صناعة السفن في الاسكندرية: صعوبات بالجملة

01 يونيو 2015
يسعى العاملون في هذه المهنة إلى التمسك بها وحمايتها
+ الخط -
رغم أن صناعة السفن من المعالم الأثرية المميزة في الإسكندرية، وتوارثها الأبناء عن الأجداد وحفظوا أسرارها وأبدعوا في صنعها، إلا أن الكثير من العاملين بها، وخصوصاً الشباب، زهدوا في الاستمرار فيها لعدم جدواها، عقب القرارات الحكومية بعدم إصدار تراخيص لبناء سفن جديدة تعمل داخل حدود المياه الإقليمية لمصر.
ويسعى العاملون في هذه المهنة إلى التمسك بها، ومكابدة محاولة تغييبها، والتغلب على متاعبها، في ظل البطالة التي يعانون منها، والتي تسببت في غلق عدد كبير من الورش التي تعد جزءاً من تراث هذه المدينة، لأنها لا توفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة؛ حيث لا يوجد تأمين اجتماعي ولا رعاية صحية لهم ولأسرهم، ولا مؤسسات تدافع عن حقوقهم.
"الخير قلّ كثيراً"، بهذه العبارة لخّص الحاج إبراهيم القبطان، أحد أشهر العاملين في صناعة السفن، حاله ومعه أبناء مهنته، بعد قيام الحكومة بوقف إصدار تراخيص لبناء السفن واليخوت الجديدة، سواء للصيد أو السياحة، دون إبداء أسباب. وأضاف: "أبناء المهنة، خاصة من كبار السن، يتمسكون بمهنتهم النادرة جداً، ويجاهدون كثيراً من أجل بقائها، إلا أن مشكلة وقف تراخيص بناء السفن واليخوت إلى جانب محاولات أجهزة المحافظة نقل منطقة تجمع الورش الخاصة بهم من حي الجمرك أو الأنفوشي إلى خارج المدينة وفي أماكن بعيدة عن أماكن سكنهم، يسبب لهم أزمات كثيرة، ويعرضهم للبطالة". وأشار إلى أن عدداً كبيراً من العاملين اضطروا إلى إغلاقها أو تسريح عدد من العمالة توفيراً للنفقات، وهو ما يهدد بزوال واندثار هذه المهنة بعد أن اقتصرت الأعمال على القيام بأعمال الصيانة والترميم للسفن القديمة.
أما محمود أبوشال، وهو صاحب إحدى الورش، فيقول: "نعاني الأمرّين للاستمرار في هذه المهنة، نتيجة حالة القلق الدائم التي نعيش فيها، وعزوف الشباب عن ممارستها، رغم وجود مدرسة بصناعية المنطقة متخصصة في المحركات والمصايد، ويتخرج منها سنوياً متخصصون في مجال الصيد والمراكب، وهو ما أسهم في تفاقم المشاكل بالمهنة التي انقرضت بالفعل، وتسببت في إلحاق أضرار بأكثر من 40 مهنة مرتبطة بتصنيع السفن، مثل الكهربائي والحداد والنقاش وغيرها من قطاعات أخرى تعتمد عليها".
وأضاف أبوشال: "لم نطلب من المسؤولين أي شيء سوى أن يتركونا في حالنا، فبدلاً من توجيه الدعم ومساعدتنا لمواجهة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والبطالة التي يعاني منها الجميع وتوقفنا بالشهور خلال العام بدون عمل أو حتى مجرد رعاية صحية.. يقومون بالتضييق لنهجر المهنة التي اشتهرت بها المدينة وجعلت منطقة الأنفوشي من المعالم الأثرية والسياحية التي يحرص عليها السائح ليتعرف ويشاهد بنفسه طريقة الدقة والحرفية في التصنيع".
ويرصد محمود إسماعيل، أحد صنّاع السفن، حالهم وتاريخهم حتى سنوات قليلة مضت، قائلاً: "كان كبار رجال الأعمال والأجانب من إيطاليا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط يتهافتون علينا، لما تحوي هذه المنطقة من أمهر صانعي السفن واليخوت على مستوى العالم، والذين يعملون في 60 ورشة". وأكد أن "الكثير من العاملين بالمهنة ذاع صيتهم في شتي أنحاء العالم. ورغم أن معظمهم لا يعلم القراءة والكتابة، إلا أن لديهم خبرة وحرفية أهّلتهم لتنفيذ أي مركب بدون أي خرائط أو رسومات، وفي أحيان كثيرة يقومون بتدريسها وتعليمها لطلاب كلية الهندسة الذين يحرصون على الحضور للاستفادة منهم".
وأوضح أن أنواع السفن واليخوت تتنوع حسب الاستخدام؛ فهناك مراكب للصيد عادية حديثة وأخرى للإنقاذ ومراكب سياحية وغيرها، غير أن تكلفة تصنيع المركب تختلف حسب نوعها وحجمها، لكنهم جميعا يتفقون في الخبرة والحرفية والتي يجب أن يتقنها "الصنايعي"، إلى جانب التركيز والإبداع في التنفيذ، وحسن اختيار المواد المستخدمة، خاصة الخشب والذي يكون مستورداً في أغلب الأحوال، وقليل جداً من يقوم بتصنيع المراكب الحديدية.
ولفت أحمد عبدالنبي، عضو جمعية صناعة السفن، إلى وجود تعليمات وراء إصدار قرار منع تراخيص بناء المراكب، وهو الأمر الذي وصفه بالمتعسف وغير المبرر. وأشار إلى أن الكثير من العاملين في هذه المهنة برعوا في بناء سفن متعددة الأشكال والأنواع لكثير من المشاهير والملوك منذ قديم الأزل، معتمدين على الخبرة المكتسبة والمتراكمة عبر الأجيال والتقاليد والآداب التي تعلموها وورثوها.
المساهمون