المعلّقون في الهواء: عُمّالٌ لا يهابون المخاطرة

22 أكتوبر 2014
مِهنٌ حافلة بالمخاطر(رمزي حيدر/ Getty)
+ الخط -
اهتزّت الحافة الحديدة تحت قدميْ خالد، نظر إلى الأسفل للحظة، وتراجع على الفور. بدت المسافة وكأنها الحدّ الفاصل لحياة كاملة. تراجع خالد عن محاولته مدّ الكابل نحو الصّحن الفضائي.عبثاً حاول إكمال مهمته بعد أن تملّكه الخوف. عاد إلى صاحب مكتب تمديد اشتراك الفضائيات خائباً يشكو الارتفاع الشاهق ومخاطر "المصلحة". ربُّ عمله حسم الأمر سريعاً، فخيّره بين أمريْن : إمّا متابعة المهمة أو ترك العمل. 
يروي خالد بعد مضي 6 سنوات على مزاولته عمله: "لا أغامر إذا كان الطقس عاصفاً أو ماطراً وأعمل فقط على السطوح التي تحدّها مصطبات صغيرة لغاية اليوم . لن أنسى تلك اللحظة التي كِدتُ أن أقع ". أمّا حسان عامل الدهان، يزاول مهنته منذ 20 عاماً. لا يزال يتمتع بقوام رشيق، وهو في الأربعين من عمره، تراه يضع سلّمه الخشبي ويثبّته على جدران شرفة في الطابق العاشر. يعمل بيد واحدة ويلتقط سيجارته في الثانية. يقول حسان إنّ الأمر أصبح عاديّاً جدّاً وأن الطابق الأول كالطابق العاشر بالنسبة له :"لا أنظر إلى الأسفل أبداً، أحفظ خطواتي جيداً وينصبُّ كل تركيزي على جدران الشرفة".
حُمّى الفوضى في لبنان إضافة إلى غياب الرّقابة عن تلك المهن جعلت الأخيرة مساراً إجباريّاً لكثير من الذين لم يكملوا دراستهم. لم تسجل أية حادثة توقيف من شرطة البلدية أو الداخلية لهؤلاء الشبان المغامرين. ارتفعت في الآونة الأخيرة ظاهرة موت عمّال البناء جرّاء سقوطهم من الطوابق العليا. أغلب الضحايا هم سوريون ممن هربوا من هول الحرب التي تعصف ببلدهم .
يُقرّ فادي مهندس أحد الورش في بيروت، أنّ نسبة الخطر مرتفعة على العامل الأجنبي تحديداً. يردّ فادي ذلك إلى كون العمّال الآسيويين عموماً والسوريين خصوصاً هم من سكان الأرياف في بلادهم. ورغم أنّهم يجيدون العمل في صبّ الباطون والإسمنت، إلاّ أنّه لم يسبق لهم العمل على ارتفاع شاهق في المدن. معظم بلداتهم وقراهم لا يتعدى البناء فيها خمسة أو أربعة طوابق .
لم يسبق أن سجّلت تحقيقات الشرطة توقيف أي صاحب ورشة جرّاء سقوط أحد العمال. يوقّع الغالبيّة منهم على كشوفات خاصة بربّ العمل على تحمّلهم مسؤولية المخاطر الناتجة عن عملهم . تُطوى التحقيقات الشبيهة عادة في لبنان على ذمّة "القضاء والقدر". يجري معاينة مكان السقوط وتُسجل المحاضر مصحوبة برخص أصحابها الموافية للقوانين والإجراءات المتّبعة .
تحمل سطوح بيروت عشرات الحكايا الشبيهة. رجال قرروا اقتناص الرّزق بين السماء والأرض. يمضون غير آبهين بالخطر المحدق بهم حتى لا ترمي بهم البطالة إلى العوز. هي مهن الشّجعان فقط وأصحاب القلوب الميتة كما يقولون. لا يغطيها في كثير من الأحيان بطاقات التأمين ولا الضمان الاجتماعي. هم المعلقون في الهواء، كأرزاقهم وحياتهم " وللّي كاتبو ربك بيصير "، بحسب خالد الشاب الذي رأى الموت : "الله الحامي وما إلنا غيره وغير حجاب أهدتني إياه أمي بعد الحادثة ".
دلالات
المساهمون