"الألبوم" لـ مسار إجباري: روك يقع خارج زمن الأغنيات

23 ديسمبر 2018
(معظم أغاني العمل خلت من الموسيقى واعتمدت على الإيقاع)
+ الخط -
من اللحظة الأولى، يبدو المفهوم وراء عمل فريق "مسار إجباري" الجديد واضحاً؛ فهو ألبوم أقرب إلى الغناء التجاري منه إلى البديل في صناعته، وهذا ليس عيباً.

بدأ العمل، الذي صنعت حملة دعايته وحفل إطلاقه بمنتهى العناية، بفكرة الألبوم المصور بالكامل، كما فريق "كايروكي"، الذي فتح هذا المجال أولاً ضمن الفرق العربية المستقلة، ولكن "مسار إجباري" اتخذوا منحى آخر؛ فبدلاً عن التصوير في موقع ثابت وبشكل شبه متصل، استخدموا ثيمة بصرية وأزياء مختلفة خلال التنقل بين الأغاني، بل لم يظهروا في بعض الأغاني التي قام ببطولتها آخرون، أو كانت بالكامل من الأنيميشن. فكرة ناجحة، خصوصاً أن طبيعة الموسيقى التجارية وثيم الألبوم الراقصة لا تحتمل الثبات.

من الأغنية الأولى، تتضح جودة صناعة الموسيقى، بمعنى التسجيل ومعالجة الصوت، عمليات الميكساج والماسترينغ، ولكن أيضاً يتضح مفهوم آخر ملموس عبر الألبوم، وهو القوالب الموسيقية الإيقاعية الشهيرة سلفاً، التي تمكّن السامع من استنتاج بقية الأغنية من الثواني الأولى لها، والتي لن يتم التغيير عبرها كثيراً سوى بدخول الغيتار على الأغلب في صولو -عزف منفرد ارتجالي الإيحاء مواز لها.

هذه القوالب تم ملؤها بما يشبه الألحان، ولكن لا لحن حقيقياً هنالك عبر أغلب الألبوم، بل يبدو الأمر أقرب إلى تقطيع الكلام بشكل منغم على القالب الموسيقي والإيقاعي المعتاد عالي الجودة في التنفيذ و ليس العزف ذاته.

أولى أغاني الألبوم هي "للحزن أصول". روح الروك التي افتتح بها الألم. كعادته، جاء أداء هاني الدقاق مرتبكاً بين الغناء والإلقاء ومحاولة التمثيل عبر صوته. تتضح لمسات الأوتوتيون التي تم استعمالها عليه. مرّة أخرى، هذا ليس عيباً، لكن العادة التي لم ينقطع عنها هاني هي التمثيل بالكلمات؛ أي التقطيع الغريب لها، نطقاً ومواضعَ لحنية، إذ يفقد السامع متابعته للمعاني وتفقد الأغنية انسيابها.

ينساق الدقاق في ذلك الإيقاع الذي يسجنه من دون قدرة منه على السيطرة عليه، حتى في المحاولات غير الموفقة التي يمكن لمسها في محاورة هذا الإيقاع، مثل مغني الجاز، ولكن هذا أكبر من قدرته كما يتضح.

يخرج الكلام مقطّعاً، وكأنه يعاني صعوبة في الغناء، متناقضاً مع صورة مغني الروك المحترف التي يوصلها فيديو الأغنية والأزياء المبالغ فيها للفرقة جميعها، وقدراتهم التمثيلية الضعيفة التي تجعلهم يبدون كأنهم يمثلون أنهم يمثلون، وعلى الأخص الـ front man (أي هاني). الغريب أن قدرات الفرقة تسمح لها بالاستعانة بمدرب تمثيل طالما رغبوا بتقديم ألبوم كامل مصور في هذه النقطة الهامة من مسيرتهم الموسيقية الطويلة. وساعد على هذا storyboard ضعيف الكتابة بالفعل ظهر في إطارات التصوير وإخراج متوسط الجودة.

بالطبع، الأغنية التالية ستكون على إيقاع المقسوم. تداعب "فاكرة" نوستالجيا التسعينيات متمثلة في الغيتار الذي يلعب ما يماشي إيقاع المقسوم، وهو ما يستهجنه أغلب الموسيقيين في حقل الموسيقى البديلة باعتباره استخداماً ركيكاً للآلة. كذلك لحن من جملة وردها الموسيقي لا يعتبر لحناً حقيقياً. تستمر نفس مشكلة تقطيع الكلمات، وعدم وجود بناء حقيقي يمكن أن يراه المستمع للأغنية.

الإيقاع ما زال مسيطراً على الجميع. ولكن التطويل بدأ يظهر من هنا، لا جديد يحدث موسيقياً على طول الأغنية سوى دخول صولو ترومبيت موازٍ، يتماشى مع خط اللحن. نطق هاني الدقاق للكلمات يحوي مشاكل كثيرة، مثل مد حروف لا تمد، وهو عكس معاملته للإيقاع عندما يغني. توزيع آلات النفخ في الأغنية مميز، وفيه لمسة جاز رحبانية.

عن التصوير، حدّث و لا حرج؛ هاني الدقاق يعزف الغيتار جالساً، بينما في الخلفية تظهر لقطات كأنها ذكريات قصة حب على الشاطئ، ثم ينتقل للقطات نفسها وينقلها لأرض الواقع لهما (الحبيب والحبيبة) يلعبان الموسيقى.

لا يمكن أن يتجنب المستمع تذكر "كايروكي" مرة أخرى، و كأن أغنية "كائن فضائي" هي "ديناصور" الجديدة، لكن هاني الدقاق ليس بخفة أمير عيد؛ فيبدو أداؤه غريباً للغاية ومفتعلاً وغير واثق. للتعويض، يدخل فريق "إم تي إم" في الفيديو الذي يذكرنا بـ "دافت بانك" Daft Punk أيضاً، وحتى مع تحول الإيقاع إلى المقسوم لم تنجح الأغنية في تخلصها من ثقل الظل التي توحي به، ناهيك عن سذاجة الفيديو والتطويل غير المبرر.

في "صياد"، عودة إلى المقسوم التجاري الصريح. اللحن البسيط المتوقع. مجرد تصوير للفرقة تؤدي الأغنية مع ميكروفون جديد، وفي الخلفية راقصة تقليدية مصرية تُعرض على الشاشة. موسيقياً، الأغنية فارغة، وفيها ناي لا يكف عن القول المبتذل، في حين يأتي صوت هاني الدقاق غير واثق -في مناطق معينة من قدرته- على بلوغها مجدداً. الكلمات معقولة حتى نصل إلى الحكمة الخاتمة التي لا تعني شيئاً: "وزن السمك في الشبك رزق اللي صايدينه". مزيد من الإعادة لتتحول الأغنية إلى أغنية أخرى بإيقاع آخر أبطأ وسلالم موسيقية مختلفة، وتصبح الراقصة إيمي هي المشهد الذي يختتم الأغنية بلا أي مبرر موسيقي أو بصري.

"نضرني زين" هي الأغنية الأولى ذات الفكرة الموسيقية في الألبوم حتى الآن، والصوت الجديد، الذي ما زال ينقل معاناة هاني الدقاق في النطق العربي عنها في الغناء هذه المرة. لحن جيد وإن تخللته فراغات موسيقية كثيرة. الكلمات غير ثابتة اللهجة، الفيديو كليشيه استشراقي عن فتاة الصحراء، بالطبع لأن الإيقاع يحكم الجميع، ولكنه حكم حتى الصورة هذه المرة. الأغنية منتجة موسيقياً بعناية وإن عابها التطويل غير المبرر.

"نهايات الحكاوي" لحن جميل يحمل كلاماً مفككاً غير مترابط المعاني. زاد تفككه منظور هاني الدقاق كملحن للتعامل معه، وتقطيع الكلمات بشكل مزعج على بدايات الموازير وكأنه يخشى الوقوع خارج زمن الأغنية، ونطقه الغريب للحروف وركوزه على حروف لا تحتملها الأذن مثل السين، وتفخيم كلمة أحلام، ومد ما لا يجوز مده، مثل حرف الطاء.

الإنتاج الموسيقي للأغنية جيد بالفعل، لم يشبه سوى انقلابها فجأة إلى روك البينك فلويد كخاتمة من دون مبرر أو معنى يضاف. بصرياً، عدنا إلى المُطرب الجالس محتضناً غيتاره، واختفى المايك كما ظهر، بلا غرض. لكن البطل الحقيقي للفيديو كان الشاشات: المؤثرات البصرية والإضاءة المميزة.

جو من النغمة الواحدة غلب على أغاني الروك عبر الألبوم بشكل جعلها تشبه بعضها بعضاً. يسهل للمستمع التنبؤ بالجزء القادم منها أثناء الاستماع إليها. لعبة السيطرة على الإيقاع لم تحل دون ترابط الكلمات ووصول المعنى هذه المرة.

إلى الأنيميشن، والكلمات الذكية والموسيقى المتقنة في "مساومات". أغنية خفيفة الظل. لحن ساذج. حاول الدقاق أن يجعل أداؤه كوميدياً، ولكنه جاء أقرب إلى أداء شخص يغني إعلاناً رخيصاً ولا يعرف كيف يغنيه. الكلمات تنتهي فعلياً عند "صورتي هتتغير في عنيكي". ولضرورة موسيقية كي لا تنتهي الأغنية، يحدث استطراد غير ضروري لـ "وكبرت شوية و لقيتني قضيت عمري مساومات".

يختتم الألبوم بالكليب الذي أطلق في فبراير/شباط 2017، "مطلوب حبيب". أغنية معقولة. موسيقاها مصنوعة جيداً. لكن أداء هاني الدقاق الغريب يبقى ملاحظاً. كأنه عند غناء قوالب موسيقية غير مصرية تسيطر عليه نغمة تهكمية تتطلب تغييراً للسانه بشكل ما، بغض النظر عن معنى الكلمات، بالإضافة لمحاولاته استخدام تكنيك غناء معين من دون إجادته مثل الـ growl فيكون الناتج ضعيفاً.

بغض النظر، هناك تقدم موسيقي ملموس إذا ما قارنّا العمل هذا في عمل الفرقة السابق، "تقع وتقوم".

المساهمون