الصفة الغالبة والأصدق في سيرته المهنيّة، كامنةٌ في أنّه "أهمّ ممثل في دور ثانٍ" في السينما المصرية. براعته في أن يكون "السنّيد" (بالتعبير السينمائي المصري) تمنحه حضورًا مختلفًا في صناعة السينما، وتضعه في فئة نادرة من ممثلي ذاك النوع من الشخصيات. لن ينتقص من قيمته الأدائية قول ذلك. فدور "السنّيد" أساسيّ لكونه مفصلاً أو مفتاحًا في مسار الحدث الدرامي، أو في انقلاب المصائر، أو في "ترتيب البيت الداخلي" للشخصية الأساسية، ولعلاقاتها المتنوّعة.
قول كهذا منسجم مع تكريم "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" للممثل حسن حسني (1931)، في افتتاح دورته الـ40 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018). ممثل محترف في "الوقوف" خلف ممثل الواجهة، كمن ينتبه ويتأمّل ويُحلِّل ويراقب ويقود ويدعم. هذه صفات حاضرةٌ في التراجيديا كما في الكوميديا، وإنْ تختلف مستويات حضورها بينهما. هذه ميزات يتمتّع بها حسن حسني بطرق عديدة، محاولاً امتلاك جوهرها بعفوية منصرفٍ إلى "تأدية" واجب مهنيّ بخفّة متحمّس، وبوعي مُدركٍ لأهمية فعله (أو هكذا يوحي الممثل لمتابعيه)، وإنْ يبدو غالبًا أن له عفوية تكاد توحي باغترابه عن هذا كلّه، وبإسرافه في اشتغالٍ يغلب عليه حسّ طفوليّ يجعله يوافق على كمٍّ هائل من مشاريع، مواضيعها مُستهلكة ومُكرَّرة غالبًا، بعد جهدٍ ينقله من المسرح إلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة، فإذا برغبته العارمة في التمثيل السينمائيّ تدفعه إلى موافقة متسرّعة على تلك المشاريع، ومعظمها هابط واستهلاكي ومتشابه.
مسار متناقض لن يُسقِط عن حسن حسني سمات محفورة فيه: عفوية أداء "تُقنع" المُشاهد بعمق اشتغال صاحبها على نفسه وعلى الدور والشخصية؛ تمكّن مذهل من جعل أدائه (حركة يد، ونبرة صوت، وآلية تحرّك، إلخ) مقبولاً، وأحيانًا مُثيرًا للضحك، رغم تكراره الذي يصنع، غالبًا، بعض الملل؛ محافظته على نضارة حضور تحصّنها نظرة عينين ورجفة يدين و"مشية" تذهب بعيدًا في التعبير عن توقٍ إلى بورجوازية مفقودة ومرغوبة، وعن أناقة طبقة وسطى تبقى فاعلة في شكله.
لعلّ حسن حسني نفسه غير منتبه إلى هذا كلّه في ذاته، الشخصية والتمثيلية. لعلّه مهموم فقط بمهنةٍ تأتيه متأخّرًا، فيجتهد كي تكبر الـ"فيلموغرافيا" الخاصّة به، من دون حسابٍ للنوعية. وفي الوفرة العددية، يندر انتقاء أفضل أدواره وأجملها، فهي بغالبيتها الساحقة متشابهة، شكلاً ومضمونًا. لكنه، في هذا الإطار نفسه، غير قادر على منح "الدور الثاني" سمات ماثلة في أفلامٍ سابقة له. فهو، سابقًا، أنجح في تحويل هذا الدور إلى فنٍّ حقيقي وحيوي، مستمدًّا في ذلك مسارًا تاريخيًا لأدوار "السنّيد"؛ بينما في وفرة الأفلام المشارك فيها في الأعوام الـ25 الأخيرة، وبعضها موصوفٌ بأنها "أفلام الشباب"، لن يخرج من عباءة هو صانعها من دون توصّله إلى تطويرها.
في احتفال تكريمه التالي لحفلة الافتتاح، قيل إن التصفيق المدوّي لحسن حسني غير مكتفٍ بالأيدي، بل "بالقلوب" أيضًا. هذا يختزل علاقة الممثل بالسينما ومشاهديها: عاطفةٌ تغلب تفكيرًا وتأمّلاً في اشتغاله. ربما هو مكتفٍ بهذا.
نديم...
قول كهذا منسجم مع تكريم "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" للممثل حسن حسني (1931)، في افتتاح دورته الـ40 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018). ممثل محترف في "الوقوف" خلف ممثل الواجهة، كمن ينتبه ويتأمّل ويُحلِّل ويراقب ويقود ويدعم. هذه صفات حاضرةٌ في التراجيديا كما في الكوميديا، وإنْ تختلف مستويات حضورها بينهما. هذه ميزات يتمتّع بها حسن حسني بطرق عديدة، محاولاً امتلاك جوهرها بعفوية منصرفٍ إلى "تأدية" واجب مهنيّ بخفّة متحمّس، وبوعي مُدركٍ لأهمية فعله (أو هكذا يوحي الممثل لمتابعيه)، وإنْ يبدو غالبًا أن له عفوية تكاد توحي باغترابه عن هذا كلّه، وبإسرافه في اشتغالٍ يغلب عليه حسّ طفوليّ يجعله يوافق على كمٍّ هائل من مشاريع، مواضيعها مُستهلكة ومُكرَّرة غالبًا، بعد جهدٍ ينقله من المسرح إلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة، فإذا برغبته العارمة في التمثيل السينمائيّ تدفعه إلى موافقة متسرّعة على تلك المشاريع، ومعظمها هابط واستهلاكي ومتشابه.
مسار متناقض لن يُسقِط عن حسن حسني سمات محفورة فيه: عفوية أداء "تُقنع" المُشاهد بعمق اشتغال صاحبها على نفسه وعلى الدور والشخصية؛ تمكّن مذهل من جعل أدائه (حركة يد، ونبرة صوت، وآلية تحرّك، إلخ) مقبولاً، وأحيانًا مُثيرًا للضحك، رغم تكراره الذي يصنع، غالبًا، بعض الملل؛ محافظته على نضارة حضور تحصّنها نظرة عينين ورجفة يدين و"مشية" تذهب بعيدًا في التعبير عن توقٍ إلى بورجوازية مفقودة ومرغوبة، وعن أناقة طبقة وسطى تبقى فاعلة في شكله.
لعلّ حسن حسني نفسه غير منتبه إلى هذا كلّه في ذاته، الشخصية والتمثيلية. لعلّه مهموم فقط بمهنةٍ تأتيه متأخّرًا، فيجتهد كي تكبر الـ"فيلموغرافيا" الخاصّة به، من دون حسابٍ للنوعية. وفي الوفرة العددية، يندر انتقاء أفضل أدواره وأجملها، فهي بغالبيتها الساحقة متشابهة، شكلاً ومضمونًا. لكنه، في هذا الإطار نفسه، غير قادر على منح "الدور الثاني" سمات ماثلة في أفلامٍ سابقة له. فهو، سابقًا، أنجح في تحويل هذا الدور إلى فنٍّ حقيقي وحيوي، مستمدًّا في ذلك مسارًا تاريخيًا لأدوار "السنّيد"؛ بينما في وفرة الأفلام المشارك فيها في الأعوام الـ25 الأخيرة، وبعضها موصوفٌ بأنها "أفلام الشباب"، لن يخرج من عباءة هو صانعها من دون توصّله إلى تطويرها.
في احتفال تكريمه التالي لحفلة الافتتاح، قيل إن التصفيق المدوّي لحسن حسني غير مكتفٍ بالأيدي، بل "بالقلوب" أيضًا. هذا يختزل علاقة الممثل بالسينما ومشاهديها: عاطفةٌ تغلب تفكيرًا وتأمّلاً في اشتغاله. ربما هو مكتفٍ بهذا.
نديم...