أريثا فرانكلين: سيرة لامعة مليئة بالمآسي

18 اغسطس 2018
حصلت على 18 جائزة "غرامي" (Getty)
+ الخط -
احتوت حياتها على الكثير من الدراما منذ الأعوام الأولى لنشأتها، وحتى لحظة النهاية. توفيت أسطورة موسيقية استحقت لقبها "ملكة السول" عن السادسة والسبعين من العمر، بالمرض ذاته الذي اختطف إخوتها بشكل تسلسليّ منذ سنين، أي السرطان. أريثا فرانكلين، طفلة عن زواج مغنية وواعظٍ كنسي. زواجُ والديها لم يدم طويلاً. وبعد الانفصال بقليل، فقدت أمها قبل العاشرة من عمرها، في حين اكتسبَت موهبة عزف البيانو سماعياً. 

بدأت فرانكلين بغناء الترانيم في الكنيسة، إذْ كانت تقوم بترتيل مواعظ أبيها. يصعب التخيل أن هذا الصوت اللامع النقي والحاد والناعم والقوي كان لطفلة في العاشرة يوماً ما. العنفوان الذي وصلنا من خلال تسجيلاتها، جمع كل خبراتها المبكرة مع الحياة وتقلباتها. في سن الرابعة عشرة، قرر والدها تولي إدارة أعمالها، وإضافتها لقافلته المتنقلة. وكان هو الذي حصل لها على عقود شركات الإنتاج الأولى، وكان ألبومها الأول وحفلاتها الأولى دينية تماماً، إذْ كانت تغنّي الترانيم كما أسلفنا سابقاً.



غزارة في الإنتاج

لكن الطريق إلى قوائم أشهر مائة أغنية ومثيلاتها، تحقَّق فقط حين اتّجهت للأغاني البعيدة عن الدين والكنيسة. وبزغ نجمها مع نسختها من أغنية الجاز Rock-a-Bye Your Baby With a Dixie Melody، مروراً باتجاهها للبوب والـR&B بأغان مثل You Made Me Love You وAm Losing You، حتى أصبحت منتصف الستينيات من أشهر مقدمات العروض الحية الغنائيّة، وأكثرهن دخلاً.

توالت الألبومات، وحقَّق ألبوم The Way I Love You نجاحاً تجارياً ساحقاً، ثم تصدَّرت قوائم الأكثر مبيعاً ألبومات مثل Aretha Now، بعدما كانت قد أصدرت أغنيتها الأشهر التي أصبحت توقيعها الخاص، وتحوَّلت لنشيد للنسويات والحقوقيين. وإن كان يجدر بالذكر أنها لم تتوقف عن صنع ألبومات، فقد كانت غزيرة الإنتاج بلا حدود.

تغنّي أريثا كأنها تملك كلّ الغناء في العالم. طاقة متفجرة ومشعّة لا يوحي بها مظهرها الهادئ. وبمعزل عن أنها بدأت بنوع موسيقي قائم على الارتجال وأتقنتْه، فمن المستحيل على المستمع التنبؤ بالإضافة التالية التي تصنعها للأغنية في كل جملة. وهذا ليس إتقاناً وسيطرة فقط، ولكن لمجرد مشاهدتها، يتفهم المشاهد أنَّ الطاقة العاطفية عميقة.



إتقان البيانو من دون دراسة

خامة صوت فرانكلين مرنة للغاية، بحيث مكنتها من تأدية جميع أنواع الموسيقى، بين "غوسبل" والروك والجاز والبوب، بطريقتها الخاصة في خليط مميز. وأذنها العبقرية التي مكّنتها من إتقان البيانو من دون دراسة في سن العاشرة، وبالطبع عقلها المنفتح موسيقياً واختياراتها ومرونتها في التجريب عبر أنواع عديدة، كل هذا جعل تاريخها الموسيقي حافلاً بأنواع متنوعة، وحتى انفتاحها على تجارب البوب المعاصر.



تربية كنسية

أغنياتها احتلت المركز الأول عالمياً في قوائم تشغيل مثل Rolling InThe Deep-Adele من خلال رؤيتها الفنية في إطار "غوسبل" ومزجها بترنيمة أشهر هي Aint No Mountain High. كما لم تتكبر عن غناء أغان لقامات معاصرة من الجاز، بعدما وضعت لها رؤية وتوزيعاً مختلفاً وجديداً، سواء بخصوص نقلها من جوَّها الموسيقي الأصلي الذي قُدِمَّت من خلاله، أو من خلال إعادة كتابة الخطوط الغنائية.

وهي بحكم تربيتها الكنسية كان لديها المنطقة الأكثر ثراءً عندما يتعلق الأمر بوضع الهارموني - السطور اللحنية المتوازية. كان هذا ضمن محاولاتها التي لا تتوقف في الاستكشاف الموسيقي، في ذكاء شديد يتعرف على المنتجات الموسيقية الحالية الأشهر، ويشتبك معها في ألبوم قدمته بعنوان Aretha Sings The Diva Classics. 



حياة متعثّرة

أكملت الحياة مخططها الدرامي لها. لم تهنأ فرانكلين بحياة عاطفية مستقرة. انفصال أبويها، وموت أمها المبكر، وإنجابها المبكر، والعلاقات الطويلة على فترات متكررة، والتي تنتهي إلى لا شيء، خطبتان وزيجتان لم تكتملا، وموت درامي لأبيها بطلق ناري، الموت المتتابع لأشقائها الذين هم شركاؤها الموسيقيون، كمغنين ثانويين، إذْ رافقتها هذه اللمسة دائماً في الغناء في شكل كورال. توفي إخوتها تباعاً بالسرطان بين سني الثمانينيات الأخيرة، ومطلع الألفية الجديدة.



ككلّ شيء بدأته مبكراً وحاداً، بدأت إريثا التدخين في سن مبكرة، واهتمت بالحميات الغذائية لتفقد وزناً كبيراً اكتسبت ضعفه في ما بعد عندما توقفت عن التدخين عام 1992، كما صرحت، لكنها أقلعت عنه لأنه يعبث بصوتها. بالطبع الغناء ساحة صعبة الاقتحام. ومشكلة الوزن الزائد تعوق أي مغنٍ يحاول إثبات وجوده، ولكن ليس فرانكلين.

لا يمكن القول إن فرانكلين لم تتلق جزءاً من التقدير الذي تستحقه. فقد تلقت وسام الشرف المدني الأعلى الأميركي، و18 جائزة "غرامي" بين الأغاني والأداء وإنجازات الحياة، غير تأثيرها على أجيال عديدة، حتى أعطتها مجلة "رولنغ ستون" رقم 1 على قائمة المغنين الأعظم على الإطلاق.

المساهمون