يبدو واضحاً أن عودة الفرقة بعد طرح حكاية كوزنتينو قد تركت أثراً على سياق أسلوب الفرقة، أثراً طفيفاً ربما، لكنه يعني الكثير. ففي الأعوام السابقة، كانت فرقة "ذا بيست كوست" إحدى أكثر فرق الروك الأميركية زهواً وإشراقاً وبساطة؛ فكانت كوزينتيو تغني بصوتها الرقيق عن ليالي كاليفورنيا الساحرة وحبها للقطط والطبيعة، على أنغام الغيتارات الكهربائية العنيفة؛ لتعطي انطباعاً عند الاستماع إليها بأنها جرعة إجبارية من التفاؤل.
كانت الفرقة تسير بعكس الاتجاه السائد السوداوي الذي فضلته فرق الروك الجديدة منذ مطلع الألفية. جسّدت كوزنتينو نفسها هذا الاختلاف في كليباتها، من خلال إقحامها لرموز أنثوية على أنغام موسيقى الروك العنيفة، كما هو الحال في أغنية "Heaven sent" التي ترتدي بها إكليلا من الورود الجورية الحمراء.
إلا أن الحال تغير بعض الشيء في الألبوم الجديد، الذي بدأت فيه ملامح السوداوية تتسرب إلى الفرقة؛ الملامح التي كانت تشير إليها بعض منشورات كوزنتينو في الأعوام الماضية، كما أشارت إليها في ألبومها السابق "California Nights" (2015)، من خلال أغنية "When Will I Change". وقد أنذرت كوزنتينو بالسوداوية المحتملة في ألبومها عندما طرحت أول أغنية سينغل من الألبوم، "For The First Time"، والتي ذكرت فيها: "الشياطين الساكنة في أعماقي، ربما تم إطلاق سراحها".
الأمر الإيجابي، أن هذه السوداوية دفعت كوزنتينو لكتابة كلمات أغان شعرية لافتة للغاية، تختلف عن كل ما سبق لها أن قدمته، كما هو الحال في أغنية "Graceless Kids"، التي تقول فيها: "قُيدت يداي بالهامش، وأنا أعلم أنه لن يتم إنقاذي. أعتقد أنني سأبقى هنا، إلى أن أسقط سقوطاً حرّاً في مخاوفي الوهمية".
وفي بعض الأغاني، تعبر عن الحالة السوداوية التي وصلت إليها بكلمات واضحة وصريحة، كما هو الحال في أحد مقاطع أغنية "Seeing Red"، الذي تذكر فيه: "أنا مريضة جداً ومتعبة من كتابة الأغاني العاطفية، التي أتحدث فيها عن ذات الأشياء غير الصحيحة. كيف تعتقد أنني أشعر؟ هذه هي حياتي، وأحياناً أتمنى لو أن كل هذا غير حقيقي".
لكن ملامح السوداوية لدى كوزنتينو تبدو غير مكتملة، فهي تبدو في بعض أغاني الألبوم وكأنها تحاول أن تحارب هذه السوداوية وتبعث الأمل والتفاؤل بأغانيها مجدداً؛ وهو ما نلحظه بتكرار كلمة "الأمل" بأغنيتها الافتتاحية، وبإصرارها على مدار الألبوم للإشارة إلى وجود ضوء مختلف وأمل جديد.
إلى جانب ذلك، فإن الفرقة لم تتخلّ عن الرصانة والمثالية التي تحلت بها منذ انطلاقتها قبل عشرة أعوام، تلك الرصانة التي تبدو كواحدة من أبرز تأثيرات السوشيال ميديا على الموسيقى في السنين الأخيرة، بعد أن بات الجميع قادرين على نشر أحكامهم الأخلاقية بمنابرهم الخاصة.
كل ما في الأمر، أن الفرقة عدلت مسار المثالية بعض الشيء، لتناقش مسألة الأحكام الأخلاقية التي بدت سمة العقد الماضي؛ فطرحت كوزنتينو من خلال أغاني الألبوم مجموعة من الأسئلة، مثل: "من أنا لأحكم على الناس؟" و"كيف ستتمكن من الحكم وأنت ترى الأمور بضوء مختلف؟".