"السينما والموسيقى"... معجم خالٍ من الأصوات

19 ديسمبر 2019
الموسيقى كغاية ووظيفة سمة غالبة في الفيلموغرافيا العربية (Getty)
+ الخط -
منذ تأسيسها عام 1995، باتت "الجمعية المغربية لنقاد السينما" الإطار الوحيد المُساهم في تكريس ثقافة سينمائية في المجتمع المغربي، بمحاولاتها المتكررة إدخال السينما إلى الجامعة، عبر تنظيم ندوات ولقاءات ضمن سلسلة "لقاءات سينمائيين ونقاد"، وإصدار كتب عن مخرجين مغاربة، أمثال هشام العسري وأحمد المعنوني ونبيل عيوش وغيرهم، ممن صنع وراكم مشاريع سينمائية، تتميّز بسمات مختلفة ومهمة في المشهد السينمائي العربي. كما تُصدر الجمعية "المجلة المغربية للأبحاث السينمائية"، التي تُعنى بثقافة الصورة، والتي يساهم فيها باحثون ونقاد سينمائيون، يتناولون فيها مواضيع عديدة، كـ"شعرية السينما: عباس كياروستامي" و"السينما الأفريقية: عصمان سامبين"، و"السينما اليوم"، و"جمالية السينما: ثيو أنغيلوبولوس"، وغيرها.
في الدورة الخامسة لـ"اللقاء السنوي"، الذي يحلو للجمعية أن تسمّيه "الخلوة"، لاختلائها مع نقاد عديدين يناقشون قضايا وإشكاليات متّصلة بالشأن السينمائي العربي، اختير موضوع "السينما والموسيقى"، علما أنّ الدورة هذه أُقيمت في "مركز التكوين" التابع لـ"جامعة الأخوين" بين 13 و15 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بمشاركة أكاديميين ونقاد وموسيقيين مغارية، هم: محمد نور الدين أفاية وعبد العالي معزوز ونور الدين محقق وخليل الدمون ورشدي المانيرة ورشيد نعيم والسعيد لبيب وعمر بلخمار وعبد اللطيف محفوظ وبلعيد العكاف ومحمد أسامة. هؤلاء جميعهم ناقشوا علاقة السينما بالموسيقى، ومدى تداعيات العلاقة على الصناعة السينمائية.
أثناء الندوة، تضاربت الآراء، إذْ اتّضح أنّ هناك صعوبة في تفكيك العلاقة وتشريحها، خصوصا أنّ نقّادا عديدين لا يتطرّقون في قراءاتهم الأفلام السينمائية إلى دور الموسيقى التصويرية، وإنْ فعلوا، فإنّ مقارباتهم تبقى محدودة، لصعوبة تداول معجم الموسيقى التصويرية في الكتابة النقدية، مقارنة بالسيناريو والمونتاج والتصوير وحركة الكاميرا، ما تطلّب تدخل مهنيين في صناعة الموسيقى المغربية، كأسامة محمد وبلعيد العكاف، اللذين أبرزا ثراء معجم الموسيقى التصويرية، وتوقّفا عند مزالق تُرتكب في محاولة نقل المفاهيم والمصطلحات الموسيقية إلى اللغة العربية. 
في الجلسة الأولى، نوقش كتاب "الصورة والمعنى: السينما والتفكير بالفعل" لنور الدين أفاية. فبعد تقديم خليل الدمون له، تناول نور الدين محقق وعبد العالي معزوز، كلّ من جهته، سيميولوجية مواضيع الكتاب واشتغالاته الفكرية، وبحثا في المنطلقات المنهجية للكتاب، وفي ما يمكن أن يمنحه للنقد السينمائي المغربي، من آفاق تفكير ومساءلة. أما الجلسات الأربع الأخرى، فانطلقت في تشخيصاتها الدقيقة لعلاقة السينما بالموسيقى من طرح سؤال يُعتبر تأسيسا لجوهر خطابها: هل الموسيقى في السينما غاية ووظيفة، أم موضوع؟ 
لا يمكن الحديث عن العلاقة والخروج بها عن السؤال العريض المطروح في وقت واحد. فالموسيقى كغاية ووظيفة هي سمة غالبة في الفيلموغرافيا العربية، تعمل على تغذية السرد وتأثيث مَشاهده وتعميق لقطاته، على اختلاف وضعيات الفيلم، فتكون على علاقة بسياق الفيلم نفسه، وتموضعه في بنية السرد، إذ تعمل الموسيقى بشكل خفي على التأثير في المُشاهد ودغدغة أحاسيسه، إما بتأليف موسيقى خاصة بالفيلم، أو باستحضار نماذج مشهورة تُوَظَّف في بنية السرد بشكل مختلف، فيتمّ العمل على نوتاتٍ ومقطوعاتٍ وآلاتٍ، مع الحفاظ على الروح الأصلية للموسيقى.
هكذا تغدو للموسيقى وظيفة جمالية على خلفية المشهد، باعتبارها مكوّنا جماليا يُبرز جماليات المشهد فقط، خلافا للموسيقى كموضوع، أي عندما تكون الموسيقى حدثا رئيسيا محرّكا للمَشَاهد، كأنّها كتابة بالموسيقى، كما في تجربة المخرج كمال كمال مثلا، كإحدى أبرز التجارب السينمائية المغربية، المشتغلة على موضوع الموسيقى، خصوصا في فيلمه "السمفونية المغربية"، الذي تتجاوز فيه الموسيقى التصويرية كونها مؤثّرا جماليا في عملية الصناعة السينمائية، لتصبح هاجسا أوليا وموضوعا للفيلم، ثم آفاقا للتخييل والحلم، يتم بها استبدال العقل بالوجدان والعين بالأذن.
دلالات
المساهمون