المنتخب المصري... أفراح وخيبات وأغانٍ

18 يوليو 2018
جاءت أغاني مونديال 2018 متواضعة (Getty)
+ الخط -
كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في مصر، رغم كل الهزائم والأداءات المشرفة، إلا أن هناك بعض اللحظات السعيدة، وبعض الانتصارات، خاصة على المستوى الأفريقي. وهي اللحظات التي رافقتها أغانٍ تحفر الفرحة، وأصبحت مرتبطة بالكرة والفرح بالنصر. 
فرغم أن المنتخب المصري وصل إلى كأس العالم عام 1934، إلا أنه لا يمكن العثور على أي أغنية يمكن أن تكون صنعت خصيصا لهذا الحدث. بالطبع، لم تكتسب كرة القدم وقتها شعبية فعلية. لاحقاً، عاشت مصر أحداثاً أكبر من الرياضة، بداية من ثورة 52، وحتى العدوان الثلاثي والنكسة وحرب أكتوبر. كانت أحداثا لا تدع مجالا لتقديم أغانٍ لها علاقة بالرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.
مع انتهاء الحرب في نهاية السبعينيات، والتوجه إلى سياسة الانفتاح، بدأت الكرة تأخذ مساحة أكبر من الاهتمام، خصوصاً مع بداية وضوح تأثير سياسة الانفتاح. وعلى مدار أكثر من 25 عاماً، كانت أغنية الانتصار والفوز الرياضي، ما هي إلا أغنية وطنية، يتم زجها كأغان رياضية. لماذا لم تقدم أغنية خاصة لكرة القدم رغم شعبيتها، حتى بعد الخروج من حالة الأغاني الوطنية؟ لماذا كان يحدث المزج بين الوطني والرياضي؟ ولماذا لم نستمع إلى أغنية عن المواساة؟ لماذا يتم التعامل مع كرة القدم وكأنها حالة سياسية وطنية قبل أن تكون حالة رياضية تحمل المكسب وأيضاً الخسارة؟

ففي زمن الفن الجميل، كانت الأغاني عن كرة القدم محلية، أي أغان عن الأهلي والزمالك، مثل "بين الأهلي والزمالك محتارة والله" لصباح، وموال محمد طه لنادي الزمالك عام 1962، ومحمود شكوكو في تهنئة للزمالك عقب فوزه بالدوري، على نفس شكل موال محمد طه، وغنى محمد رشدي للزمالك أيضًا، وأغاني للأندية الأخرى ولكنها غير شهيرة بنفس شهرة أغاني أندية القاهرة والقمة، مثل "أنا الإسماعيلي أنا" لمرسي بركة، كلها أغانٍ تخاطب الجمهور المحلي، ولم يخلُ المونولوغ الفكاهي من تقديم عدة مونولوغات عن كرة القدم، مثل الاسكتش الشهير لمنير مراد، أو مونولوغات ثلاثي أضواء المسرح، ولا أحد ينسى جملة "شالو ألدو جابوا شاهين.. ألدو قال مانتوش لاعبين".




مع تصفيات كأس العالم 1978، كانت أغنية "شدي حيلك يا بلد"، التي غناها محمد نوح في ميكروفون الاستاد، لها تأثير واضح على الجميع، تمت إعادة توظيف أغنية صنعت في فترة النكسة. كلمات الأغنية لا تتناسب مع حدث رياضي، لكنها تناسب حماسة الجمهور. أيضاً مع تصفيات كأس العالم 1990، التي صعدنا فيها إلى كأس العالم بعد 56 عامًا، كان صوت شادية "ما شافش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن.. ولا شاف العناد فى عيون الولاد وتحدي الزمن"، يهز أرجاء الاستاد. هذا ما يرويه لاعب الزمالك ومنتخب مصر السابق، هشام يكن، عن هذه اللحظات ومدى تأثرهم بالأغنية.



الثمانينيات مرحلة اللاشيء؛ تكملة مسيرة الانفتاح، عودة المصريين من الخليج، هدوء سياسي.. كان يجب الوصول لمكان يتم تفريغ فيه طاقة الشعب، كانت كرة القدم هي الحل، إعادة استخدام أغان وطنية صنعت أوقات الحرب أو الهزيمة، وبدأت الكرة تأخذ منحى وطنياً، وتحل محل الحروب والمشاكل السياسية. خرجت الأغنية الوطنية من إطار الموقف نفسه، لتحمل مشاعر بدلا من مواقف وطنية، ومن هنا بدأت الأغاني تصبح صالحة لإعادة استخدامها في مواقف مختلفة، فكانت "يا حبيبتي يا مصر"، و"شدي حيلك يا بلد"، و"يا أغلى اسم في الوجود".
ربما كانت الأغنية الوحيدة في الثمانينيات التي لها علاقة مباشرة بكرة القدم، هي أغنية "بيبو بيبو.. يا سلام يا خطيب"، لتجسد قيمة الخطيب عند جمهوره، وتحفظ له أسطورته من الفناء، رغم كل من جاؤوا بعده من لاعبين. نجحت الأغنية، وتمكنت من نقل مشاعر جميع المصريين تجاه الخطيب، وارتبط في أذهاننا بالتقدير والحب، حتى لو لم تشاهد الخطيب في الملاعب، فأنت ستحبه من خلال الأغنية.


"اشرب بيبسي اشرب بيرة أصل هولندا خيبتها تقيلة"، كان ذلك واحداً من هتافات الجماهير في كأس العالم 1990، بجانب الهتافات الوطنية، مثل "شدي حيلك يا بلد"، و"أهم المصريين"، كانت دائما هناك علاقة بين الأغنية والهتافات الكروية، خاصة في تلك الفترة. في التسعينيات، كان هناك هتاف "أحلف بسماها وبترابها... هو اللي خربها"، ويوضع مكان النقاط اسم لاعب الفريق المنافس.


هكذا، إلى أن قامت الثورة، واختفت مصر من خريطة الأحداث الرياضية، وتوقف الدوري المصري لموسمين، إلى جانب ما شهدته البلاد من أحداث رياضية دامية، مثل مذبحة بورسعيد، وأحداث استاد الدفاع الجوي. عادت الحياة كما كانت مع وصول مصر لأمم أفريقيا عام 2017 بعد فترة انقطاع طويلة، ثم الوصول إلى كأس العالم 2018، بعد غياب اقترب من 30 عاماً. فرصة جيدة لكل صناع الموسيقى، لتقديم أغان للمنتخب. سنجد العديد من الأغاني التي قدمت قبل الصعود أو بعده، أو عند بدء كأس العالم. أغانٍ كثيرة قدمت بمناسبة كأس العالم، بكل الأشكال والأنواع، من أغنية رسمية كانت سيئة بشكل كبير، إلى أغان كثيرة حاولت كلها الاستفادة من الجو العام من فرحة للوصول لكأس العالم، حتى الإعلانات كانت كلها قائمة على فكرة أغان عن كأس العالم والمنتخب؛ أغان تشعر وكأنها صنعت سريعاً، ضعيفة موسيقيا، وحتى الكلمات جاءت عادية، مثل "تقدر تفرح" لـ مصطفى قمر، و"ناس من بلدنا" لـ أحمد عدوية وابنه، و"الفراعنة" لـ محمود الليثي، كلها أغان لم تلق نجاحاً يحقق لها الاستمرار كأغنية، هي أغنية أنتجت وستموت مع خروج مصر من كأس العالم، ربما لن نسمعها مرة أخرى.






المساهمون