تشير بعض الدراسات إلى أن الدراما السينمائية، لا تنفصل بالضرورة عن الدراما التلفزيونية، فهما يكملان بعضهما البعض، لكن ما أصبح متداولاً أو معروفًا بشكل واضح، هو استغراق المنتجين وإحكام سيطرتهم على السوق ومتطلباته، وقلة التفريق بين السينمائي والتلفزيوني، ولا ريب في أن جزءًا من المتابعين في العالم العربي يسعى إلى الهدف، من دون البحث عن المضمون، والأهم الاتجاه إلى التسلية، بغضّ النظر عن محتوى هذه التسلية.
عشر سنوات مرت على خروج الدراما المشتركة إلى العالم العربي، وهي اليوم تشكل المادة الأقوى للترويج. وعلى الرغم من الحرب في سورية، وعدم الاستقرار في البلدان العربية الأخرى، يدنو الموسم الرمضاني من مشاهدة مجموعة لا بأس بها من المسلسلات العربية المشتركة.
يقول الباحث حسين حلمي في دراسة حملت عنوان "دراما الشاشة": "المهم في عرض الدراما، سواء كانت لساعة أو في مسلسل على حلقات، مراعاة تناسب الفعل مع زمن العرض، بحيث يسهل استيعاب العمل من الجمهور، وتحقيق المتعة الجمالية منه، من دون ازدحام بالأحداث، ما يربك المشاهد ويشتت انتباهه، أو إطالة تصيبه بالملل".
هكذا، تبدأ الخيوط العريضة لأي عمل درامي يريد أن يتخذ لنفسه قاعدة جيدة ضمن هذا الفن، لكن ما ظهر في العقد الأخير من الأعمال الدرامية، لم يؤسس لهذه الشروط الواجبة مراعاتها، بل كان مجرد مشاهد أقرب إلى "الكليبات" الغنائية بقالب ممجوج من اللغة والحوارات التي تنقل رؤى تجارية تكاد تسيطر على السوق إن لم تكن فعلت ذلك.
وأمام ذلك، لم تُحَاك معظم الإنتاجات الدرامية العربية التي عرضت خلال هذا الوقت المراحل الزمنية التي يعيشها المشاهد، وهي إن فعلت، فكانت من باب تجاري، لا يعرف معنى صناعة الدراما تماماً كما حصل في مسلسل "غرابيب سود" (2017)، إنتاج "الصبّاح بيكتشرز". عشرون حلقة قيل إنها تنقل تفاصيل عن تنظيم "داعش"، في عز تصاعد أحداث التنظيم في الواقع، ويكفي القول إن الشركة المنتجة استعانت بأكثر من ثلاثة مخرجين تناوبوا على فهم ما يراد تقديمه من وراء هذا المسلسل، الذي أوقف بعد انتقادات لاذعة في الحلقة العشرين بعدما كانت حلقاته تتخطى الثلاثين.
وليس بعيداً عن الشق التجاري الذي لعب دوراً أساسيًا خلال العقد الزمني نفسه، حملت الصدفة مجموعة من المسلسلات أو الحكايات الخفيفة التي جرى اقتباسها عن أفلام أجنبية، وشُبهت بما يسمى "روايات عبير"، السلسلة العاطفية الخاصة بالمراهقين، والتي غزت الأسواق والمكتبات في فترة السبعينيات والثمانينيات. روايات مُترجمة عن الغرب، أحداثها مجرد حكايات عاطفية تحاول الإبحار في الخيال واللعب على عواطف الناشئة.
ما عرض من مسلسلات درامية صنفت تحت خانة "الأعمال العربية المشتركة"، لم تراع الشروط الواجبة لهذا النوع من الأعمال، فالدراما يجب أن تأتي بصورة أعنف من الرواية، أو حتى الاقتباس، وبالتالي بعض المسلسلات التي تنتمي إلى تلك المدرسة المستحدثة، لم تقم بالهيكلة الكاملة للبناء الدرامي، بل استسهل البعض في تقديم جمال الممثلة، أو تفاعل الناس معها أكثر من العمل نفسه، وبالتالي فتح الباب على "دخلاء" بسلاح الجمال إلى عالم الدراما والأضواء، ما انعكس سلبًا على المستوى وخصوصية أو دقة القصة للمسلسل، وأبقاه ضمن دائرة التجاري/ التسويقي.
ومع الوقت، كان للتجربة السورية والمصرية بعد آخر من الحرفية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، رغم معاناة سورية والمحسوبيات التي لم تترك حتى الإنتاج الفني، كما تطور الأداء قليلاً عند بعض المخرجين المصريين، ما أمّن حماية لبعض المسلسلات من العامل التجاري، لتعرض بصور متماسكة قياسًا إلى ما شهدته الدراما المشتركة، أو البديلة من استسهال.
لم يسع بعض المخرجين المصريين للتجارة، بل أجمعوا على مادة جيدة، نذكر مثلاً مسلسل "ذات" للمخرجة كاملة بو ذكري (2013) و"غراند أوتيل" (2016) كتابة تامر حبيب وإخراج محمد شاكر خضير، الذي أخرج عهداً قديماً، أو أعاد الوقت إلى عصر الخمسينيات.
قدم "غراند أوتيل" رؤية متكاملة حكمت ذاك العصر والتاريخ، واستطاع بحنكة القول إن الدراما أسرع إلى معالجة أو طرح الشر والخير، وأسرع إلى معالجة الإخفاق منه إلى النجاح، وهذا ما حصل في إنتاجات مرادفة، مثل "ليالي أوجيني" من إخراج هاني خليفة (2018). في المقابل، عرضت مجموعة من الأعمال التجارية التي تقاس على شهرة نجومها كمسلسلات محمد رمضان، وإصرار عادل إمام على الحضور، في سلسلة إنتاجات افتقرت إلى وهج ملك الكوميديا، من دون أي إضافة.
اقــرأ أيضاً
أما المدرسة السورية؛ فاستلهمت، رغم ضياعها، بعض جوانب نجاحها وفرادتها منتصف التسعينيات في تقديم صورة جيدة عن صناعة الدراما، بعض الإنتاجات التي حملت طابعًا تجاريًا وإسقاطات سياسية حرم بعضها الآخر من الفرادة في ظل ظروف الحرب القاهرة. لكن بعض المخرجين استعادوا دفة الخروج من القمقم، واستعملوا رؤيتهم في "ندم" (2016) كتابة حسن سامي يوسف وإخراج الليث حجو، و"ترجمان الأشواق" للمخرج والكاتب محمد عبد العزيز (2018) بعيداً عن الإسهام التجاري الذي صبغ باقي الأعمال الدرامية التي لم تنل نصيباً حتى من التصنيف على أنها دراما متكاملة.
عقد من التباعد عن أصول وشروط وانفتاح عالم الدراما العربية، والهدف من ورائها لا يقل عنه تحّول عربي سياسي متأزم ألقى بثقله على الفن عمومًا، وجعلنا في مرحلة ترقب دائم.
عشر سنوات مرت على خروج الدراما المشتركة إلى العالم العربي، وهي اليوم تشكل المادة الأقوى للترويج. وعلى الرغم من الحرب في سورية، وعدم الاستقرار في البلدان العربية الأخرى، يدنو الموسم الرمضاني من مشاهدة مجموعة لا بأس بها من المسلسلات العربية المشتركة.
يقول الباحث حسين حلمي في دراسة حملت عنوان "دراما الشاشة": "المهم في عرض الدراما، سواء كانت لساعة أو في مسلسل على حلقات، مراعاة تناسب الفعل مع زمن العرض، بحيث يسهل استيعاب العمل من الجمهور، وتحقيق المتعة الجمالية منه، من دون ازدحام بالأحداث، ما يربك المشاهد ويشتت انتباهه، أو إطالة تصيبه بالملل".
هكذا، تبدأ الخيوط العريضة لأي عمل درامي يريد أن يتخذ لنفسه قاعدة جيدة ضمن هذا الفن، لكن ما ظهر في العقد الأخير من الأعمال الدرامية، لم يؤسس لهذه الشروط الواجبة مراعاتها، بل كان مجرد مشاهد أقرب إلى "الكليبات" الغنائية بقالب ممجوج من اللغة والحوارات التي تنقل رؤى تجارية تكاد تسيطر على السوق إن لم تكن فعلت ذلك.
وأمام ذلك، لم تُحَاك معظم الإنتاجات الدرامية العربية التي عرضت خلال هذا الوقت المراحل الزمنية التي يعيشها المشاهد، وهي إن فعلت، فكانت من باب تجاري، لا يعرف معنى صناعة الدراما تماماً كما حصل في مسلسل "غرابيب سود" (2017)، إنتاج "الصبّاح بيكتشرز". عشرون حلقة قيل إنها تنقل تفاصيل عن تنظيم "داعش"، في عز تصاعد أحداث التنظيم في الواقع، ويكفي القول إن الشركة المنتجة استعانت بأكثر من ثلاثة مخرجين تناوبوا على فهم ما يراد تقديمه من وراء هذا المسلسل، الذي أوقف بعد انتقادات لاذعة في الحلقة العشرين بعدما كانت حلقاته تتخطى الثلاثين.
وليس بعيداً عن الشق التجاري الذي لعب دوراً أساسيًا خلال العقد الزمني نفسه، حملت الصدفة مجموعة من المسلسلات أو الحكايات الخفيفة التي جرى اقتباسها عن أفلام أجنبية، وشُبهت بما يسمى "روايات عبير"، السلسلة العاطفية الخاصة بالمراهقين، والتي غزت الأسواق والمكتبات في فترة السبعينيات والثمانينيات. روايات مُترجمة عن الغرب، أحداثها مجرد حكايات عاطفية تحاول الإبحار في الخيال واللعب على عواطف الناشئة.
ما عرض من مسلسلات درامية صنفت تحت خانة "الأعمال العربية المشتركة"، لم تراع الشروط الواجبة لهذا النوع من الأعمال، فالدراما يجب أن تأتي بصورة أعنف من الرواية، أو حتى الاقتباس، وبالتالي بعض المسلسلات التي تنتمي إلى تلك المدرسة المستحدثة، لم تقم بالهيكلة الكاملة للبناء الدرامي، بل استسهل البعض في تقديم جمال الممثلة، أو تفاعل الناس معها أكثر من العمل نفسه، وبالتالي فتح الباب على "دخلاء" بسلاح الجمال إلى عالم الدراما والأضواء، ما انعكس سلبًا على المستوى وخصوصية أو دقة القصة للمسلسل، وأبقاه ضمن دائرة التجاري/ التسويقي.
ومع الوقت، كان للتجربة السورية والمصرية بعد آخر من الحرفية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، رغم معاناة سورية والمحسوبيات التي لم تترك حتى الإنتاج الفني، كما تطور الأداء قليلاً عند بعض المخرجين المصريين، ما أمّن حماية لبعض المسلسلات من العامل التجاري، لتعرض بصور متماسكة قياسًا إلى ما شهدته الدراما المشتركة، أو البديلة من استسهال.
لم يسع بعض المخرجين المصريين للتجارة، بل أجمعوا على مادة جيدة، نذكر مثلاً مسلسل "ذات" للمخرجة كاملة بو ذكري (2013) و"غراند أوتيل" (2016) كتابة تامر حبيب وإخراج محمد شاكر خضير، الذي أخرج عهداً قديماً، أو أعاد الوقت إلى عصر الخمسينيات.
قدم "غراند أوتيل" رؤية متكاملة حكمت ذاك العصر والتاريخ، واستطاع بحنكة القول إن الدراما أسرع إلى معالجة أو طرح الشر والخير، وأسرع إلى معالجة الإخفاق منه إلى النجاح، وهذا ما حصل في إنتاجات مرادفة، مثل "ليالي أوجيني" من إخراج هاني خليفة (2018). في المقابل، عرضت مجموعة من الأعمال التجارية التي تقاس على شهرة نجومها كمسلسلات محمد رمضان، وإصرار عادل إمام على الحضور، في سلسلة إنتاجات افتقرت إلى وهج ملك الكوميديا، من دون أي إضافة.
أما المدرسة السورية؛ فاستلهمت، رغم ضياعها، بعض جوانب نجاحها وفرادتها منتصف التسعينيات في تقديم صورة جيدة عن صناعة الدراما، بعض الإنتاجات التي حملت طابعًا تجاريًا وإسقاطات سياسية حرم بعضها الآخر من الفرادة في ظل ظروف الحرب القاهرة. لكن بعض المخرجين استعادوا دفة الخروج من القمقم، واستعملوا رؤيتهم في "ندم" (2016) كتابة حسن سامي يوسف وإخراج الليث حجو، و"ترجمان الأشواق" للمخرج والكاتب محمد عبد العزيز (2018) بعيداً عن الإسهام التجاري الذي صبغ باقي الأعمال الدرامية التي لم تنل نصيباً حتى من التصنيف على أنها دراما متكاملة.
عقد من التباعد عن أصول وشروط وانفتاح عالم الدراما العربية، والهدف من ورائها لا يقل عنه تحّول عربي سياسي متأزم ألقى بثقله على الفن عمومًا، وجعلنا في مرحلة ترقب دائم.