أخيرًا، أنجز المخرج السوري وائل قدلو فيلمًا وثائقيًا ذاتيًا بعنوان "طريق البيت". "العربي الجديد"، التقت بوائل، وأجرت معه حوارًا حول السينما وفيلمه الجديد وسورية.
في الحديث عن المراحل التي مرّ بها الفيلم، يقول قدلو: "كنت في البداية أعمل على مشروع بورتريه للمتحلق الجنوبي في مدينة دمشق عام 2013، إذْ كان لهذا الطريق دور كبير في بداية الثورة السورية. فقد تم استخدامه من قبل قوى الأمن والنظام السوري لمنع المتظاهرين من الدخول إلى قلب المدينة. إذْ توزَّعت عليه العديد من النقط الأمنية والحواجز، الأمر الذي جعل المظاهرات عاجزة عن تجاوز هذا الخط. كما أن أجزاء من هذا الطريق، تحولت فيما بعد إلى خط تماس بين جيش النظام والجيش الحر. أثناء عملية البحث عن تاريخ هذا الطريق وجدت نقاطًا مشتركة ما بين حياة هذا الطريق وحياتي الخاصة على عدة مستويات. بدءاً من تاريخ إنشاء الطريق في العام نفسه الذي ولدت فيه 1980، مرورًا بالحياة التي عشناها متجاورين طيلة ثلاثين عاماً. هذه الحالة من التوأمة ما بيننا، ومحاولاتي فهم الوضع الراهن الذي نعيشه في سورية قادتني بشكل أساسي إلى البحث في قصة عائلتي، المبنية على كثير من النزاعات والتعقيدات التي رافقتها على مدى العقود الأربعة الماضية، والتي زادت حدتها مع انطلاق الثورة السورية، لعلّني أفهم من هذا البحث أماكن العطب فينا ومواجهتها".
يقوم الفيلم بغالبيته على السرد، فينطلق من أسئلة قدلو لأبويه عن ماضيه البعيد، وهما يتكفَّلان بسرد التفاصيل. ويستخدم قدلو العديد من الوثائق التي يدرجها ضمن السرد. وعن سبب استخدام الوثائق، وربطها بالتاريخ الشخصي، يقول: "إن الوثائق تكتسب أهميتها من محتواها ومكانها من سياق الفيلم. فالوثائق الرسمية المستخدمة في الفيلم، تخبرنا الكثير عن أحداث المجتمع. فعلى سبيل المثال، نرى في الصحيفة المدرسية صورة لرئيس سورية حافظ الأسد، وتعهد بالولاء له. في حين أن الأرشيف الشخصي يعكس الكثير من طبيعة العلاقات ونمط الحياة والتغيرات الاجتماعية التي طرأت على شخصيات الفيلم".
وعن السبب الذي جعل قدلو يُفضِّل أن تُسرَد حكايته على لسان شخصيَّات أخرى، بدلاً من أن يقوم هو بسرد هذه التفاصيل بنفسه، يقول: "القصة ليست فقط عن حياتي، هي قصَّة عن حياتي وحياة هذه العائلة. أردت أن أستمع إلى وجهات النظر المختلفة حول هذه القصة، دون التمسُّك أو التعنُّت بوجهة نظرٍ معينة، الأمر الذي يمكّننا من فهم المواقف المختلفة للشخصيّات، وبالتالي من الممكن أن يساعدنا في تقبل هذا الاختلاف والبحث عن طريق مشترك للمضي قدماً، عوضاً عن البقاء عالقين بخلافات تعود جذورها إلى ماضٍ لم نعد نذكر منه سوى مشاعرنا السلبية تجاه بعضنا البعض".
شارك فيلم "طريق البيت" في عدد من المهرجانات حول العالم، منها: مهرجان Festival Amsterdam الذي أقيم في أمستردام، حيث كان العرض العالمي الأول للفيلم، وتم عرضه في مهرجان "شاشات الواقع" في بيروت. ومن المفترض عرضه في فعالية "مينا" الثقافية في بيروت الأشهر المقبلة. كما أن الفيلم شارك مؤخراً في مهرجان "مالمو" للسينما العربية المقام في السويد. وعن مشاركة الفيلم في مهرجان "مالمو" الذي أثير حوله كثير من إشارات الاستفهام لأنه احتضن أيضاً فيلم "الحبل السري" لليث حجو الذي تم تصويره على أنقاض مدينة الزبداني السورية التي دمرها النظام، يقول قدلو: "لتقصير مني لم أكن مطلعاً على كل الأفلام القصيرة المشاركة في المهرجان، علمت فقط أنه تم إلغاء مشاركة لفيلم طويل قد تم تصويره في حمص بموافقة النظام. وبعد عرض فيلم (طريق البيت) أخبرني أحد الأصدقاء المشاركين في المهرجان عن فيلم قصير قد تم تصويره في الزبداني، الأمر الذي أغضبني كثيراً، فهذه الأفلام قد تخلو من الإشارة الواضحة في محتواها إلى هوية القاتل، وصنّاعها لا ينفكون عن الترويج أن الإرهابيين هم من يسببون هذا الدمار، في حين أن النظام وحده هو من يمتلك الطائرات التي تدمر البلد، ولا ينفك يدعي أنّ من يفعل ذلك هم الإرهابيون ليتمكن من تغطية ما يقوم به. كما أن ظروف إنتاج هذه الأفلام فيها انتهاك صارخ لأصحاب هذه البيوت المدمرة من قبل النظام الذي يعطي رخصة لاستخدامها كديكور لمشاريع تزور الحقائق، وتعمل على التطبيع معه".