عمّن ضلوا طريقهم

30 مارس 2016
(Getty)
+ الخط -
نستذكر بين الحين والآخر، من رحلوا من حياتنا إلى الأبد، في يقظتنا وأحياناً في عمق أحلامنا، نعيد رسم ملامحهم في مخيلتنا حتى لا نفقدها، كبشر ترعبنا فكرة أن ننسى ملامح من كنّا نحب، نحيي في أذهاننا ذكرياتنا معهم وكأننا نعيد خلقهم من جديد، نعاتب أطيافهم بسذاجة، لأننا نظن أنهم تركوا الحياة مبكراً، وكان عليهم ألّا يفعلوا!

لكن، ماذا عمن لم يأتوا إلى حياتنا بعد؟ من ضلّوا طريقهم إلينا؛ من كانوا يوماً قريبين جداً، فمنعهم القدر أو الله عنا بحجّة أو من دون حجّة. من كانت طرقنا لتلتقي لولا أن الحرب لم تقم، لولا لم نتأخر بضع دقائق عن عملنا ذات يوم، لولا أن أشخاصاً آخرين لم يقتحموا حياتنا فأشغلونا عنهم وأبعدوهم عنا .. أولا ترسم الأقدار هكذا!

فكرت يوماً ألا أستسلم لفكرة غيابهم عني، فبدأت أدون، أسماءهم، ما أحب فيهم وما لا أحب، صفاتهم وأشكالهم، وما فاتنا من هذه الحياة معاً لنعيش بدلاً عنها أموراً لا تعني لنا كثيراً. كنت أفعل هذا لسبب وحيد؛ وهو أني أفتقدهم.

دينا، صديقتي المقربة، منذ تعرفت إليها لم أعد اهتم بصداقات جديدة، إنها فتاة طائشة، لا تشبهني في كثير من الطباع، لكن بيننا أمور مشتركة لا تخفى على أحد، غالباً ما نكوّن الانطباع نفسه عن الأشخاص الجدد. حين نكون معاً تكون ضحكاتنا أعلى من المعتاد، نتجادل كثيراً حول صديقها الجديد، أتهمها دائماً بأنها لا تتعلم من أخطائها، فتنعتني "بالجبانة" وتقول إنني لا أحب المغامرة، لكن هذا ليس صحيحاً تماماً.

فرح، طفلتي، يالها من بنت، منذ أن جاءت إلى هذه الحياة تغير كل شيء، حين نلعب معاً، أنسى معها الدنيا وأعود طفلة، ضحكتها التي تبث الحياة في قلبي، تشبه ضحكة والدها، رغم أنها تشبهني في باقي الصفات. ترقص فرح حتى على رنة الهاتف! لا أدري إن كانت تحب الرقص فعلأً أم أن هذا طبع كل الصغيرات. بالمناسبة فرح باتت تناديني مؤخراً باسمي، وليس ماما.
طلال، أبو زوجي، أناديه عميّ، إنه رجل مثقف جداً، يحبني كابنته، إنه نقيض حماتي في تعاملها معي، أوقاتنا معه تمضي بسرعة، وبالرغم من أن زوجي حفظ معظم حكاياته، لكنني استمع إليها بشغف، وأشعر أنني أتعلم منها، سرده لها يعجبني كثيراً، حين يرويها أشعر بأنها تحدث أمامي. وحين يكون في منزلنا تبقى فرح في أحضانه تفتش جيوبه بحثاً عن قطعة حلوى أخرى.

محمد، أبي، مشغول كثيراً، لكنه دائماً يجد الوقت الكافي ليقضيه معي، كيف لا وأنا طفلته المدللة رغم أني لم أعد طفلة. إنه سندي في هذه الحياة، هو من يحيل هذا المجتمع القاسي الغارق بأعبائه وتقاليده العفنة مكاناً آمناً يمكن لفتاة مثلي أن تعيش فيه بطمأنينة. ألجأ إليه حين تضيق بي هذه الدنيا، فأجده ينتظرني. يقول لي أنه يرى نفسه في، يحب طموحي وإصراري وشجاعتي، لكنه لا يعرف أنني استمد كل هذا منه.

إقرأ أيضاً:عبد الحليم حافظ.."أيام حلوة" مع نجمات السينما
دلالات
المساهمون