"سيرانيفادا"... سينما اليومي

16 نوفمبر 2016
المخرج، كريستي بيويو (Getty)
+ الخط -
قبل عدة أسابيع، أعلنت رومانيا عن اختيار فيلم "سيرانيفادا" Sieranevada، للمخرج، كريستي بيويو، ليكون الممثل الرسمي لها على جائزة أفضل فيلم أجنبي في الأوسكار، قبل أن يعرض الفيلم في القاهرة ضمن فعاليات الدورة التاسعة من بانوراما الفيلم الأوروبي.

ويعتبر كريستي بيويو، واحداً من أهم الأسماء في السينما الرومانية التي أبهرت العالم خلال الـ12 سنة الأخيرة، بل ويعود له الفضل في بداية الشهرة العالمية لما سمي بعد ذلك بالـ"موجة الرومانية الجديدة"، حين أخرج فيلمه "موت السيد لازرسكو" عام 2005. ونال عنه جائزة في مهرجان "كان"، نبهت العالم أن شيئاً ما يحدث هنا.
Sieranevada، الذي عرض أيضاً في الدورة الأخيرة لمهرجان "كان"، هو الفيلم الأخيرة في قائمة طويلة من الأفلام المهمة التي أنتجتها الموجة، وهو، مثل بقية الأفلام، ينتمي إلى لغة سينمائية خاصة ومختلفة، تميل للحد الأدنى من الإبهار (عدم استخدام الموسيقى التصويرية مثلاً أو مؤثرات بصرية وصوتية)، ويعتمد تماماً على "دراما الحياة اليومية العادية"، وبيويو هنا، وفي 3 ساعات كاملة، يخترق يوم من حياة إحدى البيوت في بوخارست، إذ تجتمع العائلة الكبيرة في المنزل في اليوم الأربعين لرحيل الأب، والذي يصادف وقوعه بعد 3 أيام من حادثة الهجوم الإرهابية على صحيفة "شارل إيبدو" الفرنسية، ومن خلال قرابة الـ10 شخصيات التي تتحرك بين الغرف في المكان، تمتلئ التفاصيل بالدراما والحوارات المكتومة، ويشعر المشاهد أنه الضيف العابر لتلك العائلة في ذلك اليوم.
في بعض اللحظات المميزة للفيلم، تقف الكاميرا في منتصف البيت الصغير، تماماً أمام الغرف المغلقة بالكامل، يشعر المشاهد في تلك اللحظة أن هناك أمرا كبيرا يحدث، وهو غير مدعو للاطلاع عليه. تكون لحظات لالتقاط الأنفاس من الحوارات المستمرة بين الجميع، قبل أن ينفتح أحد الأبواب، وتتحرك إحدى الشخصيات من غرفة إلى الأخرى، فنتحرك معها ونبدأ في استراق السمع على الأحاديث من جديد. وهي حوارات لا تهدف لخلق دراما في ذاتها، فهي عائليّة ويوميّة ومُعتادة، بل إنها رتيبة أحياناً، تدور حول ماض لا نعرفه في بعض الأوقات، وعن وضع سياسي مجنون في العالم حالياً في أحيان أخرى. الأهمية الحقيقية الأكبر في الحوارات، هي ما لا يقال بين الشخصيات وبعضهم، والتوتر الدائم الذي نشعره، واكتشافنا ببطء ما يجمع كل شخصية بالأخرى.
في القلب من ذلك، هناك الشخصية الرئيسية، الدكتور لاري وزوجته، نراهم في بداية الفيلم وآخره داخل السيارة، في المشهدين الوحيدين اللذين يدوران خارج البيت. نتلمس في الأول المشاكل الموجودة بينهما والخلافات المستمرة حتى على أبسط التفاصيل مثل فستان "سنو وايت" للابنة لتحضر حفلا مدرسياً. وتظل أنظارنا معلقة عليهم في البيت، ونشعر أن الأمور ليست بخير، حتى اللحظة الصدامية الثانية مع العالم تلك المرة في ذلك العراك الذي يحدث أمام السيارة قرب الختام. رجل يشعر بضعفه وهشاشته وعدم رضاه، وامرأة تحاول أن تكون دوماً إلى جانبه، فتنفجر أحياناً.
بلغت تكلفة الفيلم مليون يورو فقط، كعادة الأفلام الرومانية منخفضة التكلفة، ولكنه نال مرة أخرى مديحاً ضخماً عند عرضه في "كان"، سواء من ناحية تناوله للحياة المعاصرة وسط جنون العالم، أو فنية في قدرته على خلق كل هذا التوتر والقلق والإيقاع المشدود داخل منزل مغلق.


المساهمون