خولوب: دعوة للعودة إلى قوانين الإقطاع والعبودية

21 يناير 2020
يمكن للعبودية أن تكون وسيلة تربوية فعالة (Imdb)
+ الخط -
في حين أثار الفيلم الكوميدي "خولوب Kholop" (الخادم أو العبد) حفيظة وسخط شريحة واسعة من الروس، ألهم العمل الذي جمع أكثر من ثلثي عائدات جميع الأفلام الروسية في العام الماضي عدداً من النخب الثقافية بإطلاق دعوات إلى العودة إلى تطبيق قوانين القنانة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لضبط قيم المجتمع وعلاج الحالات المتمردة. وكعادته، لم يفوت النائب الشعبوي فلاديمير جيرينوفسكي رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي الفرصة للظهور في الساحة الحمراء وهو يوزع الأموال على "الخدم والعبيد" مستخدماً بعض مفردات الفيلم المثير للجدل.
تمكن "خولوب"، المدعوم من وزارة الثقافة الروسية في عشرة أيام، من جمع ملياري روبل (أكثر من 32 مليون دولار) في "شبابيك العرض" ومراكز الإعارة، في سابقة غير متوقعة في تاريخ الإنتاج السينمائي الروسي، وللمقارنة؛ فإن عائدات 49 فيلماً دعمتها الوزارة في 2019 لم تتجاوز 2.68 مليار روبل، وهي أقل من عائدات فيلم "الأسد الملك" الذي جمع في روسيا 2.99 مليار روبل.
يروي الفيلم قصة ابن أوليغارش موسكوفي، لا يلتزم بالقوانين والقيم المجتمعية، واعتاد على ارتكاب المخالفات وإذلال رجال الشرطة، والتمتع بالتعدي عليهم، واستخدام أموال والده ونفوذه لانتهاك القوانين والنفاذ من العقاب، مؤمناً بأن ما لم تستطع "شراءه" من البشر والخدمات والأشياء بقليل من المال، يمكن أن تحصل عليه بمبلغ أكبر، لأن لكل شيء ثمناً مادياً.
قطب المال والأعمال الذي نشأ وترعرع على الأخلاق السوفييتية، وانتهز فرصة الفوضى في التسعينيات ليجمع ثروات طائلة، ضاق ذرعاً بأعمال ابنه، ورتّب له مكيدة باستخدام أمواله وعلاقاته، واستغل وجوده بحالة سكر شديد، فنقله إلى قرية في أعماق روسيا، بعدما اتفق مع طاقم كامل من الممثلين بإشراف مخرجين ومهندسي ديكور ومصممي ألبسة لأداء دور مواطنين يعيشون في بداية القرن التاسع عشر، ليصحو "ابن الأوليغارش المدلل" عبداً يخدم في إسطبل أحد النبلاء.
تتعاقب على الشاب مواقف مذلة وحوادث غير معتادة بالنسبة له، بعد فقدان مركزه الاجتماعي المرموق.
تدريجياً، تتغير عاداته السيئة ليصبح إنساناً مسؤولا ومهذبا، خاصة بعد وقوعه في حب الخادمة آنا. تنتهي رحلة الشاب في الماضي بشكل مفاجئ كما بدأت، ليعود إلى حياته في موسكو المعاصرة، ولكن تواصله مع حبيبته يضيع، وتبدأ رحلة البحث عنها، ليجد أنها تعمل في أحد نوادي الفروسية المرموقة في موسكو، وينتهي الفيلم بـ"هابي إند" يضم الفتاة متوسطة المركز الاجتماعي لعائلة الميلياردير.
نهاية الفيلم أثارت الكثير من الحنق والسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الروسية، التي أشارت إلى أن سبب نجاح الفيلم وجمعه عائدات طائلة، هو رغبة الروس في رؤية العقاب العادل للأثرياء غير الآبهين بالقوانين، والواثقين أنهم بأموالهم يشترون ما يشاؤون، ويتملصون من أي عقاب. أما المنتجون الروس، فكان لهم رأي آخر، وفضلوا أن تنضم المحبوبة البسيطة إلى العائلة الغنية "ليعيشوا في ثبات ونبات ومعهم مليارات"، وفق تعبير أحد المعلقين الروس على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أعرب عدد كبير من الروس عن سخطهم من خداع منتجي الفيلم لهم، إذ تم الترويج للعمل السينمائي على أنه مسموح لمن هم فوق سن 12 عاما -بموجب قانون اعتمدته روسيا مؤخرا لمراقبة محتوى المواد الإعلامية، وضرورة ذكر الفئة العمرية المسموحة لحماية الأطفال من المحتويات غير المناسبة- وأشاروا إلى أنهم ظنوا أن الفيلم عائلي، ليتفاجؤوا هم وأطفالهم في دور السينما "بألفاظ نابية ومشاهد وإيحاءات جنسية في غاية القذارة"، وفق تعليق أحد المشاهدين على موقع "ميغاكريتيك" الروسي المختص بالنقد السينمائي، قبل أن يضطر كثير منهم إلى مغادرة صالة العرض.
إلى جانب الانتقادات التي تعرض لها الفيلم من الناحية الأخلاقية والحبكة الفنية، انتقد عدد من المثقفين الروس الرسالة التي أراد المنتجون توجيهها للمجتمع الروسي، وأشار بعضهم إلى "نداء واضح لتغيير حالة الكراهية تجاه الأغنياء وحيتان المال، وإظهارهم كبشر يخطئون ولكن طباعهم تتبدل نحو الأفضل". في حين قال موقع "نوفايا ازفيستيا" الروسي إن الفيلم "أراد إيهام البسطاء ودفعهم لتخيل أنهم يوما ما قد يحالفهم الحظ كما حالف الخادمة آنا، وسينضمون إلى ركب فاحشي الثراء"، في رؤية قال الموقع إنها تكرار للزعم المتكرر من قبل أثرياء روسيا، بأن صعود "السلم الاجتماعي" متاح للجميع.
كما واجه الفيلم انتقادات لاذعة من النقاد الروس، إذ لفتت يوليا شيغيلمان، الناقدة السينمائية في صحيفة "كوميرسانت"، الانتباه إلى ضحالة المضمون الفني والكوميدي، موضحة أنه "بدلا من مناقشة البعد الاجتماعي والأخلاقي، الفيلم يولي كثيرا من الاهتمام إلى ملابس الفلاحين والخدم الداخلية، وبالأحرى عدم وجودها. هذا هو مصدر الكوميديا الرئيسي للفيلم".
ناقدون آخرون لمسوا مضمونا سياسيا يحمله العمل الفني، إذ أشار الناقد سيرغي أوبولونكوف، على موقع "كينو مايل رو" إلى أن "الفيلم يحمل رسالة مثيرة للجدل إلى حد ما. إذا قمنا بتبسيطها قليلاً، فهي تبدو كالتالي: في الحالة التي يكون فيها الشخص لا ينصاع للقوانين، يمكن أن تكون العبودية، رغم كل أوجه القصور، وسيلة تربوية فعالة للغاية". هذا الرأي دعمته الناقدة فيرا أليونوشكينا في موقع "تايم أوت رو"، التي قالت إن الفيلم يروج لنظرية "العنف العلاجي"، واصفة إياه بأنه "نشيد السوط والخوف".

من المثير للاهتمام أن مخرج الفيلم اقترح إعادة القانون الإقطاعي لروسيا، معتبرا إياه "الوسيلة الأنسب لإعادة تهذيب المجتمع"، وأعرب عن أمله أن "يكون الفيلم ملهما لصناع القرار ليتخذوا قرارا بهذا الشأن"، ومعلوم أن قانون القنانة في روسيا ألغي في عام 1861 بمرسوم من القيصر ألكسندر الثاني.
لم يتأخر تجاوب صناع القرار الروس، إذ خرج عضو مجلس الدوما وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي إلى الساحة الحمراء، وقام بتوزيع المال على المواطنين مناديا "تعالوا وخذوا أيها اليتامى! تعالوا يا فقراء! تعالوا أيها العبيد والخدم"، في تصرف ربطه البعض بتأثير الفيلم على المسؤول الروسي، وبعد دعوات لمحاسبته على تصرفاته بتوزيع المال واستخدامه مصطلحات لا تتناسب مع مبدأ المواطنة، ذكر الحزب في بيان أن "جيرينوفسكي لم يقصد إيذاء مشاعر أي شخص، وهو يساعد ويعطي المال لكل محتاج يقصده".
لم يقتصر التأثر على جيرينوفسكي المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، بل انضم إليه عضو كتلته البرلمانية في مجلس الدوما(البرلمان) الروسي فلاديمير سيسوف، الذي كشف عن نيته تقديم طلب لنائبة رئيس الوزراء أولغا غولوديتس لشؤون الثقافة للنظر في إمكانية إدراج آداب التصرف والحديث التي كانت متبعة قبل ثورة 1917، في المناهج الدراسية، موضحا في تصريحات لوكالة "روسيا سيقودنيا" أن "استخدام قواعد السلوك القديمة سيزيد من الطابع الأخلاقي للمجتمع".
دلالات
المساهمون