أخيراً قام مدير الأعمال الأميركي سكوتر براون (صاحب شركة Ithaca Holdings التي يعمل لصالحها عدد كبير من النجوم العالميين أمثال جاستن بيبر وآريانا غراندي)، بشراء حقوق الملكيّة الفكرية للألبومات الستة الأولى للمغنية الأميركيّة تايلور سويفت التي يملكها سكوت بورتشيتا، صاحب شركة Big Machine Records، إذْ تبنت تجربة سويفت منذ انطلاقتها سنة 2006 وحتى العام الماضي، حين انتقلت للعمل مع شركة Republic Records اتي أنتجت لها ألبوم Lover قبل أيام. وقد تمت عملية بيع الحقوق الفكرية من دون موافقة سويفت بصفقة قدرت بـ300 مليون دولار.
لم تمرّ هذه الصفقة بهدوء، إذْ زلزلت سويفت عالم الفن الأميركي من خلال التغريدات التي نشرتَها على موقع "تويتر"، والتي اعترضَت من خلالها على إتمام صفقةٍ تتعلّق بنتاجها الفني من دون الرجوع إليها. لتعلن سويفت الحرب ضد القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية؛ واستخدمت بخطابها على الإنترنت معطيات ودلائل عدة لتدعم اعتراضها المعلن على صفقة تمت بشكل قانوني، وأبرزها شخصية المشتري سكوتر براون الذي وصفته بـ"المتنمر"، ودعمت ما نشرته بصورة قديمة، كان قد نشرها جاستن بيبر برفقة براون، يسخر فيها براون بأسلوب مبطن من إنجازات سويفت.
إن قضيَّة سويفت التي تصدرت المشهد الفنّي العالمي، من خلال انقسام الفنانين ما بين مؤيد لسويفت ومشارك بوسم #WeStandWithTaylor، وما بين معارض لها، تعتبر مثالاً فاقعاً على الانتهاكات التي يتعرض لها الفنانون حول العالم في ظل أشكال الإنتاج الفني السائدة والقوانين التي تحكمها. وفي العالم العربي هناك أمثلة عديدة، أبرزها ما يحدث في أروقة شركة "روتانا" التي لم تتمكن من التعامل بشكل مثالي مع سوق الإنتاج في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، ودخلت في العديد من الخلافات والمعارك بسبب أسلوبها الاحتكاري الهادف للربح السريع الذي يحد من انتشار الأعمال الفنية، مثل تحديد قنوات وتطبيقات بث الأغاني التي أنتجتها بما يتناسب مع الربح السريع والصفقات الأكبر. وأكبر مثال على ذلك، ما فعلته نهاية العام الماضي، عندما سحبت أغانيها من تطبيق "أنغامي" الذي يتمتع بشعبية كبيرة، وجعلتها حصرية على تطبيق "ديزر".
وخسرت "روتانا" بسبب هذه القرار الأخير، وقرارات سابقة مشابهة، أبرز النجوم الذين كانوا لسنوات ضمن أسرتها، مثل: عمرو دياب وتامر حسني وإليسا التي أعلنت اعتزالها منذ أيام، قبل أن تتراجع وتشير إلى احتمالية سيرها على خطى دياب وحسني، وإنتاج أعمالها الفنية المقبلة بنفسها.
وفي تاريخ الفن العربي والعالمي، هناك العديد من الحكايات عن الانتهاكات التي تعرض لها الفنانون، بالاستناد إلى قوانين الحماية الفكرية التي تضبط العلاقة ما بين المستثمرين والمبدعين في مجال الفنون؛ منها حكاية الفنانة اللبنانية الراحلة سوزان تميم التي تعرضت للاستغلال من قبل زوجها عادل معتوق، إذ وقعت معه عقد احتكار طويل المدى، وقام باستغلال العقد واستخدام القانون لإخضاعها له، وتمكن بموجب القوانين والعقود من حظر أعمال سوزان تميم على الفضائيات وإذاعات البث وإلغاء وجودها الفني لفترة من الزمن.
في الواقع، إن ما يتعرَّض له الفنانون اليوم، يبدو وكأنه نتيجةٌ حتميّة، باعتبار أن من سنّ قوانين حماية الملكية الفكرية وساهم في نشر خطابها هم دور النشر وشركات التسجيلات والمستثمرون في الإبداع عموماً، وليس المبدعين من فنانين وكتّاب. ويعود تاريخ حماية الملكية الفكرية إلى القرن الخامس عشر، والذي تم به اختراع آلة الطباعة، إذْ جاء القانون ليضبط عملية بيع الكتب، بعدما سهلت الآلة عملية نسخ الكتب ونشرها، لأنه قبل ذلك التاريخ كانت أرباح مبيعات الكتب تعود للناسخين الذين يبذلون جهداً لنسخ الكتب وبيعها. ولكن أول قانون، له نص صريح، يتعلق بحماية الملكية الفكرية للمؤلف يعود لعام 1709، وهو قانون "آن" الذي وضع بالدستور البريطاني حينذاك، والذي يعطي الناشر الأول الحق باحتكار المادة المنشورة لمدة 14 سنة. ويعتبر قانون الملكية الفكرية قانوناً إقليمياً، يخضع لدستور الدولة التي تنتج فيها الأعمال الفنية أو الأدبية، وقد تناقلت دول العالم قانون "آن" وقامت بتعديل مضمونه، كما تم تعديل القانون ببريطانيا نفسها لتسمح للناشر باحتكار المواد التي نشرها لأطول وقت ممكن، وصلت بالحالات القصوى إلى 70 سنة بعد تاريخ موت المؤلف.
اقــرأ أيضاً
لم تمرّ هذه الصفقة بهدوء، إذْ زلزلت سويفت عالم الفن الأميركي من خلال التغريدات التي نشرتَها على موقع "تويتر"، والتي اعترضَت من خلالها على إتمام صفقةٍ تتعلّق بنتاجها الفني من دون الرجوع إليها. لتعلن سويفت الحرب ضد القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية؛ واستخدمت بخطابها على الإنترنت معطيات ودلائل عدة لتدعم اعتراضها المعلن على صفقة تمت بشكل قانوني، وأبرزها شخصية المشتري سكوتر براون الذي وصفته بـ"المتنمر"، ودعمت ما نشرته بصورة قديمة، كان قد نشرها جاستن بيبر برفقة براون، يسخر فيها براون بأسلوب مبطن من إنجازات سويفت.
إن قضيَّة سويفت التي تصدرت المشهد الفنّي العالمي، من خلال انقسام الفنانين ما بين مؤيد لسويفت ومشارك بوسم #WeStandWithTaylor، وما بين معارض لها، تعتبر مثالاً فاقعاً على الانتهاكات التي يتعرض لها الفنانون حول العالم في ظل أشكال الإنتاج الفني السائدة والقوانين التي تحكمها. وفي العالم العربي هناك أمثلة عديدة، أبرزها ما يحدث في أروقة شركة "روتانا" التي لم تتمكن من التعامل بشكل مثالي مع سوق الإنتاج في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، ودخلت في العديد من الخلافات والمعارك بسبب أسلوبها الاحتكاري الهادف للربح السريع الذي يحد من انتشار الأعمال الفنية، مثل تحديد قنوات وتطبيقات بث الأغاني التي أنتجتها بما يتناسب مع الربح السريع والصفقات الأكبر. وأكبر مثال على ذلك، ما فعلته نهاية العام الماضي، عندما سحبت أغانيها من تطبيق "أنغامي" الذي يتمتع بشعبية كبيرة، وجعلتها حصرية على تطبيق "ديزر".
وخسرت "روتانا" بسبب هذه القرار الأخير، وقرارات سابقة مشابهة، أبرز النجوم الذين كانوا لسنوات ضمن أسرتها، مثل: عمرو دياب وتامر حسني وإليسا التي أعلنت اعتزالها منذ أيام، قبل أن تتراجع وتشير إلى احتمالية سيرها على خطى دياب وحسني، وإنتاج أعمالها الفنية المقبلة بنفسها.
وفي تاريخ الفن العربي والعالمي، هناك العديد من الحكايات عن الانتهاكات التي تعرض لها الفنانون، بالاستناد إلى قوانين الحماية الفكرية التي تضبط العلاقة ما بين المستثمرين والمبدعين في مجال الفنون؛ منها حكاية الفنانة اللبنانية الراحلة سوزان تميم التي تعرضت للاستغلال من قبل زوجها عادل معتوق، إذ وقعت معه عقد احتكار طويل المدى، وقام باستغلال العقد واستخدام القانون لإخضاعها له، وتمكن بموجب القوانين والعقود من حظر أعمال سوزان تميم على الفضائيات وإذاعات البث وإلغاء وجودها الفني لفترة من الزمن.
في الواقع، إن ما يتعرَّض له الفنانون اليوم، يبدو وكأنه نتيجةٌ حتميّة، باعتبار أن من سنّ قوانين حماية الملكية الفكرية وساهم في نشر خطابها هم دور النشر وشركات التسجيلات والمستثمرون في الإبداع عموماً، وليس المبدعين من فنانين وكتّاب. ويعود تاريخ حماية الملكية الفكرية إلى القرن الخامس عشر، والذي تم به اختراع آلة الطباعة، إذْ جاء القانون ليضبط عملية بيع الكتب، بعدما سهلت الآلة عملية نسخ الكتب ونشرها، لأنه قبل ذلك التاريخ كانت أرباح مبيعات الكتب تعود للناسخين الذين يبذلون جهداً لنسخ الكتب وبيعها. ولكن أول قانون، له نص صريح، يتعلق بحماية الملكية الفكرية للمؤلف يعود لعام 1709، وهو قانون "آن" الذي وضع بالدستور البريطاني حينذاك، والذي يعطي الناشر الأول الحق باحتكار المادة المنشورة لمدة 14 سنة. ويعتبر قانون الملكية الفكرية قانوناً إقليمياً، يخضع لدستور الدولة التي تنتج فيها الأعمال الفنية أو الأدبية، وقد تناقلت دول العالم قانون "آن" وقامت بتعديل مضمونه، كما تم تعديل القانون ببريطانيا نفسها لتسمح للناشر باحتكار المواد التي نشرها لأطول وقت ممكن، وصلت بالحالات القصوى إلى 70 سنة بعد تاريخ موت المؤلف.
ورغم أن هذه القوانين كانت تهتم منذ تأسيسها بحماية مستثمر الأعمال الإبداعية، أكثر من اهتمامها بحماية حقوق المبدعين أنفسهم، إلا أن أشكال الإنتاج الثقافية السابقة لعصر الإنترنت ضمنت لهذا الشكل من الرأسمال الفني الاستمرار، ولا سيما أن السلعة الثقافية عندما كانت مجسدة بأسطوانات أو كتب، كان يتطلب إنتاجها تكاليف عالية؛ فبدا شكل الإنتاج السائد في تلك الحقبة منطقياً ومُرضياً لكلا الطرفين. فاستمرار المستثمر بإنتاج الأسطوانات أو الكتب، سيضمن له الربح وسيضمن للمبدعين انتشار أعمالهم على نطاق واسع. ولكن في عصر الإنترنت، وبعدما أصبحت معظم هذه السلع هي سلع افتراضية غير ملموسة، وباتت الأرباح تتضاعف مع تقادم الزمن، دون أن يتطلب ذلك بالضرورة أي تكاليف مادية، أصبحت القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية غير منصفة للمبدعين؛ فمن الحوادث الأخيرة التي تدور بأروقة الإنتاج الفني، يبدو واضحاً أن الفنانين لا يملكون أغانيهم، وأن نتاجهم الفني غير متاح للجميع بموجب القوانين التي تتيح للمستثمرين تهميش المبدعين، وتحجيم قنوات الاتصال التي يظهرون بها، كما تفعل "روتانا" بالعقد الأخير. وكذلك من الممكن أن يتملك مستثمر أعمالا فنية لم يساهم بإنتاجها، وأن يستفيد من أرباحها لسنين طويلة، دون أن يضطر لدفع ثمن أي مواد في المستقبل ربما، كما هو الحال في قضية تايلور سويفت؛ فالشكل الافتراضي الحديث للمنتج الفني، سيجعل من صفقة سكوتر براون التي بدت كبيرة، صفقة ذهبية تدّر له أرباحا طائلة على المدى البعيد.