عدي خليفة: الجامعة لا تساعدني على المسرح

11 مايو 2017
2011 كان أول عرض ستاند آب (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن خوض عالم المسرح درباً سهلاً على الممثّل الكوميدي الفلسطيني، عدي خليفة. بيد أنّ شيئاً ما بداخله كان يدفعه للبدء من جديد كلّما تعثّر في مسيرته وموهبته على المسرح. تعرّض للسخرية، وفشل في البداية في رسم ابتسامة على وجوه الحضور. سنوات من الإصرار والإيمان بقدرته على التمثيل الارتجالي على المسرح، حتى أبدع هذا الشاب في عروضه، وكان أوّل "ستاند أب كوميدي" ناجح له "ستندب من الضحك"، حين تفاعل الجمهور معه بشكل رائع، وذاع صيته في بلده فلسطين. لكن نجاحه تجاوز حدود وطنه، ووصل إلى دول أوروبية وعربية وإلى الولايات المتحدة، حيث سيقيم عروضاً مميزة. وبما أنّ العاصمة البريطانية لندن ستستضيفه على مسارحها في 19 مايو/ أيّار، ليقدّم عرضه "بيلياتشو" المستوحى من حياته وتجاربه الشخصية، حاورته "العربي الجديد"، للتعرّف على أهمّ إنجازاته ومحطّات حياته عن كثب.

* كنت تدرس الاقتصاد لكنك اخترت التمثيل الكوميدي الارتجالي. هل بدأت من دون أي دراسة في مجال التمثيل وبالاعتماد على موهبتك وشغفك؟
بدأت بدراسة حسابات واقتصاد، في عام 2007. وبعد مضي ثلاث سنوات، قرّرت البدء في التمثيل الكوميدي، بعد أن لفت انتباهي ديف شابيل وجورج كارلن وإدي مورفي. ولم تكن هناك كوميديا معروفة في العالم العربي، مع أنّي تأثّرت بزياد الرّحباني، خصوصاً برنامج "العقل زينة"، على الرّغم من أنّه لم يكن تمثيلاً كوميدياً ارتجالياً. وبما أنّ المسرح لم يأخذ حقّه في العالم العربي، قرّرت أن ألتحق بالدراسة كسلاح يسعفني في حال فشلي في التمثيل. اعتبرت تخصّصي في الاقتصاد والحسابات، الخطة "ب". بيد أنّني ذات يوم قرأت نصيحة لبروسلي يقول فيها إنّه كي تنجح الخطة "أ" يجب ألّا تكون لديك خطة "ب". تلك العبارة كانت دافعاً كبيراً لإلغاء دراستي الاقتصاد في الجامعة، لأبدأ عوضاً عنها وفي الجامعة ذاتها، دراسة المسرح. ولكنّي كنت أعمل خلال دراستي على سكيتشات مع الياس مطر صديقي، وحضّرت لمسرحية دعوت إليها أهلي، لأبلغهم من على المنصّة بقراري، على طريقة ديف شابيل، الذي قال لأبيه في حالة مشابهة، أنت جمعت المال كأستاذ، ما الذي يمنع أن أجمع المال كممثل كوميدي. وتقبّل أهلي الموضوع مع الوقت.

* ألا تعتقد أنّ الموهبة وحدها لا تكفي أحياناً؟
أود أن أؤكّد أنّ الجامعة لم تساعدني كثيراً كممثّل كوميدي على المسرح. وجميع أو غالبية الممثلين الكوميديين الكبار لم يدرسوا مسرح، بل تعلّموا دورات تمثيل على المسرح، وليس في إطار الجامعة. وتبقى المشكلة في غياب نوادي الكوميديا في العالم العربي، باستثناء وجود اثنين على حد علمي، أحدهما في عمان، والآخر في جدّة.

* متى بدأت التمثيل كمهنة؟ وكيف كان رد فعل الجمهور؟
النقلة النوعية كانت في عام 2011، حين أقمت أوّل عرض ستاند أب كوميدي، في فلسطين اسمه "ستندب من الضحك"، حضره ما يزيد عن الألف شخص. بعد هذا العرض أصبحت معروفاً في فلسطين، وكتبت عني الصحافة. ودعيت إلى مهرجان العرب في نيويورك للكوميديا. كان رد فعل الجمهور رائعاً بعد عرض استمرّ ساعة ونصف، وشعرت بالسعادة لأنّني خطوت هذه الخطوة بعد بذل جهد كبير، والتحضير لما يقارب الثمانية أشهر. كنت أقف على خشبة المسرح بعد أن أكتب كل كلمة وأمثّلها قبل ظهوري أمام الجمهور، لكنّي اليوم أتعامل مع الأمور بطريقة مختلفة، وأجرّب أحياناً مع الناس الذين أعرفهم بعض المواقف كي أختبر جدواها على المسرح وإن كانت مضحكة. وأعتقد أنّني بتّ أكثر ثقة ومعرفة في ما قد يثير الضحك، حتى لو فشلت في تجربته مع أصدقائي، لأنّ بعض السكيتشات قد تكون مضحكة على المنصّة، ولكنّها ليست كذلك مع الأصحاب.

* متى شعرت بالفشل والاستسلام؟ كم استمرّت تلك المرحلة وكيف تجاوزتها؟
مرّات عديدة شعرت بالفشل، وكانت العروض بذاتها فاشلة، فأحسست بالإحباط، حتى رحت أتساءل: "لماذا توقّفت عن دراسة الاقتصاد؟". كنت أتوقّف عن التمثيل لأشهر، وأدخل في حالة من الاكتئاب، لكني كنت أعود بعدها لأخوض عالم المسرح من جديد. ما أمدّني بالأمل هي قصص الكثير من مشاهير الكوميديين الذين تعبوا جداً للوصول إلى العالمية، ومنهم راسل بيترز وديف شابيل وغيرهما. تلك القصص كانت تريحني، وشيئاً ما بداخلي كان يدفعني للبدء من جديد.

* قلت إنّك من المعجبين جدا بديف شابيل، لدرجة أنّك بكيت حين رأيته. ما الذي يميزه وماذا اكتسبت أو تعلّمت منه؟
ما يعجبني في ديف شابيل، ليس فقط عبقريته في الكوميديا، بل إنّه إنسان ذو مبدأ، استطاع الوصول إلى الكثير من الناس. وهناك حادثة لفتتني، حين عرضوا عليه مبلغ 50 مليون دولار أميركي لتقديم عرض، ورفضه لأنّه يتنافى ومبادئه السياسية. ذلك الموقف رفعه في نظري. وكان لقائي به بمثابة حلم تحقّق. كتبت له رسالة من 13 صفحة تهيؤاً للقاء، وصرخت في القاعة حيث كنت أحضر أحد عروضه بأعلى صوتي: "ديف لقد غيّرت حياتي". حين قابلته عن قرب، سألني عن بلدي، وهو شخص داعم للقضية الفلسطينية. سلّمته الرسالة ووعدني بأنّه سيقرأها. وتأكّدت من ذلك، حين جاء مو عامر إلى الضفّة، وكان مو يعمل مع شابيل منذ سنوات، أبلغني أنّ ديف كان على وشك أن يبكي حين قرأ رسالتي.

* ما هي أكثر المواقف المحرجة التي مررت بها أثناء وقوفك على المسرح؟
الكثير من العروض. ذات مرّة كان لدي عرض في يافا في عام 2007، ووقفت لأجرّب أوّل سكيتش، فسمعت أحد الحاضرين يقول لي: "انزل عن المنصة. هاني شاكر يضحّك أكثر منك"، ولم أتمكّن من إضحاك أحد من الحضور. وفي الوقت ذاته، بعد حين كنت متوجّهاً إلى موقف السيّارات، نادت عليّ فتيات بالقرب من الحفل، وسألنني إن كنت أنا من كان يقف على المنصّة، ليخبرنني بأنّني ثقيل الدم وأنّني "خرّبت السهرة". معظم عروضي من عام 2009 ولغاية عام 2010 كانت فاشلة. بيد أنّ هؤلاء الناس الذين انتقدوني في الماضي، باتوا يحضرون عروضي اليوم ويحبّونها. ولا أزال أجهل لماذا استمرّيت، لكنّي متأكّد من أنّ الشغف في داخلي دفعني إلى ذلك.


المساهمون