العاصمة العراقية تفقد لسانها: أين اختفت اللهجة البغدادية؟

بغداد

محمد الملحم

avata
محمد الملحم
17 سبتمبر 2019
3319D862-66E2-4EFE-90AF-E5064D37B4B2
+ الخط -
يسرد باحثون، ومواطنون من أهالي بغداد، جملة من الأسباب التي جعلت اللهجة البغدادية تتلاشى تدريجياً في الشارع، وفي الإعلام، والدراما العراقية، ليحل محلها خليط من اللهجات المحلية. ويرجعون ذلك بشكل أساسي إلى الحروب، وعمليات النزوح السكاني في البلاد، وهجرة أهالي بغداد إلى خارجها بعد عام 2003.

لتنوّع اللهجات في العراق أسباب كثيرة، أبرزها العوامل التاريخية، التي مرت على البلاد. لكن طيلة عقود بقيت اللهجة البغدادية هي الأشهر، وهي التي تمثّل البلاد في الخارج. غير أن السنوات الأخيرة شهدت اللهجة تراجعاً كبيراً لحضورها، وبات مستخدموها أقل بكثير، بعد التغيير الديموغرافي الكبير الذي يقدره مراقبون بأكثر من 50 في المائة من مجمل سكان بغداد وضواحيها. إلى جانب موجات النزوح التي ضربت البلاد بعد الغزو الأميركي عام 2003. هكذا يبدو التغيّر السكانيّ واضحاً في أحياء ومناطق الكرادة، وكرادة مريم، والمسبح، والجادرية، والسيدية، وبغداد الجديدة، وزيونة، والمنصور، والحارثية، والصالحية، والمستنصرية، التي يكاد يختفي منها سكانها التاريخيون، خصوصاً طوائف العراق غير الإسلامية وأبرزها الآشوريون، والصابئة، والأرمن على وجه التحديد. فهؤلاء تركوا منازلهم وغادروا البلاد إلى دول غربية مختلفة بسبب الخطر على حياتهم، من قبل جماعات إرهابية ومليشيات مسلحة.

اللهجة البغدادية التي اعتُمدت منذ عقود كسفيرة اللسان العراقي، على مختلف المستويات الرسمية، والإعلامية، والسياسية والفنية أيضاً، تتعرّض حالياً إذاً، لحالة انقراض. فإما يتم تهجينها مع لهجات أخرى، أو الاستغناء عنها لأسباب، لا يمكن استثناء السياسة منها.
يرى الروائي العراقي جمال القيسي، أن "اللهجة البغدادية ولدت نتيجة تصاهر لحقب طويلة، على أقل تقدير لعشرات القرون. وقد ظهرت وتكوّنت بالمفردات البغدادية المحضة". ويضيف القيسي لـ"العربي الجديد": "خلال الفترة المذكورة تعرضت بغداد للعديد من الاحتلالات، لذلك نجد في اللهجة البغدادية مفردات فارسية، وتركية لكن بنكهة بغدادية خالصة". ويسترجع القيسي حقبة السبعينيات، "حين انسجمت المفردة الجنوبية والبغدادية وأخرجت نمطاً من الأغاني والقصائد اللطيفة واللفظ الجميل. لكن اليوم روحية المحلة البغدادية اندثرت تقريباً".

ولفت القيسي، إلى أنّ "لكل مرحلة مفرداتها وكلماتها. فيمكن معرفة حراك المجتمع من خلال مفرداته، ويمكن أن نقيس ذلك بالمفردات الأخيرة التي دخلت إلى اللهجة البغدادية مثل "عتّاك" (من أصبح ذي شأن بعد الاحتلال الأميركي) و "صكّاك" (عناصر المليشيات). هذه المفردات جاءت نتيجة الفعل الاجتماعي، لأن الناس هي من تخلق اللهجة". ويقول القيسي "نعاني من فشل في الثقافة العراقية، نتيجة فشل المجتمع كاملاً. فبغداد لم تمتلك مؤسسات مدنية حقيقية. والتغييرات التي شهدتها العاصمة ضربت الثقافة في عمقها".

من جهته، يشير الباحث العراقي كمال لطيف لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "اللهجة البغدادية خضعت ومنذ زمن بعيد إلى تأثيرات القوى الأجنبية التي احتلّت هذا البلد. قدموا إليها من كل حدب وصوب، من المغول، والتتار، والآراميين، والأتراك، والإنكليز وغيرهم، ما ترك بصمات عند البغداديين. فاللغة التي كانت تستعمل في العشرينيات كانت مطعمة بهجين من كلمات إيرانية وتركية مثلاً نقول جقجة قدر (الصُرّة)، وعنبر ورد (عطر محلي يستخدم للغزل بالفتيات)، وجكليت (شوكولا)، وبرطيل (الرشوة). دخلت هذه الكلمات في اللهجة البغدادية. ومع ذلك احتوت اللهجة البغدادية على تعابير شعبية مثل دربونة (الزقاق الصغير)، جادة (الشارع)، عكد (طريق نهايته مغلقة)، سكف (سقف)، موكد (موقد)، وهذه مصطلحات جاءت من المحافظات الأخرى".

ويبيّن لطيف، أن "سبب اندثار اللهجة البغدادية هو التغير الديمغرافي الذي عاشته بغداد وزاد بعد عام 2003، وبعد غياب الراحل يوسف العاني (1927 ـ 2016) الذي كتب المسلسلات ذات اللهجة البغدادية، وهي مستقاة من روايات غائب طعمة فرمان (1927 ـ 1990)، بعكس الكتاب الآخرين الذين يبتعدون عن الكتابة باللهجة البغدادية".


أما الصحافي هيثم مزبان لـ"العربي الجديد" فيرى أنّه: "يمكن عودة اللهجة البغدادية من خلال المسلسلات البغدادية الحقيقية مثل مسلسل "الذئب"، و"عيون المدينة"، التي كانت تقدّم بلهجة بغدادية بحتة أو مسلسل "تحت موسى الحلاق" الذي عرض بلهجة بغدادية ناشفة وجميلة جداً. اعتقد أنّ إنتاجات كهذه تشكّل فرصة مهمة يمكن من خلالها عودة اللهجة البغدادية". ويلفت إلى أن "الجلسات والندوات الثقافية غالباً ما تعقد في المقاهي لا تركز على اللهجة البغدادية بقدر اعتمادها على اللغة العربية الفصحى. ويمكن أن تعقد مثل هذه الجلسات والندوات باللهجة البغدادية".

ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
المساهمون