حرصت الدراما السورية بكافة أشكالها، في المسرح والسينما والتلفزيون، عبر تاريخها، على ألا تقع في فخ تجاوز الخطوط الحمراء الثلاثة التي سنّتها الرقابة، أي السياسة والدين والجنس. هذا الحرص جعل من الدراما السورية تتعاطى مع هذه القطاعات الثلاثة بطريقة سطحية، لتبدو أغلب المشاهد التي صورت العلاقات العاطفية، أو تحدثت عنها، مشاهد مشوشة تتكون من لقطات وعبارات غير مكتملة.
كذلك الحال في السياسية، إذ تتكرر النكت السياسية في الدراما السورية من دون اكتمال ومن دون إضحاك، ولا تخوض الشخصيات أي حوار سياسي حقيقي وراهن، بل تكتفي بالتلميح في أحسن الأحوال. أما في ما يتعلق بالعامل الديني، فقد أُغفل في معظم الأعمال الدرامية، واقتصر حضور الشخصيات والحوارات الدينية على مشاهد هامشية، غالباً ما تكون متعلقة بطقوس وعادات المجتمع السوري، وتحديداً في مراسم الزواج أو العزاء.
ذلك لا يعني بالطبع أن الدراما السورية خالية من الأبعاد السياسية أو الدينية، بل على العكس تماماً، فهي تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والمواعظ لتلعب دوراً محورياً بتلقين الجمهور معنى الوطني والبطولي، وكذلك الوسطي والمتطرف. يمكن الاستشهاد على الرسائل الدينية بسلسلة "كان ياما كان" التي كانت تروي حكايات خيالية للأطفال لتستخلص منها التعاليم الإسلامية كعبر، وكذلك مسلسلات البيئة الشامية التي تصوّر المجتمع السوري بحال أفضل عندما كان أكثر التزاماً بالتعاليم الدينية وعندما كان يحتكم للشيوخ بدلاً من قوانين الأحوال الشخصية والقضاة؛ لكن الشيوخ ورجال الدين لم يلعبوا في جميع هذه المسلسلات دوراً محورياً، بل كانوا دائماً شخصيات مساعدة تظهر على الشاشة على شكل صور نمطية، تنطق بصوت الحق والخير.
إلا أن هذه الصورة قد تمت زعزعتها في الأعوام الأخيرة، عبر المسلسلات السورية التي أنتجها النظام لأغراض سياسية؛ فبدأ يصور شخصيات رجال دين متطرفين ليزرع الرعب لدى الجمهور، ولا سيما الأقليات الدينية والعرقية، وكانت البداية الفعلية مع مسلسل "ما ملكت أيمانكم" (2010) الذي سبق الأحداث، وكان الصراع فيه ما بين الإسلام الوسطي والإسلام المتطرف، وبعدها تلته مسلسلات التي وضعت الدولة والجيش بمواجهة الإسلام المتطرف، وأبرزها "شوق" (2017) الذي رسم صورة متكاملة عن حياة الإسلاميين المتطرفين في سورية؛ فصوّر جزءاً كبيراً من القصة في المدن التي يحكمها تنظيم داعش وسجونه.
وبعد أن دخلت الدراما السورية بمرحلة ما بعد الحرب، هذه السنة، خُصصت العديد من المسلسلات التلفزيونية التي تتناول الدين كموضوعة، وحاولت أن ترسم ملامح الإسلام الوسطي وتميزه عن الإسلام المتطرف، وقد اختار صنّاع الدراما السورية المتصوفة ليكونوا الصورة النمطية الجديدة للإسلام الوسطي، ورُصد لذلك ثلاثة مسلسلات، وهي مسلسلا "مقامات العشق" و"العاشق" اللذان يتناولان سيرة المتصوفين الحلاج وابن عربي، بالإضافة إلى مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" الذي أعاد الإسلام الوسطي إلى بوصلة الصراع مجدداً، ليضعه في صف الجيش والدولة بوجه الإسلام المتطرف.
اقــرأ أيضاً
كذلك الحال في السياسية، إذ تتكرر النكت السياسية في الدراما السورية من دون اكتمال ومن دون إضحاك، ولا تخوض الشخصيات أي حوار سياسي حقيقي وراهن، بل تكتفي بالتلميح في أحسن الأحوال. أما في ما يتعلق بالعامل الديني، فقد أُغفل في معظم الأعمال الدرامية، واقتصر حضور الشخصيات والحوارات الدينية على مشاهد هامشية، غالباً ما تكون متعلقة بطقوس وعادات المجتمع السوري، وتحديداً في مراسم الزواج أو العزاء.
ذلك لا يعني بالطبع أن الدراما السورية خالية من الأبعاد السياسية أو الدينية، بل على العكس تماماً، فهي تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والمواعظ لتلعب دوراً محورياً بتلقين الجمهور معنى الوطني والبطولي، وكذلك الوسطي والمتطرف. يمكن الاستشهاد على الرسائل الدينية بسلسلة "كان ياما كان" التي كانت تروي حكايات خيالية للأطفال لتستخلص منها التعاليم الإسلامية كعبر، وكذلك مسلسلات البيئة الشامية التي تصوّر المجتمع السوري بحال أفضل عندما كان أكثر التزاماً بالتعاليم الدينية وعندما كان يحتكم للشيوخ بدلاً من قوانين الأحوال الشخصية والقضاة؛ لكن الشيوخ ورجال الدين لم يلعبوا في جميع هذه المسلسلات دوراً محورياً، بل كانوا دائماً شخصيات مساعدة تظهر على الشاشة على شكل صور نمطية، تنطق بصوت الحق والخير.
إلا أن هذه الصورة قد تمت زعزعتها في الأعوام الأخيرة، عبر المسلسلات السورية التي أنتجها النظام لأغراض سياسية؛ فبدأ يصور شخصيات رجال دين متطرفين ليزرع الرعب لدى الجمهور، ولا سيما الأقليات الدينية والعرقية، وكانت البداية الفعلية مع مسلسل "ما ملكت أيمانكم" (2010) الذي سبق الأحداث، وكان الصراع فيه ما بين الإسلام الوسطي والإسلام المتطرف، وبعدها تلته مسلسلات التي وضعت الدولة والجيش بمواجهة الإسلام المتطرف، وأبرزها "شوق" (2017) الذي رسم صورة متكاملة عن حياة الإسلاميين المتطرفين في سورية؛ فصوّر جزءاً كبيراً من القصة في المدن التي يحكمها تنظيم داعش وسجونه.
وبعد أن دخلت الدراما السورية بمرحلة ما بعد الحرب، هذه السنة، خُصصت العديد من المسلسلات التلفزيونية التي تتناول الدين كموضوعة، وحاولت أن ترسم ملامح الإسلام الوسطي وتميزه عن الإسلام المتطرف، وقد اختار صنّاع الدراما السورية المتصوفة ليكونوا الصورة النمطية الجديدة للإسلام الوسطي، ورُصد لذلك ثلاثة مسلسلات، وهي مسلسلا "مقامات العشق" و"العاشق" اللذان يتناولان سيرة المتصوفين الحلاج وابن عربي، بالإضافة إلى مسلسل "عندما تشيخ الذئاب" الذي أعاد الإسلام الوسطي إلى بوصلة الصراع مجدداً، ليضعه في صف الجيش والدولة بوجه الإسلام المتطرف.
تعطي المسلسلات الثلاثة المتصوفة صفات مشتركة، فهم وسطيون معتدلون، يؤثرون ثقافة الحياة على الموت، ويعشقون الجمال والفن والموسيقى، والأهم من كل ذلك أنهم يحيّدون السياسة عن الدين. نجمت عن ذلك صورة نمطية تخالف كل ما سبق عرضه عن المتصوفة في الدراما السورية.
على الرغم من أن الأعمال التي صورت المتصوفة كانت قليلة، ولكن معظمها كان يصور المتصوف أو "الولي" على أنه شخص منفصل عن العالم روحاً وموجود جسداً، وإذا ما غاصت الدراما في أعماق الشخصية سيتبيّن أن الهالة التي يكتسبها هذا الشخص، كولي من أولياء الله الصالحين، هي ناتجة عن حكاية أسطورية يتداولها الناس، واكتسب طابعها الأسطوري من خلال ما يلحقها من إضافات وزيادات. ويعتبر مسلسل "أسعد الوراق" الذي صدرت أول نسخة منه سنة 1975، وأعيد إنتاجه سنة 2010، المسلسل الوحيد الذي يلعب فيه دور البطولة "ولي"، فشارة البداية (في النسخة القديمة) كانت تبدأ بإثارة هذه الهالة من خلال وصف "أسعد الوراق" بأنه ولي، ومن ثم يعرض المسلسل حكاية "أسعد" ليتبين أنه شخص مسكين، وأن المكانة التي اكتسبها مرتبطة بحكاية شعبية متداولة وسوء الفهم ليس إلا.