تود فيليبس... المخرج بعيداً عن ثلاثيته

17 سبتمبر 2019
تود فيليبس وواكِن فينيكس في "لا موسترا 2019" (Getty)
+ الخط -
أيُمكن لثلاثية سينمائية واحدة أن تمنح مخرجها شهرةً، تتفوّق على فوزه بجائزة أساسية من مهرجان دولي، مُصنَّف فئة أولى؟ أيُعقل أنْ يبلغ مخرجٌ مرتبةً راقية في المشهد الخاصّ بالمهرجانات السينمائية الدولية، وله في رصيده الإخراجيّ بضعة أفلام، تتراوح بين الكوميديا والتشويق والحركة البوليسية؟ ألا يُحدِث فوزٌ بجائزة "الأسد الذهبيّ" تساؤلات عن مسار مخرجٍ، وعن مهنته واشتغالاته، وعن تحوّلات مهنة واشتغالات أيضًا؟
هذا كلّه مطروحٌ غداة فوز الأميركي تود فيليبس (مواليد بروكلين ـ نيويورك، 20 ديسمبر/ كانون الأول 1970) بتلك الجائزة، في ختام الدورة الـ76 (28 أغسطس/ آب ـ 7 سبتمبر/ أيلول 2019) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، عن فيلمه الأخير "جوكر". والـ"جوكر" شخصية مستلّة من عالم "القصص المُصوّرة"، وحاضرة في نتاجات سينمائية عديدة، من دون أن تبرز كشخصية أولى وأساسية، كما هو حالها في جديد فيليبس، الذي يُفترض بعروضه الأميركية أن تبدأ في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (موعدٌ قابلٌ للتغيير)، على أن تبدأ عروضه الفرنسية في 9 أكتوبر/ تشرين الأول نفسه.
قيل إنّ واكِن فينيكس، مؤدّي شخصية الجوكر في فيلم تود فيليبس، يستحق جائزة أفضل ممثل عن دوره هذا، لكن الجائزة ممنوحة للإيطالي لوكا مارينيلّي، عن دوره في "مارتن إيدن" لبياترو مارتشيلّو. هذا قولٌ يتردّد بُعيد إعلان النتائج ومنح الجوائز. لكن العروض التجارية الدولية كفيلةٌ بتأكيد القول أو نفيه. ورغم هذا، فإنّ فوز الفيلم بالجائزة الأولى، في المهرجان الدولي، المُصنّف "فئة أولى"، يحثّ على استعادة سيرة مخرجٍ أميركي، له تجربة سينمائية مُثيرة للاهتمام والمتابعة، منذ بداياتها مطلع الألفية الثالثة هذه.
أما ثلاثيته المعنونة بـ"هانغوفر"، المُنجزة في أعوام 2009 و2011 و2013، فتبقى نتاجًا سينمائيًا له مكانته الثابتة في الوجدان الجماهيري، كما في الجانب التجاريّ لصناعة السينما. فالأول يُحقِّق 467 مليونًا و483 ألفًا و912 دولارا أميركيا، مقابل ميزانية تبلغ 35 مليون دولار أميركي فقط، وهذا نجاحٌ تجاري أكيد؛ والثاني يُحقِّق 586 مليونًا و764 ألفًا و305 دولارات أميركية، مقابل ميزانية تبلغ 80 مليون دولار أميركي، وهذا تأكيدٌ على النجاح التجاري؛ والثالث يُحقِّق 362 مليونًا و72 ألف دولار أميركي، مقابل ميزانية تبلغ 103 آلاف دولار أميركي، وهذا نجاحٌ تجاري "لا بأس به". هذه أرقام تبدو، لوهلة أولى، مهمّة، لكن التمعّن بها ـ وفقًا للحسابات الإنتاجية الموزّعة على شركات الإنتاج والتوزيع، وعلى عاملين فيه ـ يكشف أنّها جيدة إلى حدّ ما، بالنسبة إلى ثلاثية سينمائية "ناجحة" و"محبوبة"، ويُعاد عرضها التلفزيوني على شاشات عديدة، مرة تلو أخرى.
لكن المجحف بحقّ تود فيليبس كامنٌ في اختزال مساره المهني بهذه الثلاثية، والدليل أنّ تمكّنه من إنجاز نسخة مختلفة عن بطلٍ شعبيّ، رغم عدائيته وشروره، كفيلٌ بوضعه في مصاف المخرجين الكبار، مع أنّ حضوره السينمائي السابق على "جوكر" يمنحه حضورًا كهذا. أحد إنجازاته "الشعبيّة"، إنْ يصحّ القول، يتمثّل بنسخة سينمائية لمسلسل تلفزيوني له جمهور دولي: "ستارسكي وهاتش".

فالفيلم (2004) مقتبس عن السلسلة التلفزيونية بالعنوان نفسه، لمبتكرها ويليام بلين (92 حلقة/ 48 دقيقة، بين 30 أبريل/ نيسان 1975 و15 مايو/ أيار 1979، على شاشة ABC تحديدًا). والفيلم، المُنجز بميزانية تبلغ 60 مليون دولار أميركي، يُحقِّق إيرادات دولية تبلغ 170 مليونًا و268 ألفًا و750 دولارا أميركيا، بينما يصل عدد مُشاهديه في فرنسا إلى مليون و518 ألفًا و572 مُشاهدًا.
أول فيلم لتود فيليبس مُنجز عام 2000، بعنوان Road Trip. فيلمٌ شبابي ومُشوّق وكوميدي ومغامِر، إذْ يرتكز على علاقة "غريبة" بين شاب وصبيّة، يفصل بينهما 3 آلاف كيلومتر، إذْ يُقيم كلّ واحد منهما في مدينة مختلفة عن الأخرى، بسبب الدراسة الجامعية. لكن العلاقة بينهما متمثّلة بتبادل أشرطة فيديو، وهذا طبعًا قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف الخلوية والذكية. لكن، ذات يوم، ينتبه الشاب إلى إرساله شريطًا "مُعيبًا" بحقّه، فيُقرّر السفر إلى مدينة "حبيبته" مع أصدقاء له، في محاولة الوصول إليها قبل استلامها الشريط.
أما الفيلم السابق على "جوكر"، فيغوص في عوالم الحرب وتجارة الأسلحة وكواليس صناعة الموت في الولايات المتحدّة الأميركية، بناء على واقع متعلّق بالحرب في العراق وعليه، وبتسليح أفغانيين في زمن انقلابات وتبدّلات دولية. والفيلم هذا، المعنون بـ War Dogs، والمُنجز عام 2016، يروي حكاية صديقين يلتقيان صدفة بعد غياب، فيعملان معًا في تجارة الأسلحة، ويغرقان في مغامرة خطرة عندما تُعرض عليهما صفقة بقيمة 300 مليون دولار أميركي.
بين فيلم البداية والفيلم الفائز بالجائزة الأولى في "لا موسترا 2019"، يعمل تود فيليبس، الحامل إجازة جامعية في السينما من "جامعة نيويورك"، في المجال الوثائقي، قبل أن ينخرط في مهنٍ سينمائية وتلفزيونية مختلفة، كالإنتاج والكتابة، وهذه الأخيرة تمنحه ترشيحًا لـ"أوسكار" أفضل سيناريو مقتبس، عن عمله في "بورات: التعلّم الثقافي لأميركا من أجل الاستفادة من أمّة كازاخستان المجيدة" (2006) للاري تشارلز.
المساهمون