السينما تكرّم الأبطال الحقيقيين في أربعة أفلام "واقعية"

11 فبراير 2015
إحدى لوحات فيلم "عيون كبيرة Big Eyes" (اليوتيوب)
+ الخط -
 
كما لو أنّ السينما قد ملّت من الخرافات والأساطير، ومن الأفلام الخرافية. إذ شهدت الصالات حول العالم في الأشهر الفائتة أربعة أفلام قويّة ولافتة مقتبسة عن قصص حقيقية، اثنان منها بطلاها لا يزالان على قيد الحياة، وشاركا في العمل على الفيلم. 

الأفلام هي "عيون كبيرة Big Eyes"، و"نظرية كلّ شيء The Theory Of Everything"، و"لا يُكسَر Unbroken" و"لعبة المحاكاة The Imitation Game".

فيلم "عيون كبيرة Big Eyes" يروي قصّة الرسامة مارغريت كين، التي "سرق" زوجها شهرتها، بموافقتها، طوال 15 عاماً تقريباً، بأن نسب اللوحات التي كانت ترسمها، لأطفال بعيون كبيرة، من منتصف الخمسينيّات حتّى نهاية الستينيّات.

الفيلم يروي الحكاية الحقيقية، وكيف أنّها في النهاية تقدّمت بشكوى قضائية انتهت بأن طلب القاضي منهما أن يرسما في المحكمة، وبالطبع عجز زوجها عن الرسم وفازت هي بالدعوى. لكنّ ما وراء الفيلم هو حكاية "المرأة" التي لم يكن الرجال يسمحون لها بالترقّي أو العمل في مهن "الرجال"، ولم يتقبّلها مجتمع النخبة الأميركية كرسّامة، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما تقبّل زوجها حين نسب اللوحات إلى نفسه، وباع منها بملايين الدولارات حتّى باتت العائلة شديدة الثراء.

يضيء الفيلم على قوّة "العلاقات العامة" و"الترويج" وتفوّقها على "الموهبة". وكيف أنّ الرجل الذي يستطيع إقناع الزبائن بشراء اللوحة أهمّ من الرسّام الذي أعطاها من قلبه وروحه، وقِس على ذلك في مهن كثيرة.


حتّى حين تلجأ إلى الكاهن الرسّامة المازومة نفسياً لأنّ هناك من يسرق "تعبها"، ينصحها بطاعة زوجها، ولم تخرج من القمقم إلا حين بدأ يصير مقبولا في الستينيّات أن تكون المرأة مستقلّة وقادرة على العيش وحدها، وأن تشهر مواهبها رغماً عن "الرجل".

الرسّامة لا تزال على قيد الحياة، وفي ختام الفيلم نرى صورها إلى جانب البطلة التي لعبت دورها آيمي آدامز وفازت بجوائز عديدة عن دورها. 

الفيلم الثاني "لا يُكسَر Unbroken" يروي قصّة الشاب الأميركي لويس زامبريني، الذي كان بطلا أولمبياً، ثم شارك في الحرب العالمية الثانية كطيّار، ووقع في الأسر لدى القوّات اليابانية، حيث تعرّض للتعذيب ولمحاولة "كسره" لأنّه "بطل أميركي".

يفشل الضباط اليابانيون في إغرائه بالتعامل معهم إعلامياً لإضعاف شعور الجنود الأميركيين، فيخضع لتعذيب أكبر وأقوى، وفي النهاية يعود إلى عائلته من خلال صفقة بين الجيشين الأميركي والياباني.

في هذا الفيلم تحاول المخرجة أنجلينا جولي، الآتية من عالم التمثيل، أن تعيد إحياء البطل الأميركي لكن على طريقتها الرومانسية، وبلا إطلاق نار وتفجير مدن أو عمليات كوماندوس أسطورية. وتنجح في هذا. إذ إنّ المشاهدين ملّوا من حكايات الأبطال الخارقين.

الفيلم الثالث "لعبة المحاكاة The Imitation Game" يكشف قصّة آلان توريغ، عالم الرياضيات البريطاني الذي كان له الفضل الأكبر في كسر شيفرة "أنيجما" النازية، بعدما كان كسرها مستحيلاً. تلك الشيفرة التي كانت القوات الألمانية تسيّر أعمالها الحربية حول العالم برسائل مشفّرة من خلالها. وقد رفض استخدامها بسرعة، وطلب حجب معلومة "كسر أنيجما" عن القيادة السياسية والعسكرية لبريطانيا والحلفاء، واستخدام المعلومات "بالقطّارة" لئلا تعرف القيادة الألمانية أنّ الشيفرة "سقطت" في أيدي الحلفاء.


الفيلم يروي كيف أنّ رجلا ساهم في قلب موازين القوى، وفي أن يربح الحلفاء الحرب العالمية الثانية قضى منتحراً بعد سنتين من حكم أصدره بحقّه القضاء البريطاني، وأجبره على الخضوع لعلاج هرمونيّ بسبب كونه مثليّاً جنسياً.

مثل فيلم "عيون كبيرة Big Eyes" الذي يعالج "حقوق المرأة" في خمسينيّات القرن الماضي، فإنّ "لعبة المحاكاة The Imitation Game" يناقش حكاية واحد من عشرات الآلاف الذين خضعوا لأحكام قاسية في بريطانيا منذ خمسينيّات القرن الماضي، قبل أن يتقبّل المجتمع البريطاني المثليين جنسياً.

وتقديراً لإنجازاته فإنّ الملكة إليزابيت أصدرت عفواً ملكياً عنه في العام 2013. وقال وزير العدل البريطاني إنّه قصّر مدّة الحرب عامين تقريباً وأنقذ حياة 14 مليون إنسان. هو الذي أنهى حياته في العام 1954 بعد عامين من محاكمته بتهمة "ممارسة الفحشاء".

"لعبة المحاكاة" مثل "لا يُكسَر"، عاد إلى الحرب العالمية الثانية، كما لو أنّ السينما وقعت مؤخّراً في غرام الخمسينيّات، ربّما لأنّها، مثل تقليعات الموضة، لا تزال مواضيعها حاضرة، خصوصاً النقاشات العالمية حول المثلية وحقوق النساء ومقارنتهنّ بالرجال.

أما فيلم "نظرية كلّ شيء The Theory Of Everything" فهو يحكي قصّة عالم الفيزياء تسيفن هاوكينغ، الذي لا يزال حيّاً. ستيفن أثبت أنّ "الزمن له بداية"، وبالتالي فلا بدّ أن يكون له نهاية. وهو صاحب نظرية "الثقوب السوداء"، التي انقلب عليها لاحقاً وأثبت عدم صحّتها.

هاوكينغ ولد في العام 1942 وأصيب بمرض عصبي في الـ21 من عمره، فقال له الأطباء إنّه لن يعيش أكثر من عامين. حينها قرّرت جاين، الفتاة التي تحبّه، أن تعيش معه هذين العامين. لكنّه عاش إلى يومنا هذا.

الفيلم يحكي قصّة حياته، وكيف تعذّبت زوجته وهي تراه يضمر ويصير عاجزاً عن الحركة، وأنجبت منه طفلين، ثم الثالث، وعاشت ترعاهم، لأنّها آمنت بالحبّ. ثم تقرّر بعد 20 عاماً أو أكثر أن تكمل حياتها من دونه.

يأخذنا الفيلم إلى حيث يختلط العلم بالشغف، والأحلام بالواقع، وكيف أنّ الذي اكتشف أنّ للزمن "نقطة بداية" في أولى أبحاثه، أقعده المرض، فهزمه، وهزم الزمن، إذ عاش أكثر من خمسين عاماً إضافية غير العامين اللذين توقّع له الأطباء أن يموت بعدهما.

هكذا تشترك أربعة أفلام سينمائية لاقت نجاحاً حول العالم في أنّها تعود إلى "الواقع"، الذي يبدو أكثر إبهاراً من "الخيال العلمي" ومن "الأساطير" ومن أفلام العنف والمطاردات وإنقاذ الكوكب من المخلوقات الفضائية أو الأمراض المعدية، أو أفلام نهاية العالم. تلك الأفلام التي أرهقت المشاهدين في السنوات الأخيرة.

السينما "تعود" إلى الواقع، كما لو أنّها تكتشف سحر "القصص الحقيقية"، وتكرّم "الأبطال الحقيقيين"، بدل أبطال الوهم والخيال.

"تعود"، أو ربّما "تحطّ" لترتاح قليلاً، قبل أن تستأنف عملها سينما الخرافات والخيال.

دلالات
المساهمون