"نساء صغيرات": اقتباس ثوري غير مُكتمل

26 فبراير 2020
سايشا رونان: بطلة غريتا غرويغ (ستيف غرانيتز/وايرإيماج)
+ الخط -
تكتسب رواية "نساء صغيرات" (الجزء الأول عام 1868، والجزء الثاني عام 1869)، للكاتبة الأميركية لويزا ماي ألكوت (1832 ـ 1888)، أهمية كبيرة في تاريخ الأدب الأميركي. أولاً، لكونها أحد الأعمال المؤثّرة في فنّ الرواية، في القرن الـ19؛ ثانياً لأنّ كاتبتها امرأة؛ ثالثاً لأنّها تتحدّث بشكلٍ ذاتيّ جداً عن حياة نساء عاديات، أثناء الحرب الأهلية الأميركية (1861ـ 1865)، فترسّخت في الذاكرة، واقتُبِست في أفلامٍ عديدة، أشهرها نسخة المخرجة الأسترالية جيليان أرمسترونغ (1950)، عام 1994.

رغم تلك الأهمية، كان غريباً أنْ تقرّر الممثلة والمخرجة والكاتبة الأميركية غريتا غرويغ (1983) ـ المُرشّحة لـ"أوسكار" أفضل إخراج عام 2017 عن عملها الذاتيّ، ذي الروح المعاصرة جداً، Lady Bird ـ أن تقتبسها مجدّداً، في معالجة سينمائية جديدة. فما الذي جذبها في حكاية شديدة الكلاسيكية، مكتوبة في ستينيات القرن الـ19؟

الإجابة واضحة: شخصية جوزفين، بطلة الرواية، التي لا تهتم بالزواج والحياة الاجتماعية كنساء عصرها، والتي تبحث عن ذاتها بروحٍ حرّة، وتريد أنْ تُصبح أديبة، وتكتب روايات مخالفة للسائد. جوزفين تتقاطع مباشرة مع المؤلّفة لويزا ماي ألكوت، وتشبه غريتا غرويغ بشدّة. كأنّ جوزفين تمتلك الروح نفسها لألكوت، لكن في عصرين مختلفين. وإنْ تناولت غرويغ، في Lady Bird، نفسها وحياتها كمراهقة عام 2002، تسعى إلى الانتقال من كاليفورنيا إلى نيويورك لدراسة السينما، فإنّ "نساء صغيرات" يُشَاهَد كامتدادٍ للحكاية نفسها لامرأة تحاول العثور على ذاتها. ولا عجب أنْ تؤدّي الأميركية الأيرلندية سايشا رونان (1994)، التي تُشبه غرويغ شكلاً، بطولة فيلميها "لادي بيرد" و"نساء صغيرات".

الفيلم مؤثّر جداً في كلّ ما يتعلّق بشخصية "جو". منذ البداية، هناك شعور بالقرب منها ومن المشاعر المتناقضة التي تنتابها طول الوقت، بحثاً عن ذاتها وخوفاً من الوحدة وقدرةً على المغامرة والتشتّت في بعض اللحظات، بالإضافة إلى حنيّتها المُفرطة تجاه أخواتها، والعلاقة المُعقّدة التي تجمعها بإيمي.



كلّ شيء دقيق ومفهوم ومكتوب بحساسية مفرطة، يضاعف تأثيرَه أداءٌ عظيمٌ لرونان، المُرشّحة لـ"أوسكار" أفضل ممثلة، للمرّة الأولى، وعمرها 13 عاماً، عن دورها في Atonement، الذي أنجزه جو رايت عام 2007، قبل تأكيدها، في الأعوام الأخيرة، على أنّها أكثر ممثلات هوليوود موهبة، بأعمالٍ وأداءات بارعة.

على صعيد آخر، يترنّح "نساء صغيرات" كلما يبتعد عن مركزية شخصية جوزفين. فرغم بعض القرارات الثورية الذكية، التي اتّخذتها غرويغ في اقتباسها الرواية، كجعل السرد غير خطي، بحدوثه في زمنَي الماضي والحاضر، وقرارات أخرى في بعض المشاهد، والنهاية نفسها المختلفة عن العمل الأدبي، إلاّ أن ما عجز السيناريو عن التحرّر منه هو الشخصيات الكثيرة التي امتلكها نص ألكوت، الظاهرة هنا بشكل باهت جداً، لأنّ الفيلم غير معنيّ بحكاياتها، هلى نقيض ارتباطه بجوزفين، وتحديداً شخصيات الشقيقة ميغ (أداء ضعيف لإيما واتسون، لأنّ الشخصية لا تملك أي تفاصيل على الورق)، أو الأم ّ(لورا دِرْن) الأحادية جداً في ملامحها وملائكيتها، أو بيث (إليزا سْكانْلِن)، الموجودة بشكل كلاسيكي لمنح الأحداث دفعة عاطفية في لحظة ما، من دون معرفة شيء عنها أو الاهتمام بها بشكل حقيقي.

هذا يجعل الاقتباس ثورياً من غير أنْ يكتمل. فبقدر تغييرات غرويغ لأشياء كثيرة كي تقترب من الحكاية بشكل ذاتيّ في بعض الأجزاء، تركت أجزاء أخرى على حالها، فظهرت ضعيفة على الشاشة، حتّى مع عنايتها بالعناصر البصرية والسمعية، كالأزياء والديكور والموسيقى.
دلالات
المساهمون