يسعى فيلم وثائقي جديد على "نتفليكس"، لإعادة "أول مسلم يفوز بجائزة نوبل للعلوم" إلى دائرة الضوء، بعد أن نسي بلده إنجازاته طيلة 40 عامًا، بسبب اعتزازه بهويته الدينية.
وفاز الباكستاني محمد عبد السلام بجائزة نوبل للفيزياء عام 1979، لنظريته التي تنص على توحيد قوتين رئيسيتين في الكون، والتي مهدت لاكتشاف "بوزون هيغز" عام 2012، الجسيم الذي يعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة كتلتها، وكان من المفترض أن يكون فوزه لحظة تاريخية، باعتباره أول مسلم يفوز بجائزة نوبل للعلوم، إلا أنّ بلده لم يعتبره كذلك!
ويقول ذاكر ظافر، أحد منتجي الفيلم الذي يصور تفاني عبد السلام للفيزياء ولإيمانه ولجنسيته: "كان عبد السلام ملتزمًا بجذوره وبتطوير بلاده، لدرجة أنه ارتدى عمامة في استوكهولم، أثناء تسلمه الجائزة من ملك السويد، كما اقتبس من القرآن خلال خطابه"، وفقًا لموقع "بي بي سي".
وولد عبد السلام في مدينة يهانغ الباكستانية عام 1926، وكان يعامل على أنه إنسان متفوق من قبل والده، لدرجة أنه أعفي من الأعمال المنزلية للتفرغ لدراسة الرياضيات التي كان يجيدها بطريقة مذهلة، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها إنارة كهربائية هي عندما غادر مدينته ليدرس في جامعة حكومية في لاهور، وهناك حصل على منحة دراسية في جامعة كامبريدج البريطانية، حيث أنهى دراسة الدكتوراه قبل العودة إلى لاهور ليعمل بروفيسورًا في الرياضيات.
Twitter Post
|
التوفيق بين العلم والدين:
كان عبد السلام مسلمًا ملتزمًا طيلة حياته، ولم يرَ الدين عائقًا أمام العلم، وكان يسعى لإيجاد نظرية تفسر فيزياء الجسيمات، بشكل يتوافق مع معتقداته الدينية، في حين لم يقبل بعض جوانب العلوم التي تتعارض مع إيمانه، مثل نظرية الانفجار الكبير.
وكان إيمان عبد السلام بالغ الأهمية له، إلا أنه كان مصدر ألم كبير بالمقابل، نظرًا للنبذ الذي عوملت به طائفة "الأحمدية" المسلمة التي ينتمي إليها في باكستان، والتي تأسست في البنجاب عام 1889، حيث يعتقد المسلمون الأحمديون أنّ مؤسسهم ميرزا غلام أحمد هو المسيح، وأنهم ما زالوا بانتظار النبي، وهو ما لا يوافقهم عليه بقية المسلمين، مما عرضهم لأشكال مختلفة من التمييز والاضطهاد، خاصة في باكستان.
وقُتل العديد من الأحمديين في باكستان عام 1953، جراء أعمال شغب ضدهم، وأصدرت الحكومة عام 1974 قانونًا يشير إلى أنهم ليسوا مسلمين ويحرمهم من حقوقهم، كما تعرض مسجدان أحمديان في باكستان لهجوم عام 2001، أدى لمقتل 94 شخصًا وجرح أكثر من 120.
وغادر عبد السلام باكستان إلى كامبريدج عام 1953، ثم انتقل إلى لندن حيث ساهم في إنشاء قسم الفيزياء النظرية بكلية "إمبريال"، وعلى الرغم من رفض بلده له، إلا أنه استمر في المشاركة بأبرز المشاريع العلمية في البلاد، حيث أسس برنامج الفضاء الباكستاني عام 1961، وشارك، بشكل مثير للجدل، في محاولات الباكستان صناعة سلاح نووي خلال أوائل سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتراجع ويعلن أنه ضد الأسلحة النووية بعد صدور قانون عام 1994 ضد الأحمديين.
وأكد ظافر أنّهم عملوا على تعتيم كلمة "مسلم"، في عنوان الفيلم الوثائقي الذي سيحمل اسم "أول مسلم يفوز بجائزة نوبل للعلوم"، في إشارة إلى الإهانة الإنسانية التي ارتكبتها السلطات الباكستانية، عندما محت كلمة "مسلم" عن شاهدة قبر عبد السلام في باكستان، وقال: "أدركنا أنّ قصة عبد السلام، لا بدّ أن تلهم الكثير من الناس على الإصرار في مجال العلوم، واستمرينا 14 عامًا في جمع معلومات عن حياته".
ويعرض الفيلم لقطات من أرشيف عبد السلام، ولقاءات بأفراد عائلته وزملائه، ومن بينهم ابنه أحمد، الذي تحدث عن جهود والده لتطوير البلدان النامية في مجالات العلوم والتعليم والتكنولوجيا، وقال: "يهدف الفيلم لرواية قصة حياة أبي لـ200 مليون من أبناء شعبه، لم يسمع معظمهم بإنجازاته".