فرق الأندرغراوند: الاقتراب من الشرّ... والغناء له

30 ابريل 2019
قدّمت "بلاك تيما" أغنيتين تتقرّب عبرهما إلى السلطة (فيسبوك)
+ الخط -
في ميدان التحرير، وعلى منصاته المتواضعة، جاءت انطلاقة كثير من الفرق المستقلة (الأندرغراوند)، حتى تلك التي تأسست قبل يناير 2011؛ فالثورة، كما أطاحت بنظام طال استبداده بالمصريين، أفسحت ميادينها لكل من داعب حلمها في التغيير. 
حشدت الثورة جماهيرها في فعاليات وحفلات فرق الـ أندرغراوند بالآلاف وعشرات الآلاف، فخرج أعضاؤها من ظلمة "تحت الأرض" إلى أضواء النجومية، لتمنحهم يناير ديناً، أوفى له البعض، وتنكر آخرون.

كان آخر الناكرين للجميل، في ما يبدو للوهلة الأولى، فرقة "مسار إجباري"، بعد أغنيتهم الجديدة "انزل وشارك"، الداعية إلى المشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية، لكنّ نشْر نجم الفرقة، هاني الدقاق، لـ"بوست" لمّح فيه إلى كونه اُضطر للقيام بأفعال ضد قناعاته من أجل الحفاظ على أمن ابنته، أثار تعاطفاً معه على اعتبار أنه ربما تلقى "عرضاً لا يمكن رفضه" على طريقة دون كورليوني في "العرّاب".
هنا، نحاول أن نرصد، ليس فقط ما حدث مع "مسار إجباري"، بل ما تواجهه الفرق المستقلة من تحديات بعد انحسار المد الثوري وإطلاق يد الأجهزة الأمنية في مواجهة الفرق المستقلة، صوت الثورة.

بلاك تيما
سبق "مسار إجباري" إلى الانطواء تحت جناح السلطة فرقة "بلاك تيما". الفرقة تأسست في عام 2004، وضمت ثلاثة مطربين نوبيين هم: أمير صلاح الدين، وأحمد بحر، ومحمد عبده. حققت بعض النجاحات قبل يناير، إذ شاركت بأغنية في فيلم "ألف مبروك" (2009)، وطرحت أول ألبوماتها "بحار" في 2010.

تقربت الفرقة النوبية قبل الثورة من الشباب الطامح إلى التغيير بعدد من الأغاني السياسية، منها: "زحمة" التي لاقت رواجاً واسعاً خاصة بعد 11 يناير، و"شيراتون" التي قال عنها نجم الفرقة أمير صلاح الدين إنها تنبأت بالثورة.
وما زالت ذاكرة اليوتيوب تستعيد إلى اليوم حفل الفرقة في 12 فبراير/شباط من عام 2011 احتفالاً بسقوط مبارك، في حضور مئات الآلاف من الجماهير الفرحة، واستمر الفريق في تقديم عروضه الثورية خلال السنوات التالية، فغنوا "لو بقيت رئيس الجمهورية"، و"في بلاد الأي حاجة"، و"عملنا ثورة وثورة مضادة"، لتتقدم "بلاك تيما" كواحدة من أبرز الفرق المعبرة عن الموجة الثورية.
بعد 30 يونيو، عانى هذا اللون الغنائي من التضييق؛ فابتعدت "بلاك تيما" عن الشر، وغنت له ألواناً أخرى تبقيها في منأى عن بطش السلطة، لكن فوجئ جمهور "بلاك تيما" في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016 بصعود الفرقة إلى مسرح "أبدع.. انطلق"؛ وهو المؤتمر الذي نظمته الرئاسة في شرم الشيخ، وأحيت الحفل الرسمي. لم تعبأ الفرقة بسيل الهجوم والنقد الذي صبه البعض عليها، فأعادت الكرّة مع حفل الأسرة المصرية مارس/آذار 2018 بحضور عبد الفتاح السيسي.



الفن خارج الميدان
سياسة إرهاب فرق الأندرغراوند ومحاولة تطويعها بدأت مبكراً؛ فشهد عام 2014 منع مهرجان "الفن ميدان"؛ أضخم تظاهرات الفرق المستقلة، والذي كان يقام في الأول من كل شهر في ميدان عابدين القاهري، بحضور مجاني، وكانت تشارك به فرق مثل "مسار إجباري"، و"اسكندريلا"، و"وسط البلد"، و"تاكسي باند"، إلى جانب مغنين شعبيين مثل أوكا وأورتيجا، والسادات وفيفتي، وفيجو وغاندي، إضافة إلى كثير من المغنيين والشعراء الهواة، بحضور فرق شابة. استطاع المنظمون أن ينتقلوا بالمهرجان، الذي انطلق في 2011، إلى 14 محافظة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، رفضت السلطات منحهم تصريح إقامة المهرجان، وامتدت ملاحقة المهرجان إلى المحافظات، ليُجهز الأمن على فكرة "الفن ميدان" وييأس منظموه من إمكانية تنظيمه ثانية.
تزامن ذلك مع نجاح النظام في السيطرة على كافة وسائل الإعلام، بعد أن آلت ملكية معظمها إلى أجهزته بشكل مباشر، لتُعرض الفضائيات عن فعاليات الفرق المستقلة وتكف برامج "التوك شو" عن استضافة نجوم الأندرغراود بعد أن كانوا ضيوفاً مرحّباً بهم دوماً خلال السنوات الثلاث التالية لـ 11 يناير.

"نقطة بيضا"
فصل آخر من فصول المنع والقمع سطّره النظام في مواجهة فرقة "كايروكي"، الفرقة المستقلة الأبرز، حيث حظر جهاز المصنفات الفنية ألبومهم "نقطة بيضا" الذي صدر السنة الماضية.
جاء رد الفرقة من خلال صفحتها الرسمية على فيسبوك: "مكملين وهتفضل أغانينا حرة وهتكون متوفرة على الإنترنت والديجيتال ستورز، مش بس كدة جميع أغاني الألبوم هتكون مصورة". أما الجمهور فكان رده مشاهدات تخطت 100 مليون لأغاني الألبوم على يوتيوب.
المنع لم يتوقف عند حد الألبوم الغنائي، حيث استمرت الأجهزة الأمنية في مطاردة فعاليات الفرقة المستقلة، فألغت حفلاً لها في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي في "كايرو فيستفال" رغم نفاد التذاكر، كما أعلنت الصفحة الرسمية للفرقة. سبق هذا الإلغاء، إلغاء آخر لحفل مركز المؤتمرات في أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى حفلتين في ساقية الصاوي في بداية العام.
هذه المضايقات لم تدفع "كايروكي" إلى التراجع.

من الهامش وإلى الهامش 
ليست "كايروكي" وحدها من تقف على خط المواجهة، بل يصطف إلى جوارها فرق مثل "اسكندريلا" و"نغم مصري" و"الأولة بلدي"، وتعاني جميعها، منذ سنوات، بعد تراجع المد الثوري، وارتفاع منسوب المضايقات الأمنية، بالإضافة إلى الحصار الذي تضربه الدولة على فعالياتها من أجل ضمان بقاء هذه الفرق على الهامش، أو أن تتحول إلى السائد، وهو ما تقاومه تلك الفرق من خلال ثغرات، مثل ساقية الصاوي، وعدد من المؤسسات الثقافية المستقلة.
ما حدث مع "مسار إجباري" إذن لم يكن اعتباطياً، ويواجهه جميع العاملين في هذا القطاع، لذا كان طبيعياً أن تنقلب "بلاك تيما" على ماضيها الثوري، وأن تستجيب "مسار إجباري" للضعوط والتهديدات، بحسب ما لمّح إليه نجم الفرقة، وأن تذوي فرق مثل "إسكندريلا" و"نغم مصري" و"الأولة بلدي"؛ فلم يعد مسموحاً أن تقف ساكناً في موضعك من دون أن تؤدي التحية.



المساهمون