت مع الجِرار التي عليها آثار حرق، وقد تكون دُفنت دون مبالغة مع مقتنيات المنزل الذي كان كهفاً، بسبب وباء حل بالناس في تلك الفترة، كالذي يحصل مع أموات وضحايا كورونا حالياً، وفي المكان نفسه الذي دُفن فيه لاحقاً أشخاص من عائلة ثرية، ما يُفسر حالة اجتماع نوعين مختلفين في الاستخدام من الفخاريات أو الجِرار".
تدل أغلب المرفقات الجنائزية الموجودة في المقبرة على ثراء عائلة الأشخاص الذين تم دفنهم في المقبرة على فترات زمنية متباعدة، بحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، فبين كل دفن وآخر هناك فارق زمني يقدر بحوالي 500 عام. وبحسب عمرو، يُضاف للثراء المادي، الثراء الأمني، أي أن العائلات الثرية آنذاك كانت تحمي بمستوى أمني مُتقن قبورها ومرفقاتها الجنائزية، سواء من عوامل الطبيعة وتقلباتها، أو من اللصوص بقص أو قطع الصخر ووضع الميت داخل الشِق المعمول. ومما يدل على ثراء وحرص عائلة الأموات في المقبرة على أمواتها، كما يوضح عمرو، "سلامة الجِرار المكتشفة أو العثور عليها بحالة جيدة دون نقص من أجزائها، والكم الكبير من الجِرار الموجودة، دلالة على أهمية عنصر الفخار أو الجِرار في الاستخدام المتعدد في ذاك الزمن". تقاليد الدفن وفق هذه المقبرة تدل أيضاً على تأثر الكنعانيين العرب الذين استوطنوا فلسطين في العصر البرونزي بتقاليد وطقوس دفن الموتى عند الفراعنة، لا سيما العائلات الحاكمة والأعيان.
وتنتظر وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن تنزاح تداعيات فيروس كورونا، حتى يتسنى لطواقهما توسيع العمل والدراسة على مكتشفات المقبرة الأثرية، وربما عرضها في المتحف الفلسطيني أو معارض ذات الصلة، بينما ينتظر عماد أبو جورة بفارغ الصبر أحفاده لكي يكبروا ويخبرهم حكاية الاكتشاف التي ستظل في ذاكرته العمر كله، إذ يقول: "لو استوعبت عقول أحفادي عماد (عامان) وزينة (عام ونصف العام) قصة الاكتشاف، لأخبرتهما بها الآن".