بيضة فاسدة على قرعة سيناتور

20 مارس 2019
"سأتزوّج من فتى البيضة" في تظاهرة ضد العنصرية (Getty)
+ الخط -
يحقق أي هجوم بالبيض على السياسيين فورة على وسائل التواصل، وتتراجع، وتستعاد بين زمن وآخر، أو تُجمع في كليبات تشويقية، يمكن أن ترتّب فيها مقاطع سريعة، ثم بطيئة لصفار البيض وهو يسيل على الجاكيتات، وهدوء السياسيين دائماً في المشهد، ونظرتهم المتسامحة تجاه راشقي البيض.

لكن، من منا يحفظ اسماً من أسماء راشقي البيض؟ هذا لا ينطبق على فتى البيض Egg Boy الأسترالي وقد كسرها على رأس السيناتور العنصري فرايزر أنينغ. الفيديو الذي انتشر سريعاً، مرشح لأن يبقى أكثر هجمات البيض الاحتجاجية حضوراً.

فهذا السيناتور أنينغ يبرر المجزرة التي نفذها مواطنه الإرهابي، فقتل خمسين مسلماً، في نيوزيلندا بالقول إن "السبب الحقيقي لإراقة الدماء برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بدخول نيوزيلندا".

الأمر ليس جديداً على أنينغ الذي طالب العام الماضي بـ"أستراليا بيضاء"، كما أن الرد عليه ليس جديداً، فهو فقط تلقّى نسخة من تهكم أميركيين على رئيسهم ترامب الأبيض جداً. بالحسبة العنصرية ذاتها، يمكن لقائل أن يطلب من أنينغ وترامب العودة إلى بلادهما الأصلية. فلم تكن أميركا بيضاء ولا أستراليا قبل "الهجرة" إليهما.

الفارق العمري بين أنينغ وفتى البيض كبير. السيناتور الناضج الذي يكره المهاجرين، والمسلمين في أول القائمة، سواء هاجروا أم لم يهاجروا، يبلغ من العمر سبعين عاماً والفتى 17.

ومع ذلك سجل الفيديو إهانة مبرمجة من فتى إلى سيناتور يكبره بثلاث وخمسين سنة. وهو ليس فيديو عفوياً لأحد الهواة، بل إن موبايل الفتى وتحضيره لـ"مرمطة" السيناتور كانت تحت أضواء كاميرات التلفزة.

من التظاهرات التي عمّت أستراليا ضد الخطاب العنصري (Getty)

وما يكسب المشهد فرادته عن سلسلة البيض الاحتجاجي، هو التحضير الواثق من الفتى الذي وقف خلف السيناتور، المحاط بالمناصرين، وطواقم التصوير.

مع استغراق السيناتور في تحقير المسلمين، انتزع الفتى الموبايل والبيضة التي لم يكسرها إلا بعد لمحة، ضبط فيها رأس السيناتور داخل الكادر، حتى لا تفشل اللقطة.

على غير عادة السياسيين والبيض، انهارت أعصاب الرجل الضخم، وانهال يوجه اللكمات الطائشة للفتى الذي بدوره كان يردها بيد، واليد الثانية تثبّت الموبايل بشدة. إنه يلكم ويصوّر في آن.

السيناتور هنا، ليس في مواجهة خصومة داخلية بيضاء، والبيضة المكسورة ليست ذات طبيعة نقابية، أو حزبية في مجتمعه المتجانس. إنها بيضة تسيل على قرعته، بينما هو غارق في كلام مقدس عن حرب دينية مقدسة، تستلهم نسختها العصرية من أغنية "Remove Kebab"، أي "التخلص من الكباب".

فأول شيء في حروب الإبادة، اختصار العدو بكل تنوعه الثقافي والعرقي في أكلة كباب، ليسهل التخلص منه رمزياً، ثم جسدياً. هذا ما يفعله إرهاب "داعش"، لكن إدارة الدماء عند إرهابي يقود شاحنة تفشل في تحديد من الذين صنفناهم "كفّاراً" ومن لا؟ شاحنة نيس الفرنسية داست الجميع بمن فيهم أقارب القاتل، المسلمون مثله على سنة الله ورسوله.

أما الإرهابي الأسترالي، فكان في بث مباشر، مع أغنية Remove Kebab، متوجهاً إلى مسجدين في يوم جمعة، في بلد من أكثر بلاد العالم أماناً، وقتل وجرح، دون ضغط، كأنه في لعبة فيديو، أو تخلص من كباب غير مشكوك في هويته.

مع الفارق المأساوي الفادح، ما بين البيض السائل في واقعة السيناتور والفتى، والدماء السائلة في نيوزيلندا، فإن الجريمة الإرهابية، وإهانة السيناتور العنصري، استخدمتا سيناريو محضراً وتوقيتاً للبث، بحضور جمهور.

الإرهابي يخوض معركة، ليس من المؤمل وضع حد لها، كما ليس من المتوقع أن يتخلى العنصريون عن مصالحهم الاستعمارية، ولقمة عيشهم في المواسم الانتخابية.

مقابل ذلك، تبقى هناك فرصة للتهكم على خطاب الكراهية المقدس.

بيضة فاسدة ورأس سيناتور... ويد جريئة.

المساهمون